الموازنة الخاصة بالفئات المهمشة في فلسطين .. إلى أين ؟

بالعربي -كتبت إكرام التميمي:

نبدأ من تعريف الفئات المهمشة ..من هم ؟ ولنجيب هنا لا بد أولاً أن نؤكد وهذا لا يخضع لجدل بأن أي شعب يتعرض لانتهاكات حقوق الإنسان، وضمن دائرة من الصراع، ويتعرض يومياً وعلى مدار عقود طويلة لجرائم حرب وما يسمى جرائم ضد الإنسانية هو شعب وبكل فئاته مهمش لطالما لم تؤخذ ضمانة فعلية لإنفاذ لكامل حقوقه المشروعة وحقه العام باسترداد ما سلب منه والقائم على الشرعية الدولية والحق بتقرير مصيره والإنعتاق من نير الإحتلال والوصول إلى كينونة الدولة المستقلة.

ومن هنا فإن منطلق الفئات المهمشة: قد يطلق هنا على أي إنسان يتعرض لانتهاكات حقوق الإنسان، وفي غياب الاهتمام الكامل، ودون ضمانات كافيه من المجتمع الدولي برمته، وكفالة المساواة بين الشعوب كافة ودونما تمييز عرقي أو ديني أو جنسي والجميع بالمنظومية الحقوقية سواء، كالمرأة، والأقليات، والسكان الأصليين، والنازحين، والمهجرين، والمبعدين، وضحايا الكوارث، والأسرى، والمعوقون, والمعاقين، والأطفال ،وكبار السن، وذو الأمراض المزمنة، وغيرهم.

وليست هناك قائمة محددة أو موحدة عن الفئات المهمشة ممكن تصنيفها، فهي تختلف وتتفاوت حسب الزمان والمكان، الأمر الذي يعني أن تؤخذ الحالة الراهنة فيه في  كل بلد، وحسب كيانها، وللتأكد من عدم إقصاء أي من تلك الفئات أو حرمانها من فوائد الموازنة العامة لأي دولة قائمة أو دولة ما زالت في طور الإعداد والبناء ونحو تحقيق الإستقرار والأمن والحرية والاستقلال، وإعداد المؤسسة الدولية الشمولية المثالية للحياة الكريمة   وضمان توفر مقومات الحياة الكريمة، ودون تبعية، أو قسرية من أحد  .

هكذا يكون من الضروري أن تفرز المعلومات التنموية، وللتمكين الذاتي الخاص، والعام،قدر الإمكان، حسب التوزيع الجغرافي، والديموغرافي، وضمان إدماج ذلك وحسب متطلبات النوع الاجتماعي، والعناصر الأخرى ذات الصلة بحقوق الإنسان، وان يتم تحديد كيفية توزيع الموازنة وبنود صرفها، وتبقى تحديات عديدة لدراسة وبحث متطلبات عوائد التنمية، ومن هذا المنطلق ستخرج المؤشرات التي تحدد الفئات الأكثر حاجة ولفرز المستفيد الغير مستحق، ومن المحروم الأحق بذلك منها.

ويقتضي منهج الحق إدخال الضمانات المحددة في برامج الموازنة ،للحماية ضد التهديد لحقوق ورفاه كل هؤلاء ، الذين يكونون على هامش أولويات المجتمع المعني.

كما ينبغي على جميع قرارات وسياسات ومبادرات الموازنة وميزانيات البرامج فيها - الالتزام في سعيها لتمكين الفئات هذه - محلياً، ودولياً،على أن تتضمن صراحة وبمنتهى النزاهة والشفافية،المخرجات وحسب المعطيات للفئات المستفيدة وعدم الإخلال والمس بالتوازن بين المرأة والرجل وفي كل المجالات .

وللحديث حول دور الأمم المتحدة حتى الآن في توفير الآليات والبرامج الواجبة عليها باتخاذ كافة التدابير لضمان توفير استقرار المجتمع الدولي وربط ذلك بالحاضر والواقع الأليم نتاج الصراعات والنزاعات في منطقة الشرق الأوسط وهي بحاجة إلى إعادة سياساتها كاملة تجاه دول المنطقة، ولا سيما في دولة فلسطين المحتلة وحيث هي ومنطقة البحر المتوسط بات من المسلم أنها هي محور الصراع على مقدرات الشعوب والمنطقة، والأخذ بالحسبان ثورات الشعوب العارمة في الشرق الأوسط، والتي تطالب وتدعم التغيير، ونحو العدالة المجتمعية التي يطمحون لها، وعلى الرغم من الصعاب والتحديات على الصعد الوطنية، والإقليمية ،والدولية، ظلت منظمة الأمم المتحدة تعمل من خلال أجهزتها ووكالاتها المختلفة من أجل دعم وتطوير مفهوم الحق في التنمية وربطه بحقوق الإنسان، وبالإشارة إلى الجهود التي بذلتها الجمعية العامة، ولجنة حقوق الإنسان، وكافة المعنيين بحقوق الإنسان، إلا أنها حتى اليوم هي محاولات خجولة، لا توفر أية ضمانات مستقبلية بتحقيق استقرار المنطقة، والتي بات يخشى منه تراجع مستوى دخل الافراد ويكاد يكون معدوما وبالتالي ازدادت نسبة تدني الفقر في العديد من دول المنطقة وجل ذلك يهدد الأمن الغذائي العالمي وبكافة المستويات .

