الإنتخابات الفلسطينية،،، هل من بارقة امل؟هل تهشمت مرافىء الإلتقاء ؟!!

بقلم : المحامي حسن مليحات " كعابنة" - كاتب وباحث إستراتيجي

في البدء يتوجب التأكيد على فكرة أساسية وهي أن المحافظة على الأنتخابات الدورية في أي نظام سياسي هي احدى علامات صحة وسلامة ذلك النظام،وبل وأساس ديمقراطيته،والديمقراطية بوصفها حكم الشعب بالشعب ومن اجل الشعب،هي أفضل الأليات التي توصلت اليها المجتمعات الحديثة  كمنطق للاحتكام لفض الصراعات والمنافسات الداخلية،وأحدى وسائل الديمقراطية هي الانتخابات،وفي هذا السياق لا بد من القول بأن جهودا ولقاءات كبيرة بذلت في اكثر من قطر لطي صفحة الأنقسام عبر صناديق الاقتراع،الأ ان الأخفاق كان سيد المشهد،بيد ان ذلك لا يعني الفشل والتوقف عن الأستمرار في بذل الجهود لأغلاق هذه الصفحة،وهو واجب على كل مكونات واطياف الشعب الفلسطيني،أذ لا معنى للأحباط والأستسلام امام تحديات لم الشمل الفلسطيني،فالقضية الفلسطينية العادلة تستحق بذل كل الجهد لتحصينها وأعادة الاعتبار لها،والرأي العام الفلسطيني عبر مرارا عن رغبته في اجراء الانتخابات كمخرج من عنق زجاجة اهتراء الشرعيات،وهو بألوانه السياسية والفكرية المختلفة يدرك أن الأنقسام احد اهم اسباب ضعف الموقف الفلسطيني والأستنزاف المستمر في المشهد الوطني،وان القوى الدولية تسجل نقاطا في غير صالح القضية الفلسطينية،وقد أتفقت الفصائل ان يكون المدخل عبر انتخابات متتالية ومترابطة،كما نصت عليها تفاهمات اسطنبول واتفاق القاهرة ،فلا بد من الدفع نحو الانتخابات كمدخل لانهاء الانقسام وتريب المؤسسة الفلسطينية.

وأزاء ضبابية الصورة السياسية والميدانية الفلسطينية وقتامتها،وتقادم الزمن على الشرعيات الفلسطينية، فأن الانتخابات تشكل فرصة لاعادة تأهيل وتجديد الحياة السياسية والمدنية والأدارية، وستوفر فرصة لبروز قيادات وكوادر سياسية جديدة وشابة ، وتفرض على الجميع تقديم أفضل ما لديهم،وستشكل تحديا حقيقيا لكل العاملين في الحقل السياسي،وستعطي المواطن الفلسطيني فرصة استرداد حقه المسلوب في اختيار من يتحدث باسمه، خاصة وان هناك جيل من الفلسطينين لم يمارس حقه الدستوري بالانتخابات منذ العام 2006،كمان ان الانتخابات تعني عودة الحياة للعمل البرلماني والتشريعي،وعودة الاعتبار للسلطة التشريعية التي تم الاجهاز عليها خلال فترة الانقسام،حيث تحولت السلطة الى سلطة فردية وشمولية مطلقة"اوتوقراطية"، وغابت عنها المحاسبة والرقابة على السلطة التنفيذية،وبات الرئيس يجمع كل السلطات الثلاث بيد واحدة، الامر الذي الحق ضررا كبير بالحالة السياسية الفلسطيني،فالانتخابات وبصرف النظر عن الفائز فيها،ونظرا لانها ستجري وفقا للتمثيل النسبي الكامل ،فأنها ستجبر الجميع على العمل المشترك،وبناء تحالفات بين الفصائل لتشكيل الحكومة ،وضمان عمل المنظومة السياسية،حيث انه من المستبعد جدا وفقا لقراءة المشهد الانتخابي الفلسطيني في الانتخابات التي تم تأجيلها في 2021،ووفقا لاستطلاعات الرأي خلال سنوات قد مضت،ان يتمكن فصيل من الفصائل من حسم النتائج بشكل مطلق لصالحه،وهو ما يعني حتمية العمل المشترك ولو بحده الادنى.

