كيف نحافظ على استدامة الاقبال على المنتجات الوطنية؟

كتب: د.عقل أبو قرع

كان واضحا خلال الاشهر الاربعة الاخيرة، او منذ بدء الحرب على غزة، الزخم المتزايد في الدعوة وفي الاقبال على المنتجات الوطنية أو المنتجات اللاتي يتم تصنيعها محليا، أو تلك التي حسب ما اصبح دارجا يدخل في مكوناتها النهائية حوالي 30% أو اكثر من المدخلات المحلية أو من المصنعة محليا، وهذا الزخم ولكي يتواصل ويتعمق ويصبح توجها مستداما عند المواطن أو عند المستهلك يحتاج الى تواصل الحملات والى خطط والى التركيز على جودة وسلامة المنتج الوطني وعلى وجود برامج شاملة تهدف الى دعم المنتج الوطني منذ بداية التصنيع وحتى الترويج له عند المستهلك  وفي الاسواق. 

ولا يوجد جدال بأن المنتجات الوطنيه التي يتم انتاجها محليا وبأنواعها، قد تطورت وتحسنت من ناحية الجوده والنوعيه ومحاولة التوازن مع منتجات غير وطنيه، أي مستورده، سواء من اسرائيل أو من الخارج، وأنها قطعت شوطا من السهل اثباته من خلال الفحوصات أو عن طريق الالتزام بالمواصفات والشروط المحليه والدوليه، ورغم التقدم واستثمار الكثير من الاموال والكفاءات البشريه والتكنولوجيا من أجل مواكبة المنتجات الاخرى، الا أنها لم تستطع حتى الان الاستحواذ على اولويات المستهلك الفلسطيني، وبالتالي تبؤ المركز الاول في السوق الفلسطيني، وهذا ينطبق على الصناعات المحليه المختلفه.  

حيث رغم ذلك ما زال المستهلك الفلسطيني، أو جزء مهم من المستهلكين الفلسطينيين يقبلون على المنتجات الخارجيه بأنواعها، ولا يعتبرون المنتجات الوطنيه أولويه، رغم التحسن الذي تم خلال الاشهر القليلة الماضية ولاسباب متعددة، ، وحتى رغم أن هناك منتجات وطنيه ومنها الادويه يتم تصديرها وبنجاح الى دول عديده في العالم، عربيه وغير عربيه، وبالتالي ما زال المستهلك الفلسطيني لا يعطي الاولويه للمنتج الوطني اذا كانت الاسعار متقاربه، او حتى ان اثبتت الفحوصات ان الجودة متساوية.

ويتواصل هذا الوضع رغم التوجه الحكومي الرسمي وكذلك الدعوات الشعبيه من أجل الابتعاد عن المنتجات أو البضائع المستوردة التي تشكل النسبه الاكبر من ايرادتنا وبالتالي من استهلاكنا، وبالتالي التوجه نحو المنتج الوطني،  حيث تبرز صناعات وطنيه شكلت معلما هاما وتطورت خلال السنوات الماضيه، من حيث الجوده والنوعيه، ومنها الصناعات الغذائيه والصناعات الدوائيه،  التي لا يمكن للمستهلك الفلسطيني الاستغناء عنهما، وبالاضافه الى صناعات اخرى تتعلق بالانشاءات والخدمات والتكنولوجيا وغيرهما. 

ومن أجل ان يتواصل الاقبال وبشكل مستدام على المنتجات الوطنيه، فأن ذلك من المفترض أن يبتعد عن الجانب العاطفي الانفعالي الذي نعتاد عليه في المناسبات المختلفة، وبأن تأخذ استراتييجية الاولويه للمنتجات الوطنيه عدة امور وجوانب، من أهمها الحاجه الى وجود مرجعية او اطار وطني شامل يقف ويتابع الاستراتيجيه وليس فقط الشعارات التي اعتدنا عليها، وينسق الخطوات، ويدرس الظروف والبدائل، ويحدد المعيقات والمشاكل، ويعمل على وضع الاسس الموضوعية لضمان استمرار الاقبال على المنتج الوطني، وهذا الاطار من المفترض ان يعمل على ارضية الفوائد او الايجابيات التي يمكن ان تؤدي اليها حملات تشجيع المنتجات الوطنيه للناس، سواء على صعيد المستهلك الفلسطيني، او التاجر او االقطاع الخاص او القطاع العام. 

 

والتوجه الى المستهلك او المواطن الفلسطيني، والذي هو اللبنة الاساسية لنجاح هذه الحملات، كما هو كان وسوف يكون حجر الاساس لنجاح  حملات اخرى، في الماضي او في المستقبل، هذا المواطن، من المفترض ان يتم التواصل معة وبشكل فعال، سواء من اجل توعيتة او اقناعة بأهمية وبفوائد هذه الحملات،  وبأن يتم التبيان له أهمية ذلك من النواحي المختلفة، أو حتى ارشاده للبدائل المتوفرة،  تلك البدائل التي هو في حاجة اليها، اي البدائل التي يتم تصنيعها محليا، سواء اكانت  هذه البدائل منتجات غذائية او دوائية او مستحضرات تجميل او مواد بناء وانشاءات او خضار او فواكة وما الى ذلك.

