كتب: د.عقل أبو قرع
بعد تشكيل الحكومة الجديدة، بدأت الوزارت الحكومية والمؤسسات غير الحكومية والجهات الدولية المانحة تتسابق في التحضير من أجل دعم الشريحة من ذوات الفئات العمرية الصغيرة، من الشابات والشباب، وبالتحديد من الخريجات والخريجين، والتي تشكل النسبة الاكبر من التركيبة الديمغرافية لمجتمعنا الفلسطيني، تلك الشريحة التي يتراكم الخريجون والخريجات منها بعشرات الالاف في سوق العمل كل عام بدون عمل ومع شبح بطالة قاتم وانعكاساته السلبية بعيدة المدى في مختلف المجالات.
وحسب استطلاعات لجهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني، ارتفعت نسبة البطاله عند خريجي المعاهد والكليات والجامعات الفلسطينيه الشباب لتصل الى اكثر من 50%، وتزداد بأضطراد، في ظل ضعف التخطيط وجشع الجامعات لاستقطاب اكبر عدد من الطلبة، وتصل نسبة البطاله عند خريجي بعض التخصصات الى حوالي 70%، أي ان حوالي 700 خريج من هذه التخصصات من مجموع 1000 خريج لا يجدون عملا، وبالاضافه الى ذلك وحسب بيانات من جهاز الاحصاء فأن حوالي 30% من الشابات والشباب يعيشون تحت خط الفقر المتعارف عليه، وهذه الارقام وغيرها هي أرقام مرعبه ومقلقه وتتطلب التعامل معها، سواء من خلال الجهات الرسميه المعنيه، أو من قبل المنظمات الدوليه أو مؤسسات المجتمع المدني المتعدده التي تنادي أو تتسابق لدعم الشباب من خلال المشاريع المختلفة التي تقوم بتنفيذها.
حيث بات هذا الواقع من الاوضاع المؤلمه والمحبطه وبالاخص الى الخريجين المتحمسين للعمل، والذين نشاهدهم ب الالاف هذه الايام، هذا الواقع الذي يتجلى في عدم ايجاد فرصه للعمل، سواء في القطاع الخاص وهو القطاع الواعد والذي يعول عليه في بلادنا وفي الكثير من بلدان العالم، أو في القطاع العام المثقل والخامل والراكد، الذي لا يستوعب من الموظفين الجدد الا بقدر ما يغادره من موظفين سواء بسبب التقاعد أو لغير ذلك من الاسباب، وفي ظل اقتصاد محدود ومقيد ومحاصر ويرزخ تحت اهواء الاحتلال، وتتلاعب فيه وفي امكانية ومستوى نموه، الكثير من مصالح الاطراف الدولية والاقليمية وحتى المحلية.
وحتى في ظل حالة عدم الاستقرار والخوف عند رأس المال الخاص، والذي فقط يعمل وكما تشير ارقام الهيئات المختصه، على تكديس المليارات في البنوك وبدون استثمار والتي تزداد سنويا، املا بأن تتغير الاوضاع ليتم ضخها الى الاسواق، في ظل كل ذلك اليس من الاجدر من الحكومة الجديدة ومن غيرها من مؤسسات الدعم، الى تحضير مبادره أو مبادرات على الصعيد الوطني من أجل انشاء مظله حاضنه وبعقل اداري عصري موضوعي يتلائم مع الاحتياجات المحليه والعالميه، لاقامة مشاريع صغيره انتاجيه مستدامه تنبع من الاحتياجات والامكانيات، سواء لشخص أو لمجموعه من الاشخاص، وقادره على ابعاد شبح وتداعيات البطاله أو عدم العمل، من كافة النواحي، سواء اكانت النواحي الاقتصاديه والاجتماعيه أوحتى الاثار النفسيه.
حيث ان هناك العديد من المؤسسات، ومن ضمنها الدولية والاقليمية، التي تنادي الى محاربة أوالحد من البطالة، من خلال دعم تطبيق فلسفة " المشاريع الصغيرة الانتاجيه المستدامة"، اي المشاريع التي لا تنتهي
مع نضوب الدعم او المنح، بل تستمر من خلال ناتجها الذتي، وبل تنمو وتكبر وتتوسع، سواء من ناحية الكمية، او النوعية اي تتفرع الى اعمال اخرى، قد يكون لها علاقة ما بالعمل الاصلي او قد لا يكون، وهذه المنادة من المفترض ان تتحول الى استراتيجية عملية مستدامة للدعم، سواء من خلال الدعم المادي المباشر، أو من خلال التدريب، أو من خلال دراسات الجدوى، أو من خلال المساعدة في التخطيط والتقييم، أو من خلال كل هذه الاعمال معا، وهذه الاستراتيجية هي ما نحتاجة في بلادنا، اما لمحاربة الفقر، او للحد من البطالة، ومن المعروف انهما مترابطان.
