هل هناك علاقة بين تصعيد الهجمات ضد الجيش المصري في سيناء وأحكام الإعدام في مصر؟

بالعربي: لا نعتقد ان تصاعد حدة الهجمات ضد القوات المصرية في شبه جزيرة سيناء طوال اليومين الماضيين ليس له صله بالاحكام الصادرة بالاعدام التي اكدتها محكمة مصرية امس الاول في حق 13 شخصا من قيادات حركة الاخوان المسلمين من بينهم مرشد الحركة محمد بديع، علاوة على احكام بالسجن المؤبد طالت العشرات من اعضاء الحركة وانصارها، وفي الوقت نفسه لا يمكن توجيه اصابع الاتهام الى الحركة نفسها بالوقوف خلف هذه الهجمات التي تبنت “ولاية سيناء” التابعة لـ”الدولة الاسلامية” المسؤولية عن تنفيذها.

فاحكام الاعدام هذه تؤكد عزم السلطات المصرية على المضي قدما في سياساتها القاضية باتباع الحلول الامنية لاجتثاث حركة الاخوان المسلمين من جذورها مهما كان الثمن، مما يعني ان لا مكان لاي مصالحة او حلول سلمية سياسية لهذه الازمة، في المستقبل المنظور على الاقل.
الانباء الواردة افادت بمقتل 13 جنديا واصابة العشرات في ثلاث هجمات على مقرات ونقاط تفتيش امنية في شمال سيناء، في تزامن مع تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على حركة تغييرات طالت قيادات عليا في الجيش المصري، ابرزها تعيين اللواء اركان حرب ناصر العاصي قائدا للجيش الثاني الميداني، الذي يقوم بتأمين شمال سيناء، بدلا من اللواء اركان حرب محمد الشحات، الذي تم تكليفه بمنصب مدير المخابرات الحربية والاستطلاع، وهو المنصب الذي تولاه لفترة طويلة الرئيس السيسي نفسه.
هذه التغييرات توحي باعتراف القيادة المصرية بعدم نجاحها في القضاء على الجماعات “الجهادية” التي تشن هجمات ضد مواقع الجيش وقوات الامن طوال السنوات الماضية.
انها انتكاسة كبيرة للقوات المسلحة المصرية خاصة انها جاءت بعد سلسلة من الاجراءات المتشددة من ابرزها خلق منطقة عازلة على طول الحدود مع قطاع غزة، وتدمير الانفاق، وتعزيز اعداد قوات الامن والجيش، وتسليحها بأحدث الاسلحة والمعدات، وتجريم كل من يحفر نفقا بالسجن لاكثر من عشرين عاما.
ان هذا التصعيد في وتيرة الهجمات من قبل “الجهاديين” التابعيين لتنظيم “انصار بيت المقدس″ الذي بايع تنظيم “الدولة الاسلامية” سيجعل من انخراط قوات برية مصرية في حرب اليمن مسألة محفوفة بالمخاطر، علاوة على كونها مقامرة غير مضمونة النتائج.
فاذا كانت قوات الجيش والامن المصرية تبدو قادرة على السيطرة على منطقة شمال سيناء السهلية والمنبسطة في معظمها، وتتكبد خسائر بشرية كبيرة بصفة شبه يومية، فانه قد يكون من الصعب عليها القتال في مناطق جبلية شديدة الوعورة مثلما هو الحال في معظم المناطق اليمنية لان الجيش المصري غير مؤهل، مثل معظم الجيوش العربية الاخرى، على خوض “حرب عصابات” ضد جماعات متمردة او خارجة عن القانون.
خيارات الرئيس السيسي تبدو صعبة للغاية، فهو لا يستطيع ان يقف على “الحياد” تجاه الحرب التي توقدها حليفته السعودية في اليمن، على غرار الباكستان وتركيا، لانه يعتمد اعتمادا رئيسيا على اموال الدعم الخليجية والسعودية، او لا يستمع في الوقت نفسه الى آراء بعض القادة العسكريين الذين يعارضون ارسال اي قوات للقتال خارج مصر، واستنادا الى فقرة في الدستور المصري تمنع هذه الخطوة، ويفضلون تركيز كل الجهود على الحرب المشتعلة في سيناء حاليا، والاستعداد لاحتمالات حرب ثانية على الحدود مع ليبيا، وثالثة مع اثيوبيا، اذا ما اثر بناء سد النهضة على النيل الازرق، مصدر اكثر من ثمانين في المئة من مياه النيل، على حصة مصر.
في ظل هذه التعقيدات في المشهدين العسكري والامني المصري تبدو عملية التصديق على احكام الاعدام خطوة متسرعة تعطي الاشارة والنتائج الخطأ في الوقت نفسه، وتصب المزيد من الزيت على نار الازمة، وعنوانها الرئيسي التدهور الامني.
ممثل هذه الاحكام تصب في خانة الجناح المتشدد في حركة “الاخوان المسلمين” الذي يضغط من اجل انخراط الحركة في اعمال العنف بشكل علني وصريح، والتخلي عن “السلمية” وتشكيل جناح عسكري في المقابل.
هناك العديد من المؤشرات التي ترجح اقدام الرئيس السيسي على تنفيذ حكم الاعدام في المرشد العام لحركة الاخوان ورفاقه، على غرار ما فعل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي اعدم المفكر الاخواني سيد قطب، بعد حادثة اطلاق النار في الاسكندرية، على اعتبار ان اعدام سيد قطب كان الضربة القاصمة للحركة، حيث لم تقم لها قائمة بعده، حسب اراء الكثير من المؤرخين.
ما لا يدركه الرئيس السيسي ومستشاروه الذين يحرضون على هذه الخطوة، اي اعدام المرشد بديع، ان الرئيس عبد الناصر كان يملك قاعدة شعبية عريضة جدا، ويستند الى برنامج عربي عنوانه محاربة المشروعين الاسرائيلي والاستعماري الغربي، وينخرط في منظومة اشتراكية توفر له عمقا تسليحيا وسياسيا كبيرا، والاهم من كل ذلك، ان المنطقة العربية لم تكن على الحال الذي تعيشه الآن، حيث تعيش مراكزها الرئيسية حروبا استنزافية، وتتحول الى دول، اما فاشلة، او شبه فاشلة، ونحن نتحدث هنا عن سورية والعراق واليمن وليبيا ومصر نفسها.
“راي اليوم”