هل يفتح " الأمناء "باب الوحدة والديمقراطية؟!

بقلم الباحث والكاتب السياسي أ. جمال زقوت

لن تجد مواطناً فلسطينياً واحداً يُعوِّل على لقاء العلمين "للأمناء العامين"، فقد خبر الناس مثل هذه اللقاءات، التي لم يعد لها وظيفة سوى تذكير الناس بأن إرادتهم مصادرة من قبل ما يسمى بقيادات الفصائل التي انتهت صلاحية معظمهم، وأما سلطتا الانقسام اللتان تهيمنان على المشهد العام، فكلاهما ليس في وارده سوى الاستمرار في حكمٍ لم يعد ذا صلة بقضايا الناس اليومية، أو بالقضية الوطنية التي تنهش جسدها حكومة عصابة المستوطنين، و دون أن تحرك هاتان " السلطتان" ساكناً، أو تقدما على ما يزعج بصورة جدية تلك الحكومة التي تواصل الضم والتهويد، دون رادع فلسطيني أو عربي أو دولي، في محاولة منها لحسم الصراع بتصفية الحقوق الفلسطينية .

نعم، الناس في واد و لقاء" الأمناء في العلمين" في وادٍ آخر . فأهل غزة الذين تحشرهم اسرائيل في سجنها برعاية رسمية من قوى الانقسام، باتوا مستعدين لأي سيناريو يخرجهم من معاناة سنوات طويلة من هذا الحصار الذي أحكم أنيابه بعد الانقسام وحتى اليوم. فاسرائيل صاحبة الولاية الحصرية على مصير هذا الحصار تواصل من خلاله محاولات اخضاع غزة نحو فصلها عن الكيانية الوطنية، بينما حماس التي لا تريد الاعتراف بفشلها في تجربة الحكم ، وتذهب بهذه التجربة نحو المجهول، تنفرد في البحث عما يسمى بهدنة طويلة الأمد مقابل تسهيلات اقتصادية ليست أكثر من فتات يبقيها في هذا الحكم؛ حتى بالمقارنة مع بنود أوسلو ومراحله الانتقالية المجحفة والتي لم تكن سوى دفرسوار لتقويض ما كانت قد حققته الانتفاضة الكبرى. بينما أبناء شعبنا في الضفة الفلسطينية، بما فيها القدس المحتلة، فهم يواجهون أنياب الجرافات، التي تأكل أرضهم وتدمر بيوتهم، بصدورهم العارية، ويتصدون لعصابات المستوطنين وحيدين في معركة ليس للسلطة فيها من دور سوى ادعاء احتكارها للقوة والقانون الذي لم يعد سوى سيفاً مسلطاً على عامة الناس والغيورين على الوطن من الفساد و قلة الحيلة، لحساب فئة مهيمنة لم يعد يهمها سوى الاثراء وانتظار لحظة تحولٍ عابرة في التاريخ تأتي بها للحكم لما يسمى بمرحلة "ما بعد الرئيس عباس "، وهي كما حركة حماس لم تعد تحسب أي حسابٍ للرأي العام طالما هم يحكمون دون مساءلة أو  انتخابات، ويتعذرون في سبيل ذلك مرة بالقدس التي تترك اليوم وحيدة، ومرة ثانية بافتعال خلاف على ما يسمونه "شرعية المقاومة"، و "الشرعية الدولية" الغائبتين كلياً عن جدول الأعمال الوطني الموحد سواء في ميدان مقاومة الناس ودفاعهم عن حياتهم ومصيرهم الوطني "خارج حسابات الصراع على الحكم" للمستوطنين وجيشهم، أو في ميدان الدبلوماسية الدولية التي لا تعترف إلا بقوة صاحب الحق، وليس قوة الحق المجردة من أي سلاح ، فهي في تلك الحالة تتحول لمجرد استجداء وليست دبلوماسية .

حكومة عصابة المستوطنين ، ورغم أزمتها الداخلية والتاريخية، وربما بفعل هذه الأزمة، تسابق الزمن في ميدان حسم الصراع بالضم و تصفية المناضلين يومياً على اتساع رقعة رفض مخططاتهم التصفوية ، بينما معارضو تلك الحكومة في اسرائيل، والذين يملأون شوارع مدن الداخل دفاعاً عن "ديمقراطية اليهود"، فهم يساندون حكومة هذه العصابة في حربها ضد الوطنية الفلسطينية، وضد الاعتراف بحق شعبنا في تقرير مصيره. هذا في وقت ينشغل فيه العالم كله في الحرب على مستقبله وطبيعة نظامه الدولي، وما تُوَلّده هذه الحرب من تداعيات كونية، سيما على الشعوب التي تعيش حالة من الرمادية المخيفة، وفي مقدمتها قضية فلسطين ومستقبل صراع شعبنا من أجل انتزاع حقه في الحرية والكرامة وتقرير المصير .

