مصر: فضيحة تعذيب السجناء في «ابو زعبل»

بالعربي: اصدر المجلس القومي لحقوق الانسان في مصر (حكومي) تقريرا مبدئيا حول زيارة بعض اعضائه الى سجن «ابو زعبل» الشهير يوم الاثنين الماضي تضمن شهادة مهمة حول تعرض بعض السجناء الى «الضرب والتعذيب والاحتجاز في ظروف غير آدمية تشمل نقص التهوية والمياه والطعام».

وجاءت زيارة وفد المجلس للسجن بعد تلقي النائب العام شكاوى من اربعة سجناء تعرضوا للاهانة والتعذيب. وعاقبت ادارة السجن اولئك السجناء بوضعهم في «زنزانة التأديب» لفترات وصلت الى 17 يوما، وسط ظروف غير انسانية شملت التجويع والحرمان من الحقوق التي يكفلها القانون للنزلاء.
ولاحظ وفد المجلس آثار التعذيب على اجساد بعض السجناء الذين اخبروهم بأن ادارة السجن هددتهم بعقاب شديد إن كشفوا عما يعانونه داخل السجن.
وحسب عضو المجلس صلاح سلام، فقد رفضت ادارة السجن السماح للوفد بلقاء اغلب السجناء، وزعمت ان بعضهم نقل الى سجون اخرى، وعندما طلب الوفد معرفة اسماء تلك السجون، جاء الرد بأن «عطلا اصاب اجهزة الكمبيوتر الخاصة بالسجن، ما يتعذر معه الاجابة عن هذا السؤال» (…). الا ان سجناء آخرين اكدوا ان ادارة السجن قامت بتهريبهم قبل زيارة الوفد.
انها فضيحة مكتملة الاركان، وموثقة على ايدي منظمة حقوقية حكومية، اغلب اعضائها من اشد خصوم جماعة «الاخوان»، ولا يمكن اتهامهم بأنهم يقبضون من اي دولة او جهة خارجية. وهو ما يجعل المرء يتساءل عما يمكن ان تكشفه زيارة وفد حقوقي غير حكومي؟
اما اولئك السجناء، فمعظمهم من الطلاب ويخافون ضياع مستقبلهم الدراسي بسبب احتجازهم منذ فترة طويلة.
ومن المقرر ان يقدم المجلس تقريرا كاملا الى النائب العام، وهو المسؤول عن حماية حقوق السجناء وآدميتهم، ومحاسبة كل من ارتكب انتهاكات ضدهم.
اما على المستوى السياسي فان الرئيس عبد الفتاح السيسي يتحمل شخصيا المسؤولية عن ضرورة مواجهة هذه الانتهاكات عبر اجراء تحقيق مستقل مع قيادات قطاع السجون في وزارة الداخلية، ضمن اعادة شاملة لهيكلة الشرطة وتأهيل عناصرها الذين مازالوا يتصرفون بالاسلوب الوحيد الذي تعلموه ومارسوه لعشرات السنين. اذ ان ما يحدث في السجون ليس سوى جزء من اطار اوسع تتكرس فيه عودة ملامح الدولة الامنية، وبصورة اكثر شراسة من عهد الرئيس الاسبق حسني مبارك في بعض الاحيان.
ولا يكفي هنا ان يقر السيسي بوجود «تجاوزات في حقوق الانسان»، مبررا ذلك بتعرض لمصر لحرب من الجماعات الارهابية. بل ان مثل هذه التصريحات تشجع اجهزة الامن عمليا على ارتكاب المزيد من الانتهاكات.
وليس المقصود هنا التقليل من اهمية الشق الامني في اي استراتيجية لمواجهة الارهاب، لكن المبالغة في تضخيم الخطر الارهابي لاستغلاله سياسيا وامنيا في احياء الدولة البوليسية تمثل خطأ استراتيجيا يرتكبه النظام في حق البلاد وحق نفسه ايضا.
وغني عن القول ان احداثا كالتي اشار ايها التقرير الحقوقي الحكومي كانت بين الاسباب الرئيسية التي اشعلت الثورة، وخاصة تعذيب المعتقلين، والاهانات التي يتعرض لها المحتجزون في اقسام الشرطة.
اما التصريحات المنمقة للنظام بشأن «احترام حقوق الانسان» والتي قد تكون موجهة الى جهات معينة في الخارج، فان المصريين يعرفون جيدا انها لا تعبر عن حقيقة ما يحدث على الارض.
وبالفعل ربما يكون النظام الحاكم في مصر تمكن من تحييد الضغوط الخارجية بشأن هذا الملف، وهو ما يبدو واضحا في قرار الرئيس الامريكي امس بتسليم مصر صفقات الاسلحة المتقدمة التي كان قرر تعليقها العام الماضي، وهو ما قد يترجمه البعض بانه اطلاق لايدي الشرطة في هذا المجال، الا ان ثمة خطأ هائلا في الحسابات هنا. حيث ان نظام مبارك لم يسقط بفعل ضغوط خارجية، بل فشلت في انقاذه قوى عظمى -اقليميا ودوليا- كانت تعتبره كنزا لها.
الواقع هو ان فضيحة سجن ابو زعبل وما وراءها من تصاعد لانتهاكات الشرطة في أجواء من هيمنة خطاب الكراهية والفتنة في وسائل الاعلام «الفلولية» انما هي الخطر الاكبر وربما الوحيد على نظام السيسي.

رأي القدس