اليومان التاسع عشر والعشرون بعد المائتين لحرب الإبادة على غزة، 12 و13 مايو 2022
يتعرّض قطاع غزة من جنوبه حتى شماله مُجدّدًا لعدوانٍ وحشيّ، حيث يستخدم الجيش الصهيوني كُلّ أسلحته الثقيلة من صواريخ الطائرات التي تستهدف منازل المواطنات والمواطنين وتُوقِع عشرات الشهيدات والشهداء في مجازرٍ ضدّ عائلاتٍ بأكملها. وحين تستغيثُ العائلات من تحت الأنقاض طلبًا للنجدة، لا يتمكّن أحدٌ من إغاثتها، حيث تقوم الدبابات برمي القذائف والقنابل المتفجّرة، كما تُطلق النار عبر طائرات الهليوكابتر والكوادكابتر على كُلّ من يتقدّم لإنقاذ الجرحى أو الأحياء منهم.
ربما يقول البعض إنّ ما يحدث ليس بجديدٍ، فطيلةَ شهور هذا العدوان والمشاهدُ تتكرّر، ولكن ما يحدث الآن في شرق مدينة غزة (حي الزيتون وحي الصبرة)، ومدن الشمال خصوصًا جباليا وبيت لاهيا، إنما يأتي في ظلّ استغلال حالة جذب الأضواء على عمليّة التوغل في مدينة رفح للاستفراد بمدينة غزة وشمالها.
وأنا في طريقي لتفقّد منزلي كان مشهد النازحات والنازحين من شمال غزة يُدمي القلب، وهنّ وهم على عربات الكارّو التي تجرّها الحمير ليُعيدنا للمربّع الأول مع الشهور الأولى لهذا العدوان الغاشم، حيث أُجبر الناس على ترك بيوتهم، وعندما ادّعى جيش الاحتلال انتهاء عملياته العسكرية في مدينة غزة وشمالها، منهم من عادوا إلى بيوتهم فلم يجدوها فلجأوا إلى مراكز الإيواء، ومنهم من وجد نصف بيتٍ أو ربعه فاستقرّ في ذلك الجزء الباقي.
من الصعب وصف مشهد الرعب الذي عشناه الليلة السابقة، فقد كان استثنائيًا، لأنّ القصف اشتد في غفلة الهدوء، وكُنّا نعتقد أنه من الصعب تكرار ما حدث سابقًا، حيث لا مُبرّر لذلك، فلم يعد في مدينة غزة وشمالها ما يمكنه أن يخضع للتدمير، فبقايا البيوت لا تحتاج لكُلّ هذا الكم من القنابل المتفجرة كي تُزيلها.
وما يجري في مدينة رفح لا يقلّ وحشية عما حدث ويحدث في مدينة غزة وشمالها، بالرغم من ادّعاء وكذب جيش الاحتلال أنّ عملياته محدودةٌ في مناطق شرق رفح، ولكنّ ما يجري على أرض الواقع، أنه خلال يومين جرى تشريد نحو ثلاثمائة مواطنة ومواطن، وما زال سيل التهجير ماضيًا إلى اللامكان حيث لم يعد في قطاع غزة مكانٌ آمن، وعدنا مُجددًا لتوقّف الاتصالات والإنترنت خصوصًا مع من نزحوا من رفح إلى أماكن مختلفة.
إنّ ما يحدث مُخططٌ صهيونيٌ برعايةٍ أمريكية وتشترك فيه أنظمةٌ عربيةٌ بشكلٍ مباشر، ومباركة باقي الأنظمة بشكلٍ غير مباشر، حيث يريد الجميع التخلّص من عبء قضية الشعب الفلسطيني، وذلك عبر ترك الكيان الصهيوني يقضي على الشعب في قطاع غزة، ويُقلّم أظافر الشعب في الضفة الغربية بموسٍ حاد كي لا تنبت مُجددًا، ومن ثمّ تُولّى شؤون إدارة الشعب تحت الاحتلال لمن يرتضون أن يكونوا بيادق وأدواتٍ ضاربة ضدّ كُلّ من يُفكّر بمقاومة الاحتلال.
إنّ تصريحات الرئيس الأمريكي الذي قال: "أن إسرائيل لم تتجاوز الخطوط الحمراء بعد" واضحةٌ وضوح الشمس، وما قاله أيضًا أنه: "اتفق مع خمسة من قادة الدول العربية" بما معناه كي يتولّوا بعد انتهاء هذه الحرب شؤون الإعمار والإشراف على إدارة قطاع غزة، هذا في ذات الوقت الذي تصدر فيه تصريحات عن قادة حكومة الحرب الصهيونية، بما يعني أن تتحمّل الدول العربية كلفة هذه الحرب، وكأنّهم يقولون للأنظمة العربية: ها نحن خلّصناكم من عبء الشعب الفلسطيني وعليكم دفع الثمن، مع العلم بأنّ بعض الدول العربية حاليًا تقوم بدفع الثمن مباشرة باعتبارها شريكةً في العدوان، وذلك بتزويد الكيان الغاصب بوقود الطائرات من بترولها الذي يُستخدم في القضاء على شعبنا، كما أنّ فضاءَها تتنقل فيه الطائرات لحماية أجواء الكيان الصهيوني.
إن استمرار العدوان الصهيوني على رفح، واستمرار إغلاق المعابر، واستمرار الكرّ والفرّ في مدينة غزة وشمالها لا يُنذر بالخير، بل يُشير إلى أننا سنستمر في العيش في ظلّ هذا العدوان حتى يتغيّر الحال، وما نأمل به أن نصحو لنرى انتهاء هذا الكابوس.
زينب الغنيمي، من مدينة غزّة تحت القصف والحصار