ومن خلال العديد من المتابعات لم تقف الجهود عند ذلك الحد، بل توالت من خلال فريق العمل وتقارير الأمين العام وإصدار التوصيات للحكومات ومنظمات المجتمع المدني والمطبوعات والتشاور مع الحكومات والمنظمات الدولية حول آليات إعمال الحق في التنمية والعقبات التي يواجهها ووسائل قياس التقدم المحرز، ولكننا نجد حتى الآن بعدم نجاعة كافة التدابير والإجراءات تلك لا إقليمياً، ولا دولياً  ولا محلياً أيضاً، كونها غيبت رؤى حقيقية، مرصودة بجدول أعمال وفق آليا ت يمكن قياسها على واقعنا الفلسطيني بتغيير أفضل نحو التنمية الاقتصادية، بل أدخلتنا برامجهم وعدم احتواءها للعدالة التي قامت ونشأت عليها، نحو مجموعة بنود نحو تقليص الموازنة العامة للسلطة الفلسطينية والتي جرت الحكومة الفلسطينية نحو العجز أحياناً والتقشف أحياناً أخرى، وعليه لا نعول على دور الأمم المتحدة، بل يجب وضع حلول من جانب الحكومة في السلطة الوطنية بعدالة بتوزيع الموازنات وحسب دراسات واحتياجات كل قطاع، وحسب الأولويات، والإعتماد على الموارد البشرية، والكفاءات والقدرات العقلية من الفلسطينيين والفلسطينيات والحد ما أمكن من هجرة العقول، والخيار الأول استثمار الموارد الزراعية والصناعية والبدائل بالمنتجات الوطنية المحلية عوضاَ عن الإستيراد .

في العام 1996 كونت لجنة حقوق الإنسان فريقاً جديداً من 10 خبراء لمدة عامين لوضع إستراتيجية لإعمال الحق في التنمية في ضوء عمل الفريق السابق.

وخلال ما تم نشره " تقدم الفريق الجديد بمقترحات حول إجراء حوار أوسع داخل الأمم المتحدة، حول إعمال الحق في التنمية وإدماجه في أنشطة آليات اللجان والجهات المعنية برصد أوضاع حقوق الإنسان بموجب العهود الدولية الرئيسية المعنية بحقوق الإنسان، ووضع نظم للتقارير من جانب الدول حول آلية إعمال الحق"، ومن هنا  نطالب كما اقترح سابقاً إستراتيجية على ثلاثة مستويات تشمل:

على مستوى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية سياسات وبرامج جديدة وبضمان وجود محددات وشروط قانونية ملزمة لدولة الإحتلال بإنفاذ جميع التوصيات وضمان التنمية الإقتصادية الفلسطينية، وبضمانات دولية ملزمة.

المطالبة بمشاركة المفوضية السامية، ولا سيما الجانب المتعلق في دمج الحق الفلسطيني باستخدام الموارد والمصادر الطبيعية من مياه ومن منطلق الحقوق الواجبة على ضرورة توفير المجتمع الدولي وحق الشعوب في التنمية ومن خلال اشتراك فاعل للجانب الفلسطيني وضمان تشكيل سياسات وبرامج واستراتيجيات عمل وتشكيلها من خلال اللجان الدولية والحقوقية الإنسانية ولدعم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب الفلسطيني،

على مستوى السلطة الوطنية الفلسطينية : التأكيد على ضرورة اتخاذ التدابير التشريعية ،والاقتصادية ،لمحاربة التهميش والفقر، وتعزيز احترام حقوق الإنسان، وعليه يمكن أن نطالب بدعم موازنة السلطة الوطنية، لتعزيز التدابير ووفق منهجية خاصة بنا لمحاربة الفقر، وكفالة حقوق القاعدة الأكبر تضرراً من المهمشين .

على مستوى المجتمع المدني المحلي: يجب تشجيع كافة المنظمات على المشاركة وإدماج الحق في التنمية في أنشطتهم وبرامجهم والتمويل داخل أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة ولا سيما في مناطق السيطرة الإسرائيلية.