وفي هذا السياق لعله من نافلة القول بأن الانتخابات الفلسطينية تجري تحت حراب الاحتلال الأسرائيلي وفي ظل غياب سيادة،وظرف تاريخي لا يزال الشعب الفلسطيني يناضل فيه من اجل التحرر والحرية والاستقلال، وبذلك فان المشروع الديمقراطي في فلسطين يواجه معضلات بنيوية لا يوجهها أي مشروع في البلدان الاخرى التي تمر بعملية انتقال ديمقراطي اعتيادية،وعلى الرغم من كل المعوقات الناشئة عن الوضع غير الطبيعي تبقى ممارسة"نصف ديمقراطية" افضل من غيابها الكامل، ولكن الوضع غير العادي يستلزم مقاربة مختلفة وغير عادية للديمقراطية وللأنتخابات التي هي مكونها الرئيسي، فالفلسطينيون لا يتحركون في فضاء حر يوفر حرية في ممارسة الانتخابات،وتخويل صناديق الاقتراع القيام بحسم الصراع والتنافس بطريقة طبيعية كما يحدث في أي وضع عادي أخر يتسم بالسيادة والاستقلال،فالعالم كله يقف مشرئبا لما سيحدث اذا ما نظمت انتخابات في فلسطين،وبذلك يصبح صندوق الاقتراع الفلسطيني وكأنه صندوق عجائب،يخضع للمراقبة الدولية ونتيجته تؤثر في معادلات وسياسات وقد تقلب الامور رأسا على عقب ،وما زالت الشروط البنيوية المسيطرة على الوضع الفلسطيني قائمة، من احتلال اسرائيلي وتدخل دولي وضعف عربي،اضافة الى غياب السيادة الفلسطينية التي توفر المناخ الحر لتطبيق البرنامج السياسي،وفي نفس الوقت هناك حاجة ملحة للانتخابات،لأن الشرعية السياسية للوضع القائم سواء في الضفة الغربية او قطاع غزة قد تأكلت وانتهت، ورغم الأعلان المتكرر من قبل السلطة الفلسطينية عن نيتها عقد انتخابات برلمانية، الأ انه دوما تتراجع تحت حجج واهية،لدرجة انه حين اعلن في يناير 2021 نية عقد انتخابات لم يصدق احدا هذا،رغم البدء بخطوات فعلية باعلان القوائم في الضفة وغزة،لكن سرعان ما تراجعت عنها قبل اعتمادها بحجة ان القدس لن تكون ضمن الانتخابات لرفض الاحتلال ذلك،كما ان تعطيل الانتخابات مخالف للقانون الأساسي الفلسطيني باعتبار ان الانتخابات احدى الحقوق الدستورية،ومن المفترض الاسراع في عقدها لتجديد الشرعية وضخ دماء جديدة فيها،دون أي اعتبارات سياسية او حزبية،فعدم اجرائها ادى الى جمود في الحالة الفلسطينية  وتهمشت مرافيء الالتقاء الفلسطينية.

وبالنسبة لذريعة تأجيل الانتخابات بسبب عدم موافقة الاحتلال على عقدها في القدس،فأن الصيغة الأمثل بالنبسبة للمقدسيين هو مشاركتهم مباشرة في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني الذي يجسد تطلعاتهم الوطنية،كونه يمثل الشعب الفلسطيني بأسره وفي كافة اماكن تواجده،اضافة الى انه نستطيع وفي حالة استمرار الاحتلال برفضه اجراء الانتخابات في القدس،فأنها فرصة لجعل الانتخابات التشريعية في القدس محطة لمعركة شاملة مع الاحتلال على طريق التحرر الوطني،،وتتضمن اليات لعقدها في القدس رغم رفض الاحتلال،وضمن الية مواجهة مع الاحتلال وبالتعاون مع مؤسسات الأمم المتحدة والبعثات الدبلوماسية الموجودة في القدس،لتحقيق الترابط بين القدس وبقية المحافظات الفلسطينية،كخطوة على طريق احياء الامل في أداء فلسطيني افضل ويعزز الامكانات من اجل استعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

