سوزان غوشة- اشراف: د. فلسطين نزال: لعل من أبرز التحديات التي تواجه الآباء في بناء وتشكيل الأسرة خاصة في مجتمعاتنا العربية والفلسطينية بشكل خاص هي تربية الاطفال ، نتيجة للعديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تؤثر على حياة العائلة وسلوك الافراد فيها حيث أن الازواج في مقتبل حياتهم يأتون الى المؤسسة الزواجية وهم مثقلين بأعباء الحياة ومتطلباتها ، ومن ثم يصطدمون بأدوار جديدة مطلوبة منهم في التربية ، بدون جاهزية وتحضير لهذه الادوار مسبقاً ، والتي تتطلب أعداد وتهيئة في ظل غياب الاهتمام الكافي في اعداد الشباب والفتيات لهذا الدور بالمستقبل .
حيث ما زال مفهوم التربية والانجاب يتأثر بالمعتقدات الموروثة مثل (أن الطفل يأتي وتأتي رزقته معه) بدون الاخذ بعين الاعتبار تعقد الادوار المطلوبة من الاهل في وقتنا الحاضر، وتعدد المؤثرات في التربية من الانفتاح على الثقافات وتأثير الاعلام ووسائله المتعددة والمتنوعة.
اذ لم يعد يقتصر دور الامهات والاباء على توفير الظروف المادية المطلوبة لتنشئة أولادهم، فالاب الذي يرى دوره يقتصر على جلب المال فقط والام التي ترى أن دورها يقتصر على الاطعام وتنظيف البيت هي نظرة محدودة للتربية رغم أهمية هذه الادوار الا أنها لا تعفي الوالدين اليوم من واجباتهم التربوية وبناء عائلة تتمتع بصحة نفسية، فالأطفال بحاجة الى وقت يخصصه الوالدان للاهتمام بهم واكسابهم المهارات اللازمة ليصلوا لمرحلة الاعتماد على النفس والقيام بواجباتهم تجاه ذاتهم ومجتمعهم.
لذلك رغم أهمية جميع الأدوار المهنية والاجتماعية التي نقوم بها ، الا أن تربية الأبناء تعتبر من أهم هذه الأدوار ، أذ أن عدم القيام بهذا الدور بالشكل المناسب يعود بالضرر والخسارة الكبيرة لنا وللأطفال والمجتمع بشكل عام ، واذا لم يؤديه الأهل كما يجب، فليس هناك من يقوم مقامهم حتى لو توفر أفضل المدارس أو المؤسسات التربوية .
من خلال خبرتي كأخصائية نفسية في المجال وفي التوجيه الوالدي لسنوات، أرى أن العديد من المشاكل السلوكية، لعب الأهل دوراً اساسياً في منعها ، وفي كثير من الاحيان يأتي العلاج متأخراً بعد أن حدث خللا في بناء الشخصية لدى الطفل نتيجة غياب دور الاهل .
و في وقتنا الحالي ومع تعدد مغريات الحياة المادية والتوجه لثقافة المجتمع الاستهلاكي، وتأثرنا كآباء وأمهات شئنا ام أبينا بالسوشال ميديا ، وتأثرنا بنموذج (السوبر ماما) التي تظهر نموذج مثالي للام لتي تحضر كل الكماليات والمشتريات لطفلها قبل مجيئه لهذا العالم ، اضافة الى غزو الاجهزة الالكترونية التي بات كل طفل مهما كان عمره لديه جهازه الذي أصبح يعتبر كحاضنة (بيبي سيتر) للام في إشغال الطفل ،واصبح التحدي أكبر ودور التربية أصعب .
ولكن يا ترى هل فعلا هذا جلبه لنا العالم؟ وأصبحنا مأسورين لقوانينه لدرجة نسينا دورنا التربوي وتركنا القيادة ، وتحولنا الى ان نكون آلة استجابة لأطفالنا امام مغريات هذا العالم المادي .
وهل استسلمنا للتربية المتساهلة التي تطلق العنان للطفل ليتصرف كما يحلو له بدون ضوابط وحدود ، وهل هي تربية صحيحة ام هي تربية تعطي فكرة خاطئة عن الحياة والمجتمع وبالتالي لا تعمل على إعداد الأبناء من أجل مواجهة الاحباطات ومسؤولياتهم في الحياة ؟
وكم نرى من الشباب والفتيات في مقتبل العمر فشلوا في زواجهم من أول إحباط يواجهونه في العلاقة الزوجية نتيجة عدم القدرة على تحمل الاحباط والتعامل مع ضغوطات الحياة .
أن من واجب الاهل تعليم الطفل على ان الدنيا ليست مصباح علاء الدين تحقق رغباتهم وأن هنالك حدود للسلوك وما هو ممنوع وما هو مسموح ، وان هنالك واجبات يجب القيام بها .
رغم ذلك فأن صبر الأهل يكون محدودا ًفي اقناع طفل صغير بالتخلي عن جهازه المحمول، أو محاولات الاقناع لعدم شراء لعبة منتشرة على صفحات السوشال ميديا ، فالبرغم من توجه الاهل الحر لتلبية رغبات الابناء في بعض الأحيان ، الا أنه ينفذ صبرهم في فترات أخرى فيها يطبقوا اساليب المنع والعقاب بشكل فجائي الامر الذي يصعب على الابناء تقبلها.
اما اذا استمر الاهل في الاستجابة لطلبات أطفالهم بدون حدود ، فسيأتي يوماً تفرض الحياة تحدياتها ، الامر الذي يخلق إشكاليات وصعوبات جمة لدى الطفل .
باختصار ، ان واجب الاباء التربوي اليوم هو واجب مضاعف، عليهم فهم عالم الطفل وتفهمه واحترام احتياجاته من جهة ، وفي نفس الوقت تعليمه كيف يحققها بالشكل الذي يتلاءم مع رغباتنا واحتياجاتنا نحن وبالشكل الذي يقبله المجتمع ويرضى به، على الاهل أن لا يتخلوا عن دورهم في القيادة وتقلب الادوار ليصبح الطفل هو الامر الناهي ويقتصر دور الاهل على الاستجابة فقط .
لذلك أصبح واجباً علينا كأهل ولم يعد خياراً أمامنا، الا أن نضع موضوع التربية نصب أعيننا والتزود بأصول التصرف الأنجح اتجاه الابناء، من خلال التثقف بأمور التربية، الالتحاق بالدورات التربوية والقراءات ، والتوجه للمختصين النفسيين عند الحاجة، وذلك لتفادي الاخطاء والضرر على الاطفال الذي يسيء للأبناء نتيجة غياب دور الاهل و الجهل بالأساليب التربوية الملائمة ومن أجل دعم دور الاهل في التربية وتحدياتها في عصرنا الحالي.