ونلقي الضوء عما صدر في العام 1998، بحيث عينت لجنة حقوق الإنسان خبير مستقل ومع فريق عمل مفتوح العضوية لمتابعة تطورات إعمال الحق في التنمية ودراسة وفحص تقارير الدول والمنظمات الدولية حول الصلة بين أنشطتها والحق في التنمية والعون المطلوب لذلك. كما تم تكليف المفوضية السامية بتقديم توصياتها حول العون التقني ورفع تقرير سنوي إلى اللجنة. كما قدم الخبير المستقل عدة تقارير حول آثار السياسات الاقتصادية ،والمالية الدولية ،على ممارسة حقوق الإنسان واقترح ميثاقاً للتنمية يتضمن: برنامجاً للتنمية المبنية على احترام الحقوق وعلى العدالة والمشاركة والشفافية؛ تقليص الفقر وفق آلية للتقييم؛ ومواثيق للتنمية بين الدول النامية والمجموعة الدولية؛ وآليات للمراقبة والرصد .وعلى ما سبق نؤكد على ضرورة إلزام كل الدول المحتلة لأي شعب يتعرض لجرائم حرب بدفع التعويضات، وضمان دولي جماعي باتخاذ أقصى العقوبات نحو الدول المتسببة بانتهاكات لحقوق الإنسان .

وهنا نستشرف الماضي والحاضر .. ونطالب كل الأطراف ببذل الجهود وتوفير السبل بوضع خطط شاملة ومسؤولة عن ضمان حق، وكفاية الفئات المهمشة في الأراضي الفلسطينية، والتي ما زالت في دائرة الصراع ،وتحت الاحتلال، وتحميل الجانب الإسرائيلي بدفع تعويضات عن خسائر الفلسطينيين أينما وجدوا في الداخل أو الشتات، وبضمانات من الأمم المتحدة، والدول الراعية والمحبة للسلام، والساعية نحو تعزيز الأمن الغذائي بالعالم، والإستقرار السياسي، والاقتصادي، طالما يعنيهم تعزيز السلم والأمن الأهلي والعالمي في منطقة الشرق الأوسط، والأراضي المقدسة خاصة، والعالم كله وبذلك تنحسر موجة الإرهاب والعنف والصراعات بالمنطقة.

واستناداً على ما  تقدمت به المفوضية السامية لحقوق الإنسان في العام 2002 بتقريرها إلى اللجنة متضمنا أنشطتها والدعم التقني والإداري لفريق العمل، ومساعدة الخبير في مجال البحث وتنظيم عدة حلقات دراسية في مختلف الدول عن الحق في التنمية، والعمل مع الأجهزة والآليات المختلفة وفي طرحه برنامجه لإصلاح منظمة الأمم المتحدة عام 1997، وحيث  أكد الأمين العام للمنظمة أن حقوق الإنسان تشكل جزءاً أساسياً من جهود تعزيز السلام والأمن والرفاه الاقتصادي والأمن الاجتماعي، وأن الأمم المتحدة ظلت منذ نشأتها، كمنظمة دولية، تعمل بفاعلية من أجل تعزيز حقوق الإنسان، ووضع المعايير اللازمة لرصد الالتزام بالمواثيق الدولية وفي ذات الوقت، مع مراعاة التباين الوطني والثقافي. وعليه، موضوع حقوق الإنسان يعتبر نقطة تقاطع لجميع برامج وأنشطة الأمانة العامة الأربعة: السلام والأمن، الشئون الاقتصادية والاجتماعية، التعاون التنموي، والشئون الإنسانية، الأمر الذي يعطي للمفوض السامي لحقوق الإنسان قاعدة محورية ومؤسسية قوية لقيادة مهمة المنظمة في مجال حقوق الإنسان.

فعليه نعزز ما سلف وقيل ونطالب بفعاليته في آليات التطبيق وليتم بلورته بشكل عملي داخل منظومة الدعم الواجب توفيره في هذا المجال لوجيستياً ومعنوياً، ومادياً ، وببرامج موجهة لدعم الفئات المهمشة، وضمن موازنات الدول تلك، وتحويلها إلى موارد يمكن الاستفادة منها لتعويض الشعوب المنتهكة حقوقها، ولضمان حياة كريمة لهم، وبتوفير الحد الأدنى لمقومات الحياة الإنسانية والتنمية, ولضمان استقرار المنطقة دون مساس للحريات، وإلا فهناك من سيهب بثورات لا تحمد عواقبها، ولن تولد إلا تأجيجاً للصراع والنزاعات الخلاقة وستزداد وترتفع موجة الإرهاب وستندلع العديد من التهديدات وتعزز من تزايداً كبيراً  للأزمات في كامل أرجاء المنطقة .