هل "مصالح مصر " تتحقق من خلال شراء الغاز الفلسطيني المنهوب صهيونياً؟- جورج كرزم

بالعربي-كتب: جورج كرزم: "مصر منفتحة على استيراد الغاز من إسرائيل...واردات الغاز من إسرائيل تعتبر إحدى الإمكانيات"، هذا ما صرح به وزير النفط المصري شريف اسماعيل لمجلة المصور المصرية المملوكة حكوميا (14/1/2015).  وتابع:  "أي شيء يمكن أن يحدث.  أي شيء يحقق أفضل المصالح لمصر وللاقتصاد المصري ولدور مصر في المنطقة...هذا ما سيحدد قرار مصر باستيراد الغاز من إسرائيل".  الحكومة المصرية تزعم بأن استيراد الغاز من إسرائيل قد يساهم في حل أسوأ أزمة طاقة تواجهها منذ عقود، وهي تبحث عن مصادر للغاز الطبيعي الذي يزود معظم المنازل والمصانع المصرية بالطاقة؛ ومن هذه المصادر أيضا الجزائر، روسيا وقبرص.

شركة "ديليك" الإسرائيلية التي تعتبر المستثمر الرئيسي في آبار الغاز بالساحل الفلسطيني، إلى جانب شركة "نوبل إنيرجي" الأميركية، قالت في شهر تشرين ثاني الماضي بأنه في حال التوقيع على اتفاقية مع مصر فإن إمداد الأخيرة بالغاز سيبدأ عام 2017.

شركات مصرية تتفاوض حول استيراد الغاز من إسرائيل، في ظل علاقات أمنية-عسكرية قوية بين إسرائيل والنظام المصري اللذين يتقاطعا في مصالح مشتركة أبرزها احتواء حركات المقاومة الفلسطينية، وبخاصة حركة حماس؛ وذلك رغم منسوب العداء العالي لدى الشعب المصري ضد إسرائيل التي تحتل الأرض العربية والفلسطينية، وتعتبر بنظر الغالبية الشعبية المصرية عدوا رئيسيا.
الأمر المثير أن مصر التي كانت حتى قبل نحو ثلاث سنوات تصدر كميات ضخمة من الغاز لإسرائيل، أصبحت، خلال السنوات الأخيرة، مستوردا صافيا للطاقة!  وفي مقابل سعيه لاستيراد الطاقة من إسرائيل، يعمل النظام المصري على خفض أو إلغاء الدعم عن السلع الغذائية الأساسية للشرائح الشعبية.

إمدادات الغاز المصري لإسرائيل توقفت بسبب سلسلة الهجمات على خط الأنابيب، إثر سقوط نظام حسني مبارك، ثم توقفت تماما بعد أن قرر نظام محمد مرسي إلغاء الاتفاق مع الشركة المصرية التي تصدر الغاز لإسرائيل.

من المفيد التذكير أن نظام مبارك كان قد أبرم عام 2008، من خلال شركة خاصة، صفقة لتزويد إسرائيل بكميات كبيرة من الغاز المصري، لتستخدمه الأخيرة في توليد أكثر من 20% من طاقتها الكهربائية لمدة عشرين عاما.  وكانت إسرائيل تشتري الغاز المصري بنحو 10% من سعره في السوق العالمي!  واعتبرت هذه الصفقة مهينة للشعب المصري وتفريطا بثرواته الطبيعية بأبخس الأثمان لصالح دولة تمارس أبشع أشكال التنكيل الدموي ضد الفلسطينيين بخاصة، والعرب بعامة.