وفي بلادنا، حين تصل نسبة البطاله بشكل عام الى حوالي ال 28%، وعند الخريجين الى حوالي ال 60%، وتصل نسبة الفقر بشكل عام الى حوالي 25%، اي ان حوالي ربع السكان فقراء، فأن الامر يتطلب اكثر من توزيع المساعدات العينية او ألمادية مع بداية كل شهر والتي لا تتعدى المئات من الشواكل، بل يتطلب حلول لها صفة الاستدامة، اي مساعدات لمرة واحدة فقط، تنهي الاعتماد على الحكومة او غيرها من الجهات، وتنهي عملية الانتظار حتى نهاية الشهر لتلقي المساعدات، وتخلق روح المسؤولية والكرامة والاهم روح العمل والمثابرة وترسخ مبدأ الاعتماد على الذات وليس على الحكومة او الاخرين.
والمشاريع الصغيرة الانتاجيه المستدامة، ذات التكلفة غير المرتفعة سواء اكانت تتمثل بأنشاء معمل خياطة متواضع مثلا، او بيت بلاستيك للزراعة ، او اقتناء بعض الاغنام او الابقار للحم او للحليب، او حتى اقتناء ورشة حدادة او ميكانيك او لاصلاح الكمبيوتر ، وما الى ذلك من الامثلة، هي المشاريع التي تعتمد على نفسها او ناتجها وبشكل دائم، وهذه المشاريع تبدو هي الامثل والاكثر واقعية والاكثر انسانية او الاكثر كرامة لمعالجة الفقر والبطالة في بلادنا، وبالطبع هذة المشاريع ورغم حجمها او قلة تكاليفها او مساهمتها في الاقتصاد، الا انها تعتبر مشاريع مستدامة منتجة.
وفي دول عديدة، وبالاضافة الى الاموال او الجهود المخصصة لمشاريع الحد من الفقر والبطالة، هناك صناديق استثمارية، سواء من اموال القطاع العام أو اموال القطاع الخاص،حيث تبحث هذه الصناديق عن الافكار والاشخاص المبدعين الذين تزخر بهم بلادنا وتجذبها ، وتوفر لهم الاموال اللازمة والبيئة الملائمة للنجاح واكثر من ذلك, وبالطبع هناك الحوافز التي يجب ان توفرها الجهات الرسمية، سواء اكانت تتعلق بالبنية التحتية او الضرائب او التسهيلات اللوجستية والمالية من اجل البدء بمشاريع الريادة، ولا داعي للذكر ان مشاريع الريادة هي بشكل عام مشاريع تتسم بالمغامرة .
ومع البدء بعد عدة اسابيع في التحضير لحفلات التخريج لهذا العام، وتواصل ارتفاع نسب البطاله عند الشباب الخريجين، يتواصل تدفق الالاف من الخريجين الى سوق العمل الذي لا يوجد فيه عمل، فمن الاحرى والاولوية للحكومة الجديدة في بلادنا ، ان تهتم اكثر بالكفاءات البشرية التي تبحث عن فرصة للبدء بمشروع، وان نقدم لها التسهيلات، بدءا من المكان والبنية التحتية ، وكذلك تخصيص الصناديق لذلك، ليس فقط للبدء بالمشروع ولكن كأحدى الضمانات في حال الفشل.
ولا يعني هذا ان الدعم والتشجيع يقع على الحكومة فقط، ولكن هناك دور هام للقطاع الخاص الفلسطيني، ولمؤسسات الدعم العامة والمجتمع المدني، في رعاية ودعم وتشجيع الابداع والابتكار والريادة، والاهم اعتبار المشاريع الريادية الانتاجيه الصغيره، وبغض النظر عن حجمها او اهميتها احدى الركائز الهامة لمكافحة البطالة وتداعياتها، سواء خلال المدى القصير او الطويل، وسواء اكان ذلك للخريج الحالي أو
لغيرهم من الخريجين الذين يحملون شهادات من شتى الانواع والدرجات ويملكون المهارات وافاق الابداع، ويشكلون الركيزة الاساسية للرأس المال الاهم الذي يملكه المجتمع الفلسطيني، الا وهو راس المال البشري.