بالمنطق لا بالعنتريات..ماذا بعد الحرب الايرانية "الإسرائيلية"؟

بالعربي: بعد أن انتهت كذبة الربيع العربي في سوريا، ونسي العالم مطالبه الأولى بارية والديمقراطية ورحيل الرئيس بشار الأسد وساهم برحيل وتفكيك وتهميش المعارضة قبل المساس بالأسد، عادت الأمور الى دائرتها الاولى: الخطر الايراني، وخطر تمركز حزب الله في جبهة أخرى غير لبنانية محاذية “لإسرائيل”.

كل ما يحصل الآن من لغة الصواريخ، يصب في هذه الخانة. كل الضغوط الدولية والتواصل والمشاورات، يصب في هذه الغاية، كل ما يتعلق بانسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي هو في هذا السياق.

إيران ليست دولة متهورة. هي تحسب بدقةِ صانعِ الذهب خطواتها، بغض النظر ما إذا كان المرء مؤيدا لما تقوم به في الدول العربية وعبرها أم لا. هي توصل الأمور الى حافة الهاوية ثم تُفسح في المجال أمام التفاوض. هي تدخل في مواجهة أو حرب، فقط حين تُدرك أن ثمة نتيجة لهذه الحرب وغاية. هي ترد حاليا بقوة من الأراضي السورية بالتعاون مع الجيش السوري بالمستوى نفسه الذي هوجمت به، لا تريد أكثر … على الأقل في الوقت الراهن.

أميركا من جانبها هي دولة مؤسسات. ليس مهما كيف هي شخصية الرئيس وطموحاته. قد يخرق الرئيس بعض الخطوط الحمراء ويكسر عددا من الممنوعات، لكن النظام المؤسسي المُحكم في أميركا صنع ضوابطَ عمرُها عشرات السنين، يعرف هذا النظام كيف يلجم الرئيس أو يغيّر مسار اتجاهاته، أو يوقف تهوره. لا يمكن لأميركا أن تدخل حربا أو تدعم دولا أخرى بحرب، ما لم تعرف مُسبقا ما هي النتائج. قد تخطيء في الحساب، وقد تُصيب، لكنها لا تشن حربا بلا أهداف واضحة.

من جانبها تحاول “إسرائيل” منذ فترة جر العالم الى حرب مع إيران، أو الى وضع آلية دولية إقليمية، تساهم في تضيق الخناق على النظام الإسلامي الايراني. هذا هدف أول عند القيادة "الإسرائيلية" التي تعتبر أنه مهما كانت تكاليف الحرب باهظة، فإنها ستكون أقل سوءا من ترك ايران وحزب الله والجيش السوري وحلفاؤهم في المنطقة يشكّلون درعا عسكريا قادرا على تغيير المعادلات. ليست المشكلة في النووي، هذه وكالة الطاقة الذرية الدولية تكذِّب كل ادعاءات ترامب وتقول ان ايران متلزمة. هذه الدول الاوروبية ترفض ( حتى الآن) الانسحاب من الاتفاق. المشكلة هي دور ايران حيال "إسرائيل".

لا تثق ”إسرائيل” بدونالد ترامب رغم كل معسول الكلام بينهما. فالرجل قد يفعل الشيء وعكسه، هذا يُقلق القيادة "الإسرائيلية". هو يدعمها ويزيل الكثير من الألغام من على طريق مدها جسورا مع دول عربية كثيرة، لكن من يضمن أن لا يتغير فجأة. ترامب ينتمي أيديولوجيا الى بيئة من البيض الجرمانيين، أي الكارهين لكل ما هو أجنبي بما في ذلك اليهود والسعوديين والخليجيين والعرب والمسلمين والأفارقة والأميركيين اللاتينيين. هو ينتمي أيضا الى منظومة مالية لا تتفق طموحاتها مع اللوبي المالي اليهودي. لاحظوا مثلا كيف أن الاعلام الاميركي الخاضع في الكثير من جوانبه لسيطرة اللوبي المؤيد "لإسرائيل" لا يزال يشن حملة شعواء على ترامب تحت مسميات وذرائع أخرى.

بناء على ذلك، فان “إسرائيل” قلقة جدا من المستقبل. تشعر بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقيم علاقة استراتيجية مع ايران. سعى كيان الاحتلال وتسعى لغيير وجهة نظره ، ففي” إسرائيل” نحو مليون ومئتا الف يهودي من أصل روسي. اللغة الروسية هي الثانية في “إسرائيل”. حجم المصالح كبيرة، وعلاقة بوتين باليهود الروس ممتازة، رغم أن الاعلام وبعض رجال الاعمال اليهود عنده حاولوا في فترة معينة أن يلعبوا ضده فقمعهم أو لاطفهم وكسبهم، أو على الأقل حيّدهم. بوتين لن يكسر تحالفه مع ايران كرمى لعيون “إسرائيل”.

