"الانتخابات الفلسطينية كاستحقاق وفعل نضالي..."

بالعربي: إن الظروف القاهرة التي مر بها  الشعب الفلسطيني جراء وقوعه تحت  الاحتلال منذ العام ١٩٤٨ حرمته التنعم بحياة ديمقراطية أسوة بالشعوب الأخرى المستقلة وذات سيادة ولها نظام سياسي خاص بها، في حين أن الفلسطينيين استمدوا شرعيتهم القانونية قبل تشكيل نظامهم السياسي (ما قبل اتفاقية أوسلو) من النضال والكفاح الوطني.

لكن هذا الواقع تغيّر إلى حد ما منذ العام ١٩٩٣، وهو تاريخ توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال، وتقتضي إنشاء سلطة سياسية ضمن فترة انتقالية تؤسس لمرحلة الدولة الفلسطينية بعد خمس سنوات، ولها حكومة ومجلس تشريعي منتخب حسب ما جاء في الاتفاقية، ما انعكس على طبيعة الفهم السائد والمهام الجديدة لدى الفصائل السياسية بدمج ما بين مرحلة التحرر من جهة ومرحلة التأسيس لدولة وبناء نظام سياسي  بطريقة ديمقراطية من جهة أخرى تتيح للشعب المشاركة في الترشح والانتخاب على حد سواء.

وبالفعل حصل الأمر عام ١٩٩٦ م إذ عُقدت انتخابات حرة نجم عنها مجلس تشريعي منتخب ورئيس للسلطة ومجلس وزراء مخول من المجلس التشريعي المنتخب، ومن باب أولى بتجنب اختلاط الشرعيات في تلك الفترة؛ أصبح أعضاء المجلس التشريعي هم أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني.

ونفس الشيء حصل في الانتخابات الثانية، التي جاءت متأخرة وليست في موعدها؛ لكنها أفرزت واقع سياسي جديد ، يتمثل في دخول أحزاب جديدة معارضة، كحركة حماس والجبهة الشعبية وغيرها، لم تكن قد شاركت في الانتخابات الأولى.

وفي نفس الوقت فإن انتخابات الرئاسة التي حصلت قبل انتخابات التشريعي أفرزت مرشح حركة فتح " محمود عباس " كرئيس للسلطة؛ ما فرض واقع جديد انعكس على شرعيات متعددة؛ فمن جهة رئيس الحكومة من فصيل ورئيس السلطة من فصيل آخر، وأعضاء المجلس التشريعي هم أعضاء في المجلس الوطني؛ ما أربك النظام السياسي بهذه التوليفة وتشكيل حكومتين الأولى قادتها حماس وفق الانتخابات لما يقارب الخمسين يوماً، ومن ثم حكومة وحدة وطنية لم تستمر طويلاً أيضاً نتيجة الخلاف الحاصل حول البرنامج السياسي ما بين الرئيس عباس كرئيس لحركة فتح، وبين حماس.

ما سبق خلق واقعا سياسيا جديدا أدى إلى  سيطرة حماس على قطاع غزة وسيطرة فتح على الضفة الغربية وتشكيل نظامين تعيش فيه فتح دور السلطة في الضفة وتعيش فيه حماس دور المعارضة في غزة وانقلب كلا الطرفين على الخيار الديمقراطي ولم تجر انتخابات مذاك الحين.

17 عاماً مرت على نشوء جيل كامل لم يمارس العملية مع العلم أن الانتخابات يفترض إجراؤها خلال هذه السنوات بواقع أربع دورات، وها نحن على مشارف الانتخابات الخامسة بعد الانقسام ولم تحصل أياً منها.

وعلى ضوء ذلك لا بد أن نستعرض بعض الحقائق
أولاً : إن الانتخابات حق للمواطن  ولا يحق لأحد مهما كان أن ينتزع هذا الحق الذي نصت عليه القوانين والمعاهدات الدولية والقانون الأساسي الذي يحكم السلطة الفلسطينية .

ثانياً : حتى لا نغرق في تعدد الشرعيات الفلسطينية يجب أن تُحدد صلاحيات الرئيس أو رئيس الوزراء أو إلغاء أحدهما الذي من غير شك ساهم في خلق الفجوة خاصة إذا ما كان الرئيس في اتجاه مختلف ويحمل رؤية سياسية مناهضة لرؤية مجلس الوزراء كما حدث عام ٢٠٠٦ .

ثالثاً : على ضوء عدم انجاز الشعب الفلسطيني استقلاله الوطني ومحاولة دولة الاحتلال التشكيك في وضع النظام السياسي الفلسطيني عبر إبراز سلطتين وتنصلها من التزاماتها السياسية والاقتصادية التي نصت عليها اتفاقية أوسلو، فإن إعادة الانتخابات تصبح ضرورة وطنية مهمة يتم فيها تدعيم الشرعية الفلسطينية التي ضعفت نتيجة الانقسام السياسي.

ومن جهة أخرى يستطيع النظام المنتخب من كل الشعب الصمود أمام عواصف الاحتلال التي تتعامل مع كتابع لا كنظام سياسي مستقل..

رابعاً : النظام السياسي الفلسطيني يصبح بصوابية أعلى، فهو من جهة مراقب من قبل المجلس التشريعي الذي يستطيع أن يحجب الثقة عنه، خاصة إذا ما ثبت أن هناك فساداً أو خللاً ما، ومن جهة أخرى فإن هذا النظام يكون أكثر حساسية للإنجاز وذلك لإدراكه أن عملية الانتخابات ستجرى كل أربعة أعوام، وبالتالي سيبذل جهوده القصوى لكسب الناخبين مرة ثانية، وهذا ما سوف تسعى له المعارضة أيضاً ما يخلق حالة تدافع ومنافسة لتقديم الأفضل كافة الأحزاب.