في هذه المناخات المحلية والاقليمية والدولية، بما في ذلك الأوضاع العربية، ينعقد لقاء " الأمناء" في العلمين بعد فشل لقاء اسطنبول في تحريك أي أملٍ يجلب ولو الحد الأدنى من الاهتمام الشعبي لهذا اللقاء . وأيضاً في ظل ادارة أمريكية لم تفعل،رغم وعودها اللفظية، أي شئ يخالف استراتيجية "ترامب - نتانياهو"، و رغم "استياء" ادارة بايدن من تمرد حكومة نتنياهو على قواعد لعبتها في المنطقة، إلا أنها لا تدخر جهداً في محاولاتها لاستكمال جر الدول العربية لقاطرة التطبيع مع هذه الحكومة العنصرية . فالحوار الذي تقوده هذه الادارة من أجل التعامل مع "الشروط السعودية" لإمكانية التطبيع مع اسرائيل، كما نشرها الصحافي الأمريكي توماس فريدمان المقرب من بايدن؛ لا يقدم لشعبنا الفلسطيني سوى فتات لن يؤدى إلا لاعطاء المزيد من الوقت لحكومات الاحتلال، و انقاذ نتنياهو من أزمته المتفاقمة، وأيضاً محاولة انقاذ المشروع العنصري الصهيوني من أزمته التاريخية . فكل من يراهن على استرضاء الولايات المتحدة، بينما هو  غارق في وحل الانقسام و حالة الضعف المستشرية ، فهو لا يقدم سوى استجداء الوهم وسراب تسوية لن تتحقق طالما أن حالة الانقسام وتمزيق الوحدة الوطنية هي السائدة، وطالما أن الانقساميين يتصدرون المشهد العام .

مصر التي طالما ساندت القضية الفلسطينية، وبذلت جهوداً طويلة لرعاية الحوارات الفلسطينية ومحاولات انهاء الانقسام، يحركها في ذلك دوافع تاريخية قومية منذ حرب نكبة عام 1948، وحصار عبد الناصر في الفَالُوجة، وما تلاها من حروب قدمت فيها مصر خيرة أبنائها شهداءً في مواجهة الأطماع الاسرائيلية لاخضاع المنطقة العربية . هي اليوم، باستجابتها لرعاية اللقاء الذي دعا إليه الرئيس عباس، أمام امتحان القدرة المفصلية ازاء أمكانية التأثير على طرفي الانقسام لاعادتهما إلى جادة الصواب والاستجابة للجهود التي سبق وبذلتها من أجل وحدة الصف الفلسطيني، وانقاذ القضية الفلسطينية، وازاحة ثقل المعاناة عن كاهل شعبنا سيما المحاصر منه في قطاع غزة، والذي يشكل خاصرة الأمن القومي المصري، وحتى لا تكون اللعبة الوحيدة في المدينة هدنة طويلة الامد في غزة، لا تهدف اسرائيل منها سوى الاستفراد بالمصير الوطني برمته، وليس فقط ضم الضفة الغربية.

لقاء الفرصة الأخيرة، رغم أن السياسة لا تحتمل مصطلحات الفرصة الاخيرة، إلا أن هذه الفرصة هي لحفظ ماء وجه هؤلاء "الأمناء"، و بالتأكيد ليست الفرصة الأخيرة للنضال الفلسطيني الذي بدأ قبلهم ولن ينتهي بتنحيتهم. إنه لقاء الفرصة الاخيرة لأن تتحمل هذه الفصائل مسؤولياتها، ولمصلحتها هي أولاً،  في انشاء حكومة وحدة وطنية تنهي كارثة الانقسام ، وتستثمر كل مواردها لمداواة جروح ومعاناة الناس، وتعزيز قدرتهم على الصمود والبقاء ، وتسير بهم نحو استعادة حقوقهم الدستورية بانتخاب قيادتهم على صعيد كل من المنظمة والسلطة، وتمكنهم من القيام بما يمليه عليه واجبهم في الدفاع عن مصيرهم الوطني. فهل سيكون هؤلاء "الأمناء" حقاً محل الثقة بالأمانة التي سبق ومنحها لهم شعب فلسطين الذي لن يستكين إلا باستعادة حقوقه في الحرية والعودة والكرامة الوطنية ؟!