خداع الفلسطينيين أم الناخبين

بالعربي: الوثيقة التي اوشكوا على الحديث عنها كتبت في آب 2013. وهي تجمل سنوات من المفاوضات السرية التي جرت في لندن بين المندوب المخول لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ومن يعتبر المندوب المخول لابي مازن، رئيس السلطة الفلسطينية. وهذه وثيقة ذات أهمية تاريخية: وينشر محتواها هنا لاول مرة.

ضمن أمور اخرى تكشف الوثيقة عن سلسلة من التنازلات المفاجئة التي كان نتنياهو مستعدا لتقديمها للفلسطينيين. هناك فجوة هوة، غير قابلة للجسر، بين خطابات نتنياهو وبين التعليمات التي اصدرها لمبعوثه الى المفاوضات. فهل سعى نتنياهو الى خداع الفلسطينيين؟ وهي العكس، سعى لخداع ناخبيه؟ هل سعى لان يرقص في نفس الوقت في العرسين؟ يخيل أن كل الاجوبة صحيحة. كل شيء كان ساحرا ومذهلا. ولكن في نهاية الدراما تبين أن نتنياهو لم يخدع الا نفسه.
كان مندوب نتنياهو الى المفاوضات هو اسحق مولخو، قريبه العائلي، محاميه ورجل سره. اما الشريك في الطرف الفلسطيني فكان حسين آغا، بروفيسور في جامعة اكسفورد، لبناني انضم في شبابه الى منظمة التحرير الفلسطينية ويعتبر من الاشخاص الأكثر قربا لابي مازن.
وبمفهوم معين، كان الاختيار ألمعيا. فكل من مولخو وآغا هما طليقا اللسان، واسعا العقل، براغماتيان. شخصان قادران على الوصول الى اتفاق؛ بمفهوم آخر، أكثر أهمية بكثير، كان الخيار بائسا. فكلمة مولخو هي كلمة نتنياهو: لا سبيل الى الفصل بينهما. كل اللاعبين في هذه المعركة يعرفون بان نتنياهو هو رجل مركزي، يشرف على رجاله عن كثيب؛ بالمقابل، كلمة آغا هي مجرد كلمة أغا. اما نتنياهو فاعتقد بان آغا هو مولخو ابو مازن. وقد اخطأ: في يوم الامر ادعى ابو مازن بانه لا توجد له اي صلة بالاتفاقات التي توصل اليها حسين آغا. لا شيء نقل الى علمه. لا شيء لاقى موافقته.
عمليا، استخدم ابو مازن آغا كطعم. اجتذب نتنياهو الى تنازلات دون أن يتعهد هو بالتنازل عن اي شيء. وفي لعبة البوكر هذه فان ابو مازن هو فنان عظيم.
في تموز 2013، بدأت المفاوضات الرسمية بين حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية، حسب مبادرة وزير الخارجية كيري. وهذه الوثيقة، التي كتبت تحت عنوان "مشروع وثيقة مبادئ حول الوضع الدائم"، بهدف أن تكون اساسا للمحادثات. وقد كتبت في آب. وكانت صيغة واحدة اخرى للوثيقة، كتبت في ايلول، كانت وتبخرت. وهكذا انتهى هذا الفصل في تاريخ المسيرة السلمية.
نتنياهو، من خلال مولخو، يفتح في هذه الوثيقة الباب لعودة اسرائيل الى خطوط 67، مع تبادل للاراضي على اساس متر مقابل متر؛ وهو يعترف بالتطلعات الشرعية للفلسطينيين في شرقي القدس ويعطيهم قبضة في غور الأردن. ويفتح امكانية لعودة اللاجئين الى إسرائيل على أساس فردي، اخلاء مستوطنين من الضفة وبقاء قسم من المستوطنات وسكانها تحت حكم فلسطين.
من زاوية نظر الوسط – اليسار الإسرائيلي، احزاب مثل المعسكر الصهيوني ويوجد مستقبل، وربما ميرتس ايضا، هذا اتفاق معقول للغاية. ليس مؤكدا ان هكذا سيفكر ايضا مصوتو الليكود والبيت اليهودي.
وأجلب هنا النقاط الاساسية في الاتفاق، بترجمة حرة الى العبرية. فهي تبدأ بتحديد هدف المفاوضات:
"الطرفان متفقان على أن هدف مساعيهما هو الوصول الى انهاء المواجهة وكل الادعاءات، وهما متفقان على أن المسائل المتعلقة بالوضع الدائم يجب أن تتعاطى مع الاحتياجات الشرعية للطرفين بطريقة عملية ونزيهة تسمح بتأييد جماهيري. وهما شريكان في الرؤيا التي تتحدث عن دولتين للشعبين، مع حقوق دينية متساوية وبلا تمييز تجاه اي طائفة اثنية او دينية".
ويتحدث البند الثاني عن "الاراضي الاقليمية، الحدود والمستوطنات". "يتفق الطرفان على أن يكون لاسرائيل وفلسطين حدود دائمة الواحدة مع الاخرى، ويكون لفلسطين حدود دائمة مع الاردن ومصر (الحدود مع الأردن تتطلب سيادة فلسطين في غور الأردن، كله أو جزء منه). الحدود بين اسرائيل وفلسطين ستكون على اساس خطوط 67 مع تبادل للاراضي متفق عليه، يأخذ بالحسبان التطورات المتأخرة (والمقصود الكتل الاستيطانية). وستقرر الاعتبارات العملية والواقع على الارض حجم ومكان الاراضي المتبادلة.
