فلسطين تُستأصل من الأرحام.. زبالة بيروت ليست السبب بل النتيجة

بالعربي_كتبت دانة زيدان :  كعادتي الصباحية التي ترجوني والدتي بالتخلي عنها، فتحت شاشة التلفاز لأتابع نشرة الأخبار، ليكون أول خبر لعين أسمعه في هذا الصباح الحار، إستشهاد رضيع بعد إحراق منزله وإسرته من قبل مستوطنين في نابلس وكتابة كلمة “إنتقام” على جدار المنزل.

قبل أكثر من عام، صحونا على جريمة بشعة كهذه، إغتال المستوطنون يومها الطفل “محمد أبو خضير” ثار الشعب داخل الجدار الفاصل وخرج للشوارع، بينما شهدنا وقفات صغيرة لا ترقى لحجم الجريمة في مناطق السلطة، التي تفرد عضلاتها على الشعب المسكين وتقمعه لنيل رضى المحتل.
تحركت الشعوب في العديد من الدول، وخرجوا للشوارع وهتفوا وحملوا أعلام فلسطين، ثم ناموا كعادتهم، فهذا الغضب المؤقت لا يحقق شيء ولا يغير أي معطيات على الأرض، هذا الغضب الذي يتلاشى بعد عدة أيام ليس سوى وسيلة للتخلص من الشعور بالذنب الذي يرافقنا مع كل حادثة كهذه.
لا ألوم الشعوب وحدها على هذا الصمت، فالمسؤولية أيضاً تقع على عاتق الحكومات الداعمة للكيان الصهيوني سواء في السر أو العلن، ولكن نعود ونقول من يأتي بهذه الحكومات؟ وأليس القرار بيد الشعب إن أراد ذلك؟
هذا الأسبوع كان مليئاً بإمتحانات الصبر للشعب الفلسطيني وسلطته، حيث تابعنا عبر قناة “فلسطين اليوم” حالة التوتر التي سادت سجن نفحة الصحراوي بعد قيام قوات الإحتلال بالاعتداء على أمين عام الجبهة الشعبية الأسير ” أحمد سعدات ” بصورة وحشية.
حملات القمع والإستفزاز والتوحش من قبل الإحتلال في تزايد مستمر لجس نبض الشعب، والصبر صفة رائعة لكن ليس في مثل هذا الموضع، حرقوا الرضيع، إعتدوا على البطل سعدات، غزة تعيش بلا كهرباء، مشاريع الإستيطان في توسع مستمر، وبينما يعيش الشعب في الضفة الغربية أوضاعاً معيشية صعبة، يغط ابناء السلطة في العسل، فمتى نغضب ونثورعلى التنسيق الأمني والإحتلال معاً ؟
من المؤسف أن يتاجر الصهيوني ” نتنياهو ” بدم الشهيد الرضيع ويذهب لزيارة عائلته في المستشفى بينما ينام عباس في منزله، ولا يتحرك حتى لمثل هذه الزيارة خوفاً من إغضاب حليفه الصهيوني وكأن مظفر النواب كتب فيه ” تتحرك دكة غسل الموتى أما أنتم لا تهتز لكم قصبة “.
*******
زبالة بيروت ليست السبب بل النتيجة
بيروت، آية الجمال الذي تغزل بها نزار قباني حين قال ” لا يوجد قبلك شيء.. بعدك شيء.. مثلك شيء.. أنت خلاصات الأعمار.. يا حقل اللؤلؤ..يا ميناء العشق.. ويا طاووس الماء..” لم تظهر بهذا الثوب مؤخراً، حيث إحتلت صور النفايات نشرات الأخبار والتي ملأت شوارع بيروت عقب توقف شركة “سوكلين” عن دورها بجمعها خالقة أزمة صحية وبيئية وإنسانية ومرورية.
