الخطوط الحمراء الايرانية تستوجب وجود اليد وملكية القلم أولاً

بالعربي: استمعت البارحة لتصريح أحد وزراء الخارجية العرب، يعبر عن موقف دولته الكبرى، والتي نحترم كثيرا شعبها، ونكن له كل التقدير والمودة.

ودون أن أطيل على القارئ، فتصريح معالي الوزير يتحدث عن اعتبار نظام بلده، أمن دول الخليج العربي “خطا أحمرا”، طبعا المعني هنا والمستهدف هي إيران، وعليها أن تفهم ذلك وتأخذه في حساباتها الإستراتيجية.

اللافت وقد انقلبت الموازين في هذا العصر العربي البائس، أن هذا الخط الأحمر يعني إيران بوصفها باتت التهديد ليس الأول فقط، لأمن دول الخليج وكل العالم العربي، وفق التقديرات البالغة الفطنة والذكاء لدى قادتنا، وإنما التهديد الوحيد والمتفرد في محيط عالمنا العربي، بمعنى أننا تخلصنا بفضل عبقرية بعض العقول العربية التي تتبوأ مناصب قيادية رفيعة، من ذلك الشبح الذي كان يطاردنا على امتداد أكثر من ستة عقود، ونسميه في أدبياتنا “العدوالإسرائيلي”؛  وإلا فعدوان إيران على دول الخليج يبقى فرضية (متوهمة) لا سوابق لها في العصر الحديث، وإن أسست هذه الفرضية على قرائن وجزئيات تلوى ليّا، لتعتبر مقدمات قد تنتهي لعدوان، لكن مع العدوالإسرائيلي لا نلمس تصريحات نارية مشابهة من ذات المستويات والشخصيات، مع أنه يحتل بلدا عربيا كليا، وعدوانه على دول عربية مستمر من العراق إلى لبنان وسورية، بل يقصف قطاع غزة ويرتكب فضائع لا نظير لها، ليس في جنوب إفريقيا   ولا الشيلي، وإنما على خط التماس مع حدود دولة معالي الوزير ذاتها.

لن أعود لذات التصريح ” أمن دول الخليج خط أحمر” الذي أطلقه مرتين، وبذات النبرة التي تنطوي على القدرة على الفعل، الرئيس حسني مبارك في زيارته للبحرين في الشهر الثاني من عام 2009، أي شهرا واحدا بعد مجزرة العدوالإسرائيلي في قطاع غزة، التي أسهم فيها بشكل غير مباشر حين أغلق كليا معبر رفح، وكلنا يذكر أن إعلان عدوان العدورفعته تسيبي ليفني برفقة نظيرها أحمد ابوالغيط من القاهرة؛ ومرة أخرى يصرح في الشهر 11 من عام 2010، أي قبيل أن تعصف به ثورة الشارع المصري؛ ذلك أنه من السخرية اعتماد مواقف رجال لا يقيمون وزنا لما يحدث عند حدودهم الجغرافية المباشرة، ويزعمون أن حدود الجزيرة العربية من أولوياتهم، ومن الغباء المركب الأخذ بجدية النظرة الإستراتيجية لديهم، وهم يجهلون كما ثبت مع حسني مبارك ما يجري تحت أقدامهم وداخل بلدانهم. ويبدومع الأسف أن هذه اللغة المفرطة في حب الزعامة، والتي تنضح بمفردات القوة الوهمية، مثل الجيش المصري يكون على الحدود الغربية لليبيا خلال ثلاثة أيام، في تهديد مبطن للجزائر اثر خلاف مصنع كذلك، أوتلكم العبارة المضحكة “مسافة السكة”، قلت يبدوأنها ترجمة لحالة انفصال عن الواقع، ومسايرة لمرض مزمن لا يختلف عن حالة أحلام اليقظة.

الواقع يا معالي الوزير، ويا فخامة الرئيس أن أمن دول الخليج خط أحمر لدى الولايات المتحدة، الدولة العظمى والأقوى في العالم، وهي لا ترطن بمثل هذه العبارات الجوفاء، وإنما ترسم الخطوط الحمراء بأقلامها وأياديها على الأرض، ولك أن تتساءل إذا سلمنا جدلا بأن إيران قد تقوم بعدوان على الأمن الخليجي، فهل يعقل أن يسمح لك بالتدخل لحمايته، وأكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة قائمة في قطر؟ هل تتصور يا معالي الوزير إمكانية تدخلك وأنت تعلم -أوهكذا يفترض- بأن في كل دول الخليج قواعد عسكرية لهذه القوى العظمى؟ وكيف تتوهم ذلك والحال أن عدد الجنود الأمريكيين في الجزيرة العربية يزيد عن كل تعداد جيشك؟ فضلا عن ذلك حاملات الطائرات والغواصات والصواريخ والأقمار الصناعية، بل والأهم المعاهدات الدفاعية الثنائية بين دول الخليج والولايات المتحدة !!

المؤسف والمحزن في هذه التصريحات الجوفاء والتي لا تقوم على واقع ملموس، ذلك أن صاحبها لا يملك لا اليد ولا القلم ليرسم الخطوط الحمراء، ولا أذهب أبعد بخصوص انعدام العقل الاستراتيجي، والحقيقة وللإنصاف فإن هذا الواقع المرير، ينسحب على جل القيادات العربية بنسب متفاوتة؛ أنها تصدر من بلد له مكانته ومهابته، لطالما تمنت الأمة أن يقوده رجال يزنون كلامهم بميزان الذهب، ويكون واقعيا عمليا، وليس مجرد مهاترات خاوية من أي جزئية واقعية.

أخيرا أنصح أصحاب هذه التصريحات، بمثل ما نصحنا به سابقهم حسني مبارك في حينه، عليكم أن تنظروا أولا تحت أقدامكم، فما نراه من قادم أيامكم لا يبشر بخير، وإن كانت لكم من نظرة خارج حدودكم، فلتكن أولا على خط التماس معكم، والحال أن العدوالإسرائيلي اليوم يقوم بمناورات عسكرية تشي بعدوان قادم قد مهد له منذ أشهر بتصريحات رسمية.. بالعربية الفصحى إن كانت لكم فعلا قدرة عسكرية فادفعوا العدوان عن غزة ودافعوا عنها، قبل التبجح بالدفاع عن البحرين أوغيرها، فالأخيرة أبعد من غزة، وإيران أقوى من إسرائيل، وإلا فرسم الخطوط الحمراء يستوجب ملك الساعد والقلم قبل أي تصريح.