الكاتب راسم عبيدات: ما الذي يعيق تحقيق الهدنة الإنسانية..؟

تحقيق هدنة انسانية بعد الحجم الكبير للمجازر المروعة التي ارتكبتها دولة الكيان بحق المدنيين والمؤسسات المدنية في قطاع غزة متجاوزة كل المعايير القانونية والأخلاقية ،بات محط اجماع دولي ،في ظل إنقلاب الصورة وانفضاح كذب وزيف الرواية الأمرو صهيو اوروبية غربية استعمارية عن  مجازر مفترضة ارتكبتها المقاومة الفلسطينية بحق المدنيين من "الإسرائيليين" ..  بلينكن الذي حضر الى دولة الكيان للمرة الثالثة طالب نتنياهو بضرورة ان يكون هناك هدنة إنسانية،وكذلك فعل رئيسه بايدن،وقالا له بأن امريكا لم تعد قادرة على مواجهة الضغوط الدولية والإقليمية والعربية  الصديقة التي تطالبها بوقف مجازر حليفتها وشريكتها،ولكن نتنياهو ومجلس حربه المصغر رفضوا ذلك وقالوا لا هدنة ولا وقف اطلاق نار ولا حتى إدخال وقود بدون إطلاق سراح " الرهائن" والمقصود هنا جنود الكيان ومستوطنيه المأسورين عند ال مق ا و مة الفلسطينية ...وبالتالي الموافقة على هدنة مؤقته لثلاثة أيام مقابل خروج المحتجزين من الجنسيات المختلفة وأغلبهم من الأمريكان ،دون شمولهم لعدد من الأسرى " الإسرائيليين" سيعمق من أزمة نتنياهو العميقة أصلاً وسيزداد السخط والغضب من قبل اهالي الأسرى ووسائل الإعلام والقادة الأمنيين والعسكريين من المعارضة والموالاة حالياً وسابقين عليه، وهو يدرك بأن هذ الموافقة تعني صعوبة العودة للقتال مجدداً ،وبالتالي هو يريد أن يحمل إنجاز لأهالي الجنود والمستوطنين، إنجاز يقول بأنه استطاع ان يجد حلاً جزئياً لمشكلة الأسرى...ولكن هذا المطلب تقابله حماس والفصائل بالقول، شمول الهدنة والصفقة لأي أسير "اسرائيلي" مدني يعني صفقة تبادل جزئية مرضى وكبار سن مقابل مثلهم من الأسرى الفلسطينيين في سجون الإحتلال ،وهذا ينطبق على الأطفال والنساء ،والقبول بذلك يعني الدخول في صفقة للتبادل وهذا ما طرحته ح ماس وباقي الفصائل الفلسطينية منذ البداية ...والمحذار الثاني بعد التوصل الى هدنة، لن يستطيع نتنياهو ان يحمل اية صورة لنصر في القطاع لأهالي الجنود والأسرى ، في ظل عدم تحقيق أي انجاز ميداني أو عسكري ، فقوى ال م قاو مة،ما زالت تسيطر على القطاع وتدمر  المزيد من دباباته والياته،بما فيها الأحدث من دبابات مركفاه (4) وآليات النمر ...وكذلك توقع المزيد من الخسائر في صفوف جنوده وضباطه،وحسب إعترافات جيش الكيان،ارتفع عدد جنوده القتلى الى 35 و260جريح ...وكلما تقدمت وتعمقت قواته وجيشه في المناطق السكنية،كلما غاصت في مستنقع غزة ...ومن هنا كان المجلس الحربي المصغر  نتنياهو وغانتس وغالانت يرفضون الطلب الأمريكي والعربي الرسمي والأوروبي الغربي الإستعماري بالقبول بهدنة إنسانية،ويصرون على ان يكون صفقة تبادل بشكل اوسع ...فأهالي  الجنود والمستوطنين المأسورين يزيدون من حدة ضغطهم عليهم في الشارع الإسرائيلي ويزداد عدد الداعمين والمؤيدين لهم من قادة امنيين وسياسيين وعسكريين سابقين وحتى حاليين، هي معضلة ومأزق لنتنياهو وحكومته ومجلس حربه المصغر، يرفعون مطالب متطرفه،كما قال سكوت ريتر أحد ضباط المخابرات المركزية الأمريكية السابقين،والذين كانوا ضمن فريق ما عرف بفرق التفتيش " الدولية،للبحث عن أسلحة نووية في العراق، توجه للرأي العام  الإسرائيلي ولا يستطيعون تحقيقها، هذا ما حصل في عدوان تموز /2006،شنوا حرب عدوانية على حزب الله و المقاومة اللبنانية، وأطلقوا اهداف كبرى سحق حزب الله عسكرياً والقضاء على أمينه العام سماحة السيد نصر الله وتقليص حضور حزب الله سياسياً في المجتمع والمؤسسات اللبنانية  وإطلاق سراح الجنديين الأسيرين لدى حزب الله ،وخلق شرق أوسط جديد بشرت به المغدورة كونداليزا رايس وزير الخارجية الأمريكية أنذاك،ولم يتحقق أي من هذه الأهداف،وفي النهاية تبادل أسرى،حيث سلم الحزب الكيان جثتي الجنديين مقابل الأسرى اللبنانيين في سجون الكيان ، ولعل هذه التجربة حاضرة في أذهان قادة الكيان وخاصة نتنياهو وغالانت،واللذان قالا بأن دولة الكيان تخوض حرب وجود و"الإستقلال" للمرة الثانية ،فصفقة التبادل وتوقف الحرب،تعني نهاية مستقبلهم السياسي ومحاكمات ودخول نتنياهو للسجن.