أزمة النفايات ليست ذات بعد بيئي وحسب بل هي أزمة سياسية بإمتياز، فهي ليست السبب بل النتيجة، نتيجة الإستراتيجيات والسياسات الفاشلة، والإنقسامات السياسية والحزبية، والفساد المتفشي والإتفاقيات التي تضيع وسط تقاسم الحصص بين الطوائف والأديان.
تناول برنامج ” نقطة حوار ” أزمة النفايات في حلقة الأسبوع الماضي، وبالرغم من إتفاق معظم الضيوف على أن للأزمة جذوراً سياسية، إلا أن البعض حمّل أهالي ” الناعمة ” المسؤولية لرفضهم طمر النفايات الصلبة في منطقتهم.
إن بحثنا في أصول رفض الأهالي الإستمرار في طمر النفايات في مناطقهم لوجدناها سياسية أيضا، فلا يمكن أن نغفل علاقة الصداقة التي تجمع صاحب شركة ” سوكلين ” بالحريري والذي “رسي” العطاء على شركته لجمع النفايات مع شروط تقتضي بإعادة تدويرها بعد مرور فترة زمنية محددة، والتوقف عن طمرها في مكب ” الناعمة”  ورغم إنقضاء تلك الفترة لازال طمر النفايات وحرقها بالأساليب المضرة صحياً وبيئياً بحياة المواطنيين مستمر. فلا يمكن لوم أهالي جبل لبنان على هذه المشكلة، فهم ضحايا فساد أفضى إلى إرساء عطاء على شركة لم تلتزم بوعودها، وفي دولة بلا حكومة لا بد للشعب أن يتحرك بنفسه ليعالج مشاكله، فكما قال أحد المواطنين في جبل لبنان : ” بيروت عراسنا وأهل بيروت عراسنا بس زبالتهم لا! “.
الحل وبكل بساطة هو جمع تلك النفايات من قبل المواطنين وتفريغها في مقرات الأحزاب والقصور والدارات وكل المقرات السياسية العاجزة عن التحرر من طائفيتها والوصول إلى صيغة حكم مدني.
*****
رصاصنا للإستعراض وليس للتحرير
لم أفهم يوماً العلاقة بين مناسبات الفرح وإطلاق العيارات النارية، لا أفهم أي فرح ذاك الذي يحرك بك الرغبة لإطلاق الرصاص في الهواء، دون أي إكتراث لحياة الآخرين وسلامتهم وممتلكاتهم. بالرغم من كل التحذيرات التي تطلقها الجمعيات المدنية والأمن العام، إلا أن بعض الجهلة لازالوا مصرين على الإحتفال بطريقة أقل ما يقال عنها همجية.
نقلت قناة ” رؤيا ” الفضائية صوراً لطفلة تدعى بيلسان، راحت ضحية ” فرح” إحدى العائلات بنجاح إبنها في الثانوية العامة والتي عبرت عن سعادتها عن طريق إطلاق العيارات النارية في الهواء لتستقر رصاصة في رأسها، حارمة إياها وعائلتها من أي سعادة.
هذه ” المرجلات ” الوهمية لن تتوقف إلا عن طريق قوانين صارمة، فالرسائل والحملات التوعوية لا تجدي نفعاً مع مثل هذا التخلف، فمن يتسبب بقتل الآخرين تعبيراً عن فرحه، يجب أن يلقى نفس المصير ودون أي تردد.
المضحك أننا لا نرى تلك الرصاصات حين يُغتال أطفالنا في الشق الثاني من الضفة، أو حين تقتحم قوات الإحتلال المسجد الأقصى وتعتقل المصليين، لا نرى تلك ” البطولات ” على من يستحقها حقاً ونراها فقط في حفلات الزفاف والتخرج.
عار على من يملك سلاح ولا يعرف أين يوجهه، فإن كنت عاجزاً عن إطلاق الرصاص في وجه العدو المعروف للجميع، إلتزم الصمت وإحتفل بطريقة أقل بربرية وهمجية.