لقد تكررت المطالب الفلسطينية بإجراء الانتخابات العامة بوصفها الحل الامثل لمواجهة التحديات المحدقة بالقضية الفلسطينية،فالانتخابات هي مخرج من عنق الزجاجة لتحقيق الوحدة الوطنية العصية على التحقق راهنا،وتدور مطالب غالبية القوى حول البدء باحراء انتخابات تشريعية ورئاسية، تمهيدا لاتمام الخطوة اللاحقة بإجراء انتخابات المجلس الوطني،وافراز قيادة فلسطينية تمضي قدما نحو إعداد قاعدة خصبة من التوافق والعمل الوطني المشترك ،غير أن هذه المطالب من شأنها الدوران في حلقة مفرغة في حال فشل مساعي المصالحة في ظل غياب الاستراتيجية الوطنية الموحدة والمضادة لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية،ورغم الإعلان عن النية لعقد الانتخابات البرلمانية في يناير من العام 2021،فالقدس برمزيتها الدينية والسياسية والوطنية لم ولن تكون حجر عثرة في طريق الانتخابات،بالعكس ممكن الاستفادة من تعطيل الاحتلال للانتخابات في القدس،واعلان المعركة الديمقراطية من قلب القدس الشريف ،وتحشيد الموقف الدولي للسماح للمقدسيين بممارسة حقهم في الانتخاب، والصيغة الأمثل بالنبسبة للمقدسيين هو مشاركتهم مباشرة في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني الذي يجسد تطلعاتهم الوطنية،كونه يمثل الشعب الفلسطيني بأسره وفي كافة اماكن تواجده،اضافة الى انه نستطيع وفي حالة استمرار الاحتلال برفضه اجراء الانتخابات في القدس،فأنها فرصة لجعل الانتخابات التشريعية في القدس محطة لمعركة شاملة مع الاحتلال على طريق التحرر الوطني،،وتتضمن اليات لعقدها في القدس رغم رفض الاحتلال،وضمن الية مواجهة مع الاحتلال وبالتعاون مع مؤسسات الأمم المتحدة والبعثات الدبلوماسية الموجودة في القدس،لتحقيق الترابط بين القدس وبقية المحافظات الفلسطينية،كخطوة على طريق احياء الامل في أداء فلسطيني افضل ويعزز الامكانات من اجل استعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ولن يضيرنا في شيء اجرائها تحت عيون الاحتلال للتأكيد على هوية القدس الفلسطينية،كذلك لم تكن يوما زيارة السجين تطبيعا مع الاحتلال،فالانتخابات في القدس هي بداية الاشتباك مع المحتل للدفاع عن المدينة والتمسك بها كعاصمة واحدة ووحيدة وابدية لفلسطين،وليس مقبولا منا التعايش مع الوقائع التي أوجدها الاحتلال بعد أكثر من سبعين عام من النكبة وخمسون عام على النكسة واحتلال الضفة الغربية والقدس وغزة،والبقاء تحت رحى دوامة التدمير الذاتي الذي يهدد بالإطاحة بكل ما هو مقدس.

وخلاصة القول إن تفعيل الدور الفلسطيني ضمن رؤية جديدة وقيادة واحدة هو العامل الحاسم ،الذي بمقدوره أن يؤثر في سياسة حكومة الاحتلال الإسرائيلي المتطرفة،بغض النظر عمن يحكمها اليمين ام اليمين المتشدد،وهذا يستلزم احياء المشروع الوطني وإعادة بناء المؤسسات الوطنية الجامعة على أساس رؤية شاملة وقيادة تستفيد من التجارب السابقة وتستخلص العبر منها،وذلك من خلال عقد الانتخابات البرلمانية والرئاسية وتجديد الشرعيات، لان الانتخابات هي قطب الرحى لأي عملية اصلاح سياسي ،وان يتم وقف الرهانات الخاسرة ويكون الرهان الوحيد على الشعب الفلسطيني ووحدته ،الذي اثبت دوما أنه مستعد لمواصلة مسيرته التحررية وعلى عدالة القضية الفلسطينية وتفوقها الأخلاقي،فالقضية الفلسطينية غير مدرجة على أجندة السياسية الدولية والإقليمية المنشغلة في الحرب الروسية الأوكرانية،وتداعيات شن هجوم عسكري إسرائيلي امريكي غربي ضد إيران في محاولة للجم طموحاتها النووية،باعتباره يشكل تهديدا وجوديا لدولة الاحتلال،فالفلسطينيون اليوم بكافة أطيافهم ومشاربهم السياسية مطلوب منهم ايجاد الآليات لردم هوة الانقسام ،والنهوض بالحالة الفلسطينية على أن يترافق ذلك مع فعل ميداني وسياسي تشاركي على الأرض،فالتعاضد الوطني وتصليب الجبهة الداخلية الفلسطينية،هو وحده الكفيل بمواجة التحديات والحيلولة بينها وبين افشال هذا المسار الذي يشكل بارقة امل لانهاء محرلة قاسية من التشرذم الفلسطيني.