الفدائيان اللذان "دوّخا" وحدة "اليمام" في تل آبيب وجنين

بالعربي: كتب: محمود حسنين

بالأمس تمكنت استخبارات الاحتلال من كشف هوية منفذ عملية قصرة والتي احتاجت وقتا طويلا للكشف عن هوية الفدائي الذي قتل حاخاماً متطرفا قرب نابلس، حتى شبهها بعض المحللين بعملية الفدائي نشأت ملحم والذي ضرب تل أبيب بوابلٍ من الرصاص واحتاج الاحتلال لأكثر من اسبوعا للكشف عن مكانه واغتياله.

ليلة أمس لم تكن ليلة اعتيادية في مخيم جنين، ولم تكن ايضا ليلة هادئة كما تنعم بها كل بقاء العالم بالهدوء ليلا، فالمخيمات الفلسطينية لياليها يمكن تصنيفها اما حالة من الترقب الحذر لاقتحامات الاحتلال، واما اقتحام فعلي يقلب ليل المخيم الى نهار من أصوات البنادق وهي ترد الاقتحام، وتعلن عن مرحلة الاشتباك.

حاصرت وحدة "اليمام" الاسرائيلية منزل احمد نصر جرار معلنة ان هذا المنزل يتحصن فيه المقاومين الذين نفذوا عملية نابلس، وبدأت بإطلاق النار على المنزل بشكل عشوائي، ثم هدأت أصوات الرصاص لتعلو اصوات مكبرات الصوت وهي تطالب كل من في المنزل بالخروج وتسليم أنفسهم، ولكن هيهات ان يسجل التاريخ فدائياً حوصر واشتبك مع الاحتلال ثم سلم نفسه، فالقائمة بأمثال هؤلاء تطول من احمد عاصي الذي أغتيل في مغارة قرب قرية بيت لقيا، ومعتز وشحة الذي صمد وتحصن في منزله في بلدة بيرزيت، مروراً بنشأت ملحم الذي جلدَ وحدة "اليمام" في واد عارة، وباسل الأعرج الذي تحصن في "عليّة" في رام الله واشتبك مع الجنود قبل ان يرتقي شهيداً، واليوم احمد نصر جرار خرج قبل نصف ساعة من الاقتحام كما تروي والدته، وسُمع بعدها اشتباكاً عنيفاً مع الوحدة الخاصة لجيش الاحتلال لأكثر من ساعتين، واستخدمت هذه الوحدة كافة اساليب التصفية لاغتيال هذا المقاوم المجهول، الذي نجح في إصابة جنديين من وحدة "اليمام" ثم توارى عن الأنظار، وهذا ما حصل عندما "دوّخ" نشأت ملحم ذات الوحدة في تل أبيب والداخل المحتل عندما نفذ عمليته البطولية والتي كانت حصيلتها قتيلان و7 إصابات بين الخطيرة والمتوسطة.

احمد نصر جرار هو الفدائي صاحب الوجه الملائكي الذي تتهمه سلطات الاحتلال انه من أفراد الخلية التي نفذت عملية قرب نابلس قبل 10 ايام اطلق خلالها 22 طلقة، وقتل فيها حاخاماً متطرفا خلال 40 ثانية فقط، لم يُعرف مصير أحمد نصر حتى الان والذي كان مطلوباً من عملية جيش الاحتلال، وقد طالبه الجيش بتسليم نفسه.

ما هو السر من وراء مباركة نتنياهو للعملية؟

ان خروج رئيس حكومة الاحتلال ليبارك عملية الاغتيال ويثني على وحدات الجيش هذا العمل الذي وصفه بـ"البطولي" يثبت كم الرعب الذي تلحقه العمليات بهذا الكيان، وتوعد نتنياهو بـ"الوصول لكل من يحاول المس بأمن إسرائيل ومواطنيها"، ولكن هذا لا يحدث إلا بعد ان ينفذ الفدائيون عملياتهم ويوجعون المستوطنين وجنود الاحتلال ثم ينسحبون الى قواعدهم سالمين لتبدأ بعدها عملية المطاردة والتخفي.

الدم بالدم يُذكر

ليس غريبا او جديدا ان نسمع ان فدائيا إلتحق بالعمل المقاوم وكان قد سبقه والده او شقيقه الى ذات العمل، احمد جرار هو ابن الشهيد نصر جرار والذي اغتالته قوات الاحتلال في معركة طوباس مع بدء الانتفاضة الثانية، وهو احد قادة القسام في الضفة الغربية، فبعد ان حاصرته قوات الاحتلال داخل مبنى رفض الشهيد نصر ان يسلم نفسه وواصل الاشتباك مع الاحتلال حتى أُصيب بقذيفة دبابة ليرتقي على الفور شهيدا، نجله احمد يعيد ذات المشهد بعد 16 عاماً وبذات التفاصيل ولكن المكان والزمان فقط هما المختلفان، احمد لم ينفذ عمليته ثأراً لاغتيال والده بل نفذها إيمانا بفكرة غسان كنفاني "لا تمت قبل ان تكون نداً"، وإمتثالاً لرفض الموت الطبيعي والموت فقط بين زخات الرصاص"، ولكنه حتى هذه اللحظة نجح في التخفي عن عيون المخابرات، ولا يزال حراً طليقا يمارس مقاومته على الطريقة التي يحب، واما الشهيد الذي ارتقى في معركة أمس هو احمد اسماعيل جرار (31) عاما ابن عم المطارد والمتهم الرئيسي في تنفيذ عملية نابلس البطولية.

لقد بدأ الفدائيون عهدا جديدا من العمليات الفردية، وحرب العصابات التي ترهق أعتى جيوش العالم، والمتتبع لسيرة الشهداء يجدهم من خيرة الشبان المثقفين الذين سموّا بأفكارهم نحو السماء، هؤلاء هم من أحيوا إرث غسان كنفاني بعد اكثر من 45 عاما على اغتياله، وأن وصاياه لا تزال تنفذ بحذافيرها حتى يومنا هذا، والدليل يكمن في نشأت ملحم واحمد نصر جرار اللذان "دوّخا" وحدة "اليمام" المسؤولة عن اغتيال المقاومين في الداخل المحتل والضفة الغربية