ذكرى وديع الصافي.. صوته ازداد حناناً

بالعربيكتب: صفوان حيدر

بمناسبة مرور سنتين على رحيل وديع الصافي أحيا ملتقى مقهى التاء المربوطة في الحمراء ـ بيروت هذه الذكرى في باحة مكتبته الداخلية بمحاضرة للصحافي والناقد الموسيقي الياس سحاب مساء الأثنين الماضي، شارحاً وموضحاً أهمية وديع الصافي في الموسيقى العربية المعاصرة مع أمثلة سمعية وتسجيلات أحاط فيها سحاب بالتقنيات والمزايا لهذه الظاهرة الصوتية الفريدة.

أوضح الياس سحاب كيف أن الخيال الموسيقي عند وديع خلق في حنجرته طاقات من التنوع الغنائي المرتوي من ينابيع الريف اللبناني الموسيقية ـ الغنائية. لفت سحاب الى أن محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وأسمهان لعبوا دوراً تأثيرياً موسيقياً على أداء وديع الغنائي. وهؤلاء طوروا مدرسة الغناء الحديث في القاهرة في الأربعينيات والخمسينيات وصولاً الى الستينيات، حين كانت مصر مركز جذب ثقافياً وفنياً وموسيقياً. وعندما دخل وديع الى الإذاعة اللبنانية باسم وديع فرنسيس كان محتاراً بين الغناء اللبناني والغناء المصري، لكن حليم الرومي نصح وديع بتغيير اسمه وديع فرنسيس الى وديع الصافي بسبب صفاء صوته. وعلى صعيد أسلوب الغناء للميجنا وأسلوب العتابا كان وديع يفضل أن يصاحب صوت صباح في هذين الأسلوبين.

أسمعنا سحاب مقاطع من غناء وديع للميجانا والعتابا كما قدم لنا وقفة مع مزايا طبقات صوت الصافي الذي يستند الى حجاب حاجز صدري كبير. وقارن سحاب صوت عبد الحليم حافظ الذي كانت مساحته الصوتية صغيرة بمساحات صوت الصافي الواسعة. وأشار الى الحدة الصوتية التي كان يعاني منها صوت أم كلثوم وصوت عبد الوهاب، لكن عبد الوهاب استطاع أن يتحرر من هذه الحدة الصوتية مع أغنية «يا جارة الوادي طربتُ». أما وديع فكان كلما ارتفع صوته إزداد حناناً وهذه ميزة صوته العجيبة ولذلك سمي وديع مطرب المطربين حتى أن عبد الوهاب أمسك بكف وديع العازفة على العود ولثمها دامعاً معجباً شاكراً منفعلاً.

اعتبر سحاب أن فرقة الأنوار الغنائية الراقصة لعبت دوراً غنائياً وموسيقياً كبيراً وموازياً للدور الرحباني حيث غنى وديع في مسرحية "دواليب الهوا" و "موسم العز". ثم استمعنا الى تسجيل غنائي "لسهرة الحب" الشهيرة التي غنى فيها وديع وفيروز. وفي تلك "السهرة" أمسك الأخوان رحباني بأجزاء مهمة من الفلكلور الغنائي اللبناني المتنوع. ومن مزايا وديع أنه كان يعطي بصوته النوتات الموسيقية لعازفي الآلات الموسيقية بدون رجوع الى السولفيج المكتوب على الورق. وبينما كان عبد الحليم حافظ ضعيفاً في الارتجال الغنائي كان وديع كعظماء المرتلين للقرآن ينتقل بسهولة مدهشة ارتجالية بين مقام ومقام. لكن لم تكن موهبة التلحين عند وديع توازي موهبة الغناء، إذ إن زكي ناصيف أعطى العديد من الألحان لوديع. وافترض سحاب أنه لو أنجز وديع وزكي ناصيف ثنائياً غنائياً وموسيقياً دائماً وثابتاً لكانت قامت مدرسة غنائية توازي مدرسة الرحابنة في أهميتها. ولقد لحن عبد الوهاب لوديع أغنية "عندك بحرية يا ريس" وأعطى فريد الأطرش لوديع لحن "عطاالله تعود."

أخيراً استمعنا الى أغنية "ولو هيك بتطلعوا منا" التي يشبه فيها صوت وديع صوت آلة الأورغن الكلاسيكية الموسيقية، حيث يتأرجح صوت الصافي بين مقاماتها كبهلوان طربي أو كلاعب جمباز غنائي.

بعد سن السبعين بقي صوت وديع شاباً وعذباً نقياً وهادراً متميزاً عن مصير بعض الأصوات الغنائية الأخرى التي أصابها الوهن والتعب أو شاخت أو اعتراها التخشن أو اليباس. لقد سمحت المقدرة الطربية الصوتية لوديع أن يغني كل الأنواع الطربية في الوطن العربي، من المحيط الى الخليج، بمتانة وعذوبة خصبة قابلة للتجديد وللتطوير، مثلما ستتجدد أصوات البلابل «الوديعة» في تضاريس المشرق العربي على قمم الأعالي وفي أغوار الوديان.