زينب الغنيمي تكتب لوطن من غزة.. 24 ساعةً دامية: قلوبُ الفاقدين أحبِتَهم تعتصرها المرارة والقسوة

اليوم العشرون للحرب 26 أكتوبر 2023

بعد عصر أمس لم تكن غارات طيران العدوان الإسرائيلي عاديةً بين شارعي اليرموك والجلاء في غزة. كانت أطنان المتفجرات التي تحملها الصواريخ تهزّ المدينة شرقًا وغربًا، لدرجة أن كلّ فردٍ أو عائلةٍ في المدينة اعتقدت أن الصاروخ جاء يقصد بيتها.

في ذات الوقت كانت غارات الطيران وصواريخ الموت تهزّ مخيّمي البريج والنصيرات، حيث استشهد 4 من عائلة الصحفي وائل الدحدوح، زوجته وحفيده، وابنته وابنه اللذان كانا يحلمان بأن يصبحا صحافيين كوالدهما، وكانا قد صوّرا قبل يوم من استشهادهما فيديو باللغة الإنجليزية يشرحان فيه حجم الدمار الذي أحدثه الاحتلال الاسرائيلي في غزة.

لقد رأى العالم قسوة الشعور بالفقد على شاشات التلفزة، وإلى أيّ مدى انهارت كل القيم الإنسانية والأخلاقية عند دولة الاحتلال الإسرائيلي ومؤيديها، أمريكا ورئيسها بايدن والدول الاوروبية ورؤسائها. بالإضافة إلى بعض الدول العربية الشريكة في المؤامرة على الشعب الفلسطيني، سواء الصامتين أو المطبّعين أو الذين يدّعون أنهم وسطاء، فهم يشاهدون دون تحرّك ما يحدث من مجازر جماعية للشعب في قطاع غزة حتى في أماكن النزوح والدمار الواسع للمباني.

للأسف، يوجد قاسم مشترك بين هؤلاء جميعهم، فهم يتمنون أن تُشطَبَ غزة من الوجود، بما يعني شطب القضية الفلسطينية، كي يرتاحوا من همّ هذه القضية، لأنّ أسيادهم الأمريكان يضغطون عليهم بأن يصمتوا ويربضوا وإلاّ ستكون عاقبتهم وَخيمة، كما يحدث الآن بالتهديد بتدمير لبنان فيما لو اتسعت الاشتباكات على الجبهة الشمالية.

أربعٌ وعشرون ساعةً داميةً لم تصمت فيها الصواريخ وقذائف الزوارق الحربية ومدفعية الدبابات. أحيانًا ربّما يطمئننا النهار قليلًا، حيث نستطيع التعرّف على مكان سقوط هذا الصاروخ أو ذاك، ولكنّ الليل الطويل الذي يليه لا تغمض فيه العين، حيث اليقظة رغم العتمة الشديدة، وهدير الطائرات يعلو ويصمّ الآذان لحظة سقوط الصاروخ.

ينتابنا الشعور أحيانا بأن الصاروخ التالي سوف يأتي فوق رؤوسنا، صراخُ أطفال الجيران قاسٍ ومُفزع ومُحزن طيلة الليل.

هذا هو حتمًا ليل الغولة كما وصفته حكايات أمي الرحمة لروحها، وهو ليس ليل الشعراء والعشاق. هذا ليلٌ دامٍ يلوّنه دم الشهداء بالأحمر، وحرائق البيوت تدمغه بالدخان الأسود. هذا الليلُ ليس به خيطٌ أبيضٌ أو خطٌّ أخضر.

نألمُ جراحنا لحدٍّ لا يُحتمل، ونأملُ حتى انتظار بارقة ضوءٍ لتُنهي هذه الحرب الوحشية، كي يأتي صباحٌ جديدٌ نكون فيه بخير.

زينب الغنيمي، من غزة تحت القصف