 

والتواصل الفعال مع التاجر أو المستوردين من التجار، واعلامهم بوجود البدائل الوطنيه التي تتمتع بالجودة والسلامة والسعر المناسب، والذي يمكنهم من احضارها وعرضها في محلاتهم ومن ثم بيعها الى المستهلك او الزبون، الذي اعتاد على يتعامل معهم، واذا حدث وان قمت بزيارة الى محلات تجارية في احدى المدن او القرى الفلسطينية ، فأنك سوف تجد بضائع خارجيه من انواع مختلفة، واذا سألت التجار او الموردين عن ذلك‘ فسوف تكون الاجابة بعدم وجود بدائل، او بضعف الجودة، او بأستمرارية طلب المستهلك للبضائع الاجنبيه، او حتى بعدم اقتناع التاجر بجدوى او فعالية او اهمية حملات الاقبال على المنتجات الوطنيه. 

 

ولكي ينجح المنتج الوطني وبشكل مستدام كبديل، ومن ثم يبقى او يستديم كبديل للمنتج الاجنبي، من المفترض ان يكون ذلك على اسس صحيحة، واهمها التركيز على الجودة او النوعية، اي كفاءة وفائدة المنتج اسوة بالمنتجات المستورده، وبالاضافة الى الجودة او النوعية، التركيز كذلك على سلامة او على امان او على عدم خطورة  المنتج الوطني ، ولتحقيق ذلك كان من المفترض العمل المتواصل من قبل الجهات المعنية، لترسيخ هاتان الصفتان للمنتج الوطني، اي الجودة والسلامة، في اذهان المستهلك الفلسطيني، والتاجر الفلسطيني والمنتج وصاحب القرار.

 

وموضوع التلاعب بالاسعار، وبدون رقابة او اخذ الاعتبار لوجود رقابة، سواء من حيث رفعها، او ربما من حيث تخفيضها واغراق السوق بمنتجات اسرائيلية مثلا باسعار رخيصة لابعاد المستهلك عن المنتجات الوطنية، كما يبدو انه حدث في حالات معينه في الماضي، من خلال اغراق السوق الفلسطيني بالخضار والفواكة الاسرائيلية، والادعاء انه لا يوجد بديل او كمية كافية من الانتاج الوطني المشابة،  وبالتالي من المفترض ان تعمل الجهات الرسمية والشعبية وبحزم في هذا الصدد لكي لا تحدث عملية اغراق الاسواق وبمنتجات اجنبيه مختلفة.

 

وكما لعبت هذا الدور جيدا خلال فترة الحرب على غزة، فأن  دور وسائل الاعلام وبأنواعها المختلفة، والتي هي ضرورية لبدء ومن ثم استمرار ولنجاح حملات الاقبال على المنتجات الوطنيه، دورا هاما يجب ان يتواصل وحتى مع الانتهاء من الحرب، وكذلك من اجل ترسيخ ثقافة حماية المستهلك وفي بناء خطوط التواصل معه، سواء من خلال عملية صياغة او تحرير الانباء التي تصل اليه، او حول اكتشاف واتلاف المواد الفاسدة من اغذية وادوية، او التلاعب بالاسعار، او وجود البدائل،  او تلك المعلومات التي يحصل عليها بشكل مباشر، وهذا يشمل الصحف المحلية والاذاعات والتلفزيون، والاهم العديد من المواقع الاخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي. 

وبالاضافه الى السوق المحلي، ولكي تصل المنتجات الوطنية وبشكل مستدام الى الأسواق الخارجية وتنافس وتنجح ، فيجب ان تلبي مواصفات وشروط تلك الأسواق، وهذا على سبيل المثال  ، ولتصدير منتجات زراعية فلسطينية إلى أسواق أوروبية او أمريكية، يتطلب  إجراء الفحوصات الضرورية لبقايا المبيدات والمواد الكيميائية في المحاصيل الزراعية او منتجات التصنيع الغذائي.

وإتباع المواصفات فيما يتعلق بالتعبئة والتغليف والتخزين وما الى ذلك، وهذا يعني وجود المختبرات المؤهلة والمعتمدة لإجراء الفحوصات، ويعني كذلك وجود الكفاءات المدربة والمعدة للقيام بذلك، وهذا يعني كذلك توفر المصداقية والنزاهة و الاعتراف بذلك من الجهات المستوردة، والاهم كذلك وجود الجهة التي ترعى وتدعم إستراتيجية التصدير وفتح أسواق جديدة.

ولكي يتواصل زخم الاقبال المستدام على المنتجات الوطنيه كما لاحظنا خلال الاشهر الاربعة الماضية وان تواصل المنافسه ، من المفترض ان تعمل كافة الاطراف ذات العلاقة، سواء اكانت جهات رسمية او مؤسسات شعبية، الى تشكيل اطار يحوي خبراء ومختصين وناشطين، يعمل على وضع اسس موضوعية، تكفل الاستمرار والاستدامة والتوسع في حملات تشجيع المنتجات الوطنيه وبأن تشمل هذه الاسس توفير البدائل، والتركيز على جودة المنتجات المحلية، ومراقبة الاسعار، واعطاء الافضلية للمنتج الوطني، واجراء الفحوصات المخبرية، والتركيز على مواصفات وطنية تحمي المنتج المحلي، وكذلك تفعيل التواصل مع المستهلك ومع التاجر ومع المورد او المستورد، لكي ترسخ المنتجات المحليه الاولوية وبشكل مستدام عند المواطن الفلسطيني.