"يتفق الطرفان على أن تكون فلسطين دولة مستقلة وذات سيادة في ارض قابلة للعيش تساوي في حجمها المساحة التي كانت تحت سيطرة مصر والأردن قبل الرابع من حزيران 1967؛ يكون أمن إسرائيل مضمونا وكل حركة اخلاء للسكان الموجودين تكون بالحد الادنى. ولا تفصل مناطق.
"الاتفاق لاقامة فلسطين سيحل كل مشاكل الوضع الدائم، بما في ذلك مسألة المستوطنات. الإسرائيليون الذين يختارون البقاء في اماكنهم في دولة فلسطين يكونوا تحت الحكم الفلسطيني مع حقوق متساوية وكاملة، دون تمييز ضد الفرد أو الطائفة.
يتفق الطرفان ايضا على ارتباط آمن بين الضفة وغزة.
"احتياجات إسرائيل الأمنية تكون مضمونة ضمن أمور اخرى من خلال: دولة فلسطينية مجردة في الضفة وفي غزة مع قدرة أمنية قوية. والتعاون بين قوات الامن في المعلومات وفي الاعمال الميدانية. وأن لا توافق فلسطين على مرابطة قوات أجنبية في اراضيها ولا توقع على معاهدات دفاع مع دول اخرى. وأن يكون انسحاب كامل على مراحل لقوات اسرائيل من ارض فلسطين. القوات الإسرائيلية الاخيرة تخلي عندما تنفذ المرحلة الاخيرة من الاتفاق.
ويعترف الاتفاق ايضا "بالمشاكل الأمنية المشروعة لفلسطين".
ويتحدث الاتفاق عن امكانية تأجير غور الأردن لفترة زمنية محدودة. "نظام خاص لمدى طويل يقام على جانبي نهر الأردن. ويبقى النظام الخاص الى أن تقرر كل الاطراف أن الظروف تبرر التغيير (اقتراح لمرابطة قوة هامة للجيش الإسرائيلي الى جانب قوة للأردن على طول النهر رفض). واضافة الى ذلك ترابط قوة مساعدة دولية".
الموقف من مسألة القدس في الاتفاق عام وحذر. "هذه على ما يبدو هي المسألة الأكثر تعقيدا وحساسية موضع البحث"، يعترف آغا ومولخو. مصالح اسرائيل والفلسطينيين تحظى بمستوى متساو من الاهمية. وأن كل حل يجب أن يتعاطى مع الارتباطات التاريخية، الدينية، الثقافية والعاطفية للشعبين بالمدينة وحماية الاماكن المقدسة. وأن لمسألة القدس يوجد ثلاثة وجوه: ارض اقليمية، حكم واماكن مقدسة. وكجزء من التقدم الى حل النزاع يمكن للطرفين ان يتعاطيا مع امانيهما للارتباط بالمدينة، شريطة الا يعاد تقسيمها.
ولحل مشكلة اللاجئين توجد بدائل اخرى: "الحل سيكون عادلا، نزيها وواقعيا. وهو ملزم بان يستجيب للهدف المشترك – دولتين للشعبين – وفي نفس الوقت يتطلب حساسية تجاه مصادر القلق الاعمق للطرفين".
ويعد الاتفاق برد كرامة اللاجئين لهم ووعدهم بحياة جديدة وطبيعية؛ ووعد الاسرائيليين الا تستغل مشكلة اللاجئين لمواصلة النزاع او لتغيير الطابع اليهودي للدولة.
كيف يتم ذلك؟ هناك عدة خيارات. احدها يتحدث عن الاعتراف بمعاناة اللاجئين واعادة توطينهم في فلسطين وفي دول ثالثة، بمساعدة دولية، بحيث يقام صندوق دولي لمعالجة ادعاءات الاملاك والنفقات المنطوية على اعادة التوطين. وتساهم اسرائيل بنصيبها في الصندوق. كما ستبعد الدول العربية هي الاخرى الى المساهمة.
خيار آخر مشابه، باستثناء بند واحد، "على مدى فترة محددة توافق اسرائيل على اعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين على اساس فردي". حسين آغا يضيف ملاحظة: فهو يطالب بصيغة اكثر الزاما.
هناك في مشروع الاتفاق تناول أيضا للاجئين اليهود الذين وصلوا الى اسرائيل من البلدان العربية. "مطالب اليهود الذين هربوا أو طردوا من البلدان العربية ونفقات اسرائيل في استيعابهم تتطلب معالجة. وتعتزم الولايات المتحدة قيادة الجهود الدولية في هذا الموضوع بما في ذلك دعوة الدول العربية للتبرع من أموالها".
ان الاتفاق الذي توصل اليه مولخو وآغا يشمل مواضيع اخرى. ولم تعرض هنا سوى أهمها، المواضيع الجوهرية. ويجدر بالذكر ان المفاوضات جرت في الولاية السابقة لنتنياهو، قبل مبادرة كيري، في ائتلاف كان فيه نتنياهو هو مصدر الصلاحيات الوحيد في الموضوع الفلسطيني. والتنازلات التي قدمها في مسائل جوهرية كالحدود، اللاجئين، المستوطنات، تدل ظاهرا على رغبة شديدة، بعيدة الاثر، للتوصل الى اتفاق ينهي النزاع. وفي نفس الوقت اتخذ نتنياهو خطوات على الارض شهدت على العكس. يخيل أنه كان مهما له أن يحظى بالاعتراف كمن يسعى الى السلام، بشرط واحد – الا يحقق السلام ابدا.

هآرتس
ناحوم برنياع