ولذلك هم يرفضون الهدنة الإنسانية ،ويعملون على مواصلة العملية العسكرية وإرتكاب المزيد من المجازر بحق المدنيين،على أمل أن يجري توسع دائرة الحرب،وتتورط فيها أمريكا،ومن هذا المنطلق قاموا بقصف أهداف مدنية في الجنوب اللبناني،أسفرت عن إستشهاد جدة وأحفادها الثلاثة من الأطفال،وكذلك إصابة 4 من الكشافة الإسلامية ،والتي رد  عليها الحزب بتوسع دائرة القصف بعيداً عن قواعد الإشتباك بإستهداف مستعمرة كريات شمونة" الخالصة" بعدد من صواريخ الكاتيوشا " غراد،وقال الأمين للحزب السيد نصر الله، بأن معادلة "مدني مقابل مدني" ستكون موضع التنفيذ ولا تسامح في هذا الموضوع.

أمريكا تعمل جاهدة لكبح جماح حكومة الكيان، ومنعها من توسيع دائرة الحرب وإجبارها على القبول بالهدنة الإنسانية،لأن ذلك سيجعلها في قلب حرب إقليمية،تشكل تهديد جدي لمصالحها في كامل المنطقة ،وكذلك هي غير قادرة على خوضها في ظروف غير ملائمة لها،فلديها ملفات مفتوحة ،الصين وقضية تايوان،ومشروع الصين الإقتصادي الكبير لإزاحة أمريكا عن عرش العالم الإقتصادي ،مشروع " الحزام والطريق،والصراع العسكري مع روسيا وهزيمتها في أوكرانيا والملف النووي الإيراني،ونتنياهو وغالانت يجدان في هذه الحرب المخرج لإستمرار وجودهما في الحكم ،وعدم خسارة مستقبلهم السياسي ،فالأمور عند إندلاع هذه الحرب الإقليمية،ستخلط الأوراق ولا يجري تسليط الضوء على تحميلهم لمسؤولية الهزيمة الإستراتيجية في معركة " طوفان الأٌقصى" ولا الفشل الأمني والإستخباري الكبيرين ..

تسارع الأحداث والتطورات في المنطقة والإقليم  ...سيحدد أين تتجه الأمور،وخاصة بأننا نشهد إشتعال جبهة الضفة الغربية ...هل ستكون هناك هدنة إنسانية.. يستطيع بايدن وبلينكن ان يقدموها لأصدقائهم من دول النظام الرسمي العربي،وخاصة أن قمتهم " العاجلة و" الطارئة ستعقد يوم السبت القادم ،وبما يرفع الحرج عنهم وينفس حالة الغضب والإحتقان الشعبي العربي ضدهم،حيث الشارع العربي الغاضب والمختقن،يقترب من الإنفجار الشامل،وهذا قد يدفع الأوضاع بالخروج عن السيطرة..وتداعيات العدوان البربري على قطاع غزة ،لن تكون تلك الأنظمة بمنأى عنها ،بل ستكون هي في قلبها .