ولان “إسرائيل” قلقة، فهي ترفع سقف التحدي الى أقصاه. هي تشعر (وأعتقد أنها مخطئة تماما في ذلك) أن الظهير العربي الذي بدأت بتأمينه، سيكون لها حليفا، وأنها لو دخلت الحرب سوف تجر أميركا خلفها وكذلك دولا أوروبية وعربية. هذا يفترض أن يستمر التصعيد العسكري مع إيران عبر الأراضي السورية وغيرها الى فترة غير قصيرة، لكن السؤال ما النتيجة؟

اذا دخلنا في منطق الحرب، لا أحد فعلا يستطيع أن يضمن النتيجة. بعض العرب يهلل للحرب "الإسرائيلية" ضد إيران، لكن ماذا لو ربحت إيران؟ وماذا لو شملت هذه الحرب دولا عربية لا تستطيع أن تحتمل أصلا سقوط بضعة صواريخ عليها. بعضهم الآخر يهلل لإيران ويعتبر أنها حتما ستربح الحرب ضد "إسرائيل" هذه المرة، لكن من يستطيع ضمان النتائج الكارثية على المنطقة كلها؟

أنا شخصيا، وبعيدا عن عنتريات بعض المحللين، أعتقد جازما، أن من تصالح مع كوريا الشمالية (وهي بالمناسبة أخطر بعشرات المرات نوويا من ايران)، يستطيع التصالح مع طهران. الفرق بين إيران وكوريا الشمالية، هو وجود “إسرائيل”. لا بد من إيجاد تسوية في المنطقة وخصوصا عبر سوريا، لوقف هذا الجنون العسكري. لا تزال “إسرائيل” (وهذا واضح من خلال زيارة نتنياهو الى موسكو) تأمل في أن تؤدي الضغوط والاتصالات مع روسيا الى اقناعها بضرورة خروج ايران وحزب الله من سوريا. محور المقاومة يعتبر أنه قاتل ٨ سنوات وربح القسم الأكبر من الأراضي السورية وهزم داعش واخواتها ليس ليقدم الآن هدايا مجانية الى “إسرائيل”. لكن لا أحد يستبعد التفاوض لاحقا مع أميركا.

لذلك فان الكر والفر بين الجانبين الايراني و"الإسرائيلي" سيستمر الى فترة غير قصيرة. ربما لن تحصل حرب بالمعنى الواسع للكلمة، لكن لا أحد يضمن عدم التدحرج الى الحرب. سيستمر هذا الكر والفر حتى حصول اتفاق بين الاميركيين والروس ثم الاتفاق مع إيران. يريد ترامب أن يتفق مع طهران على ملفات أخرى في المنطقة. هو قبض مئات مليارات الدولارات ثمنا لهذا التصلب، ومصلحته في المرحلة المقبلة ان يستمر في التصلب، لكنه يريد إدارة الأزمة وليس انزلاقها الى حرب واسعة.

هل من مصلحة لأميركا والاطلسي بحرب ضد ايران ؟

إن الساذج فقط يعتقد أن أميركا والأطلسي يريدان أو قادران على شن حرب واسعة. لماذا يفعلان؟ إن استمرار التوتر يزيد بيع الاسلحة الغربية والروسية الى المنطقة. مصانع السلاح انتعشت جدا في السنوات الثماني الماضية منذ بداية ما سمي بالربيع العربي. بعض الدول زادت مشترياتها ٣٧٠ مرة. لو لم توجد إيران لأوجدتها أميركا للضغط على الخليج  ثم إن الحرب تعني تكاليف اقتصادية باهظة لا تستطيع الدول الغربية في وضعها الاقتصادي الحالي تحملها، بل على العكس تماما لهذه الدول مصالح اقتصادية كبيرة حاليا مع ايران ووعود المستقبل واعدة جدا في مجتمع إيراني سيصل قريبا الى ٩٠ مليون مستهلك. وساذج كذلك من يعتقد بأن روسيا والصين وغيرهما ستتخلى عن مصالحها الاستراتيجة الكبرى مع ايران وهي مصالح حيوية وجغرافية وامنية وسياسية وخصوصا اقتصادية ونفطية.

مشكلة بعض العرب، أنهم لا يتعلمون من التاريخ. الامبراطوريات الكبرى تتصارع في دولنا، لو ربحت نحن لا نربح شيئا ولو خسرت فنحن لن نربح شيئا. ربما نخسر في الحالتين. عاجلا أم آجلا سيعود الأطلسي للتفاوض مع إيران، وعاجلا أم آجلا ستصل الحروب في المنطقة الى مرحلة ضرورة الاتفاق الاميركي الروسي…. وقريبا سنشهد حركة أوروبية ناشطة لتخفيف التوتر.

حسب معلوماتي المتواضعة، فإن محور المقاومة في أقصى جهوزيته، وواضح أن “إسرائيل” في أقصى جهوزيتها. كل شيء إذا محتمل، ونحن نقف جميعا على شفير الحرب… لكن حالنا يشبه تماما شفير الحرب التي وصلت اليها العلاقات الاميركية الكورية الشمالية… قبل ان يعود الطرفان الى التصافح والتصالح والابتسام… الإمبراطوريات القوية تتصالح وتتصافح، نحن نبقى دائما وقودا للصراعات والمصالحات.

المصدر: العربي اليوم