وفي نفس فترة إبرام الصفقة مع إسرائيل، رفع نظام مبارك أسعار الوقود للمستهلك المصري بنسبة 50%!  وفي الوقت ذاته، شارك نظام مبارك في تشديد الحصار على قطاع غزة، وحرص على منع دخول الوقود والمحروقات، عبر معبر رفح، إلى الأهالي الغزيين المجوعين والمقهورين، مما اضطرهم لاستخدام زيوت الطبخ وقودا لسياراتهم، الأمر الذي شكل خطرا بيئيا وصحيا مميتا على المواطنين.
المدهش حقا، أن نظام السيسي الحالي الذي يفترض أن يشكل بديلا وطنيا يلبي طموحات الشعب المصري، يعتبر (على لسان وزير النفط شريف اسماعيل المذكور سابقا) أن استيراد الغاز من إسرائيل "يحقق أفضل المصالح لمصر وللاقتصاد المصري ولدور مصر في المنطقة".  السؤال الجوهري المطروح هو:  أين تبخر فجأة احتياطي الغاز المصري الضخم في سيناء الذي كان يجري الحديث عنه منذ زمن بعيد، وقد تم التفريط به بأبخس الأثمان لصالح دولة استعمارية، في وقت رفع نظام مبارك أسعار الوقود على المواطن المصري أضعاف سعره لإسرائيل؛ ومع ذلك، فإن جميع المتورطين في هذه الصفقة مع الاحتلال، والمذلة للشعب المصري طلقاء؟
هل"مصالح مصر والاقتصاد المصري ودور مصر في المنطقة" تتحقق من خلال تذلل أكبر دولة عربية (نحو تسعين مليون نسمة) لدولة عدوانية صغيرة، وشراء الغاز الفلسطيني الذي يخضع لها ولنهبها، كما نهب سائر مواردنا الطبيعية والمائية؟  وما الفارق بين صفقات نظام مبارك والنظام الحالي مع إسرائيل؟

وكما حال الصفقات التجارية للسلطة الفلسطينية والنظام الأردني مع "إسرائيل"، وتحديدا فيما يتعلق بصفقات الغاز الذي تنهبه الشركات الصهيونية من الأرض الفلسطينية، يحاول النظام المصري تمويه مسألة "شراء" الغاز من إسرائيل من خلال إبراز وجود شركة أميركية تسمى "نوبل إنيرجي"، وهي شريكة في حقلي "تمار" و"لفيتان" في المياه العربية والفلسطينية؛ علما أن شركة "ديلك" الإسرائيلية تمتلك حصة الأسد في حقول الغاز الذي تستولي عليه "إسرائيل".

ثم هل توجد علاقة ما بين قرار النظام المصري (من خلال القضاء الصوري) الذي اعتبر فصيلا فلسطينيا عسكريا رئيسيا مقاوما (كتائب القسام) وحركة سياسية مقاومة (حماس) منظمات إرهابية، من ناحية، وبين إبرام الصفقات التجارية والسياسية-الأمنية مع الاحتلال، وتشديد الحصار على قطاع غزة، من ناحية أخرى؛ في استمرار صارخ لنفس نهج نظام مبارك المخلوع؟

باعتقادي، يهدف القرار المصري بالدرجة الأولى إلى تحويل المقاومة الفلسطينية المسلحة في غزة، وبخاصة كتائب القسام، إلى كبش فداء للتغطية على عجز النظام في القضاء على التنظيمات العسكرية المتطرفة في سيناء.  وبالطبع، من الناحية العملية، يعني هذا القرار منح الغطاء المصري الرسمي للاحتلال بالعمل والضغط، بالتعاون مع القوات وأجهزة الأمن والمخابرات المصرية، باتجاه تجريد المقاومة الفلسطينية في غزة من سلاحها، كما يتمنى الاحتلال؛ وبالتالي، إزالة هذه العقبة الكأداء أمام تسهيل عملية تمرير الصفقات التجارية والاقتصادية لصالح الرأسمال الريعي العربي والفلسطيني، ولصالح رأس المال الصهيوني ودولته اللذين يسيطران فعليا على الأرض الفلسطينية وجميع الموارد الطبيعية والنفطية والبحرية التي تحويها، وهما بالتالي صاحبا الكلمة الفصل النهائية في أية صفقة تبرم، بما في ذلك الغاز الطبيعي.

المسألة الأساسية هنا، أن إسرائيل تتعامل مع الموارد الطبيعية النفطية والغازية، كما الموارد المائية، من منظور كولونيالي؛ فتستثمر تلك الموارد باتجاه تعزيز وجودها الاستعماري في المنطقة العربية، من خلال أدوات عربية محلية تُشَرِّع لها عملية النهب وتسهل تثبيت تفوقها ليس فقط الأمني والعسكري، بل أيضا الاقتصادي؛ علما أن  القائمين على حقول الغاز "الإسرائيلية" يعتبرون "المفاوضات" مع مصر والأردن حول الطاقة تؤسس لتعزيز المكانة الاستراتيجية لإسرائيل في المنطقة.

والأمر المعيب، أن الشعب الفلسطيني بخاصة، والشعوب العربية بعامة، لم تسمع عن هذه الصفقات سوى من خلال وسائل الإعلام الإسرائيلية، بينما يتم تغييب الإعلام العربي والفلسطيني كليا عن تلك الصفقات المريبة.