الحق في الإنتخابات

ينشر مركز افق الحرية للبحوث والدراسات سلسلة من المقالات لمجموعة من الكتاب والنشطاء المؤثرين في صياغة الرأي العام ، وتأتي هذه المقالات ضمن سلسلة من الأبحاث الهادفة الي تعميق الفهم القانوني والسياسي وراء الدعوة لاجراء الانتخابات العامه ، وتستعرض هذه المقالات أهم الاسباب التي تدفع الى إجراء هذه الانتخابات.

ها نحن اليوم في الربع الأول من العام 2023 أي أننا بحسبة بسيطة بعيدة عن التعقيدات بل ببساطة تامة نفتقد لوجود سلطة من السلطات الثلاث التي يتطلب وجودها في أي دولة من الدول أو في أي مجتمع من المجتمعات عدا عن ان الفقه القانوني و تحديدا الدستوري ومن خلفهم المشرعين قد نصً وجوبا على وجودها ألا وهي السلطة التشريعية و المتمثلة لدينا نحن طبعا باسم المجلس التشريعي والمعروف عن أن البرلمانات في كل دول العالم تحمل اسماءا متعددة و مختلفة و لكنها جميعها تشترك في اهداف واحدة و بواعث محددة تتلخص في مجملها أنها سلطة الشعب و/أو صوت الشعب .

قرابة سبعة عشر عاما من غياب هذه السلطة و انعدام وجودها و بالتالي غياب ركن اساسي و رئيسي من أركان قيام الدولة و من مقوَمات وجود الدولة و من غير المتصور اليو في القرن الواحد و العشرين و ما قبله من قرون عدم وجود سلطة بمكانة و أهمية السلطة التشريعية بعيدا عن كل الأسباب و المسببات لعدم وجودها لغاية يومنا هذا ،وهذا يعني أن الدولة أصبحت تعيش تحت كنف ركنين من أركانها و هما السلطة التنفيذية و السلطة القضائية مع حفظ التفوق الواضح و الكبير للسلطة التنفيذية على السلطة القضائية.

وبعيدا عن الخوض في واقع حال السلطة القضائية التي تكاد تكون شبه منعدمة من ناحية الإستقلالية سواء المالية أو الإدارية و تبعيَتها بشكل مطلق للسلطة التنفيذية الأمر الذي جعل السلطة التنفيذية تقوم مقام السلطات الثلاث و بالتالي استفردت لوحدها بمقدَرات السلطتين الأخريين وأصبحت ذات نفوذ لا محدود ومفتوح و متغوَلة بالنتيجة على كل ما يخص تلك السلطتين فأضحت هي السلطة التنفيذية و التشريعية في آن واحد و بالنتيجة هي القوة الوحيدة في الوطن عدا عن أنها استسهلت هذه السلطة أي السلطة التنفيذية الحياة السياسية العامة للشعب الفلسطيني فهي المشرَع و التنفيذ و هي في بعض الأحيان الحاكم القضائي ، وكل ذلك يتم و يدور دون وجود لرقيب على أعمالها أو مسائلة و محاسبة ، و من المتعارف عليه أن دور البرلمانات في كل دول العالم و لدى كل الشعوب ليس فقط في سن و إصدار القوانين و التشريعات بل أن دورها يمتد إلى الرقابة و المسائلة و المحاسبة للسلطة التنفيذية و كذلك في إقرار الموازنات المالية العامة و في تشكيل لجان تحقيق او تقصي حقائق في بعض القضايا العامة التي تخص المجتعات .

وأمَا في حالتنا الفلسطينية و قد قلت سابقا و أشرت إلى غياب للمجلس التشريعي السلطة التشريعية منذ ما يقارب ال 17 عام على إجراء آخر انتخابات تشريعية عامة في فلسطين أي في العام 2006 ولا زلنا نراوح مكاننا في هذا الأمر دون إحراز أي تقدم جدي و حقيقي في هذا الموضوع مع أهميته المطلقة للنظام السياسي الفلسطيني و المنظومة القانونية و من خلفهم القوى و الفصائل الفلسطينية و مختلف أجهزة الدولة و مؤسساتها و بالتالي المصلحة الشعبية المطلقة و التامة للشعب الفلسطيني .

لا أريد أن أتحدث عن تشخيص للحالة الفلسطينية والأسباب و الموانع من عدم إجراء الإنتخابات التشريعية و لكن و بلا أدنى شك أن أهم عامل وعلى رأس كل العوامل هو الإحتلال الإسرائيلي الذي منع و يمنع إجراء الإنتخابات في العاصمة الفلسطينية (القدس)و لا يوجد اثنين من الفلسطينيين يقبلان بتجاوز القدس أو ينكران أهمية اجراء الإنتخابات في عاصمتنا القدس ولا يتطيع أحد أن يتجاوز ذلك فالقدس بالنسبة لنا القضية و الروح و الجسد و الإيمان و الإنتماء و الوطن و القومية و الدين و العقيدة .

إلَا أننا أيضا نستطيع إيجاد الحلول العملية و اللازمة لمواجهة المحتل الإسرائيلي و إجراء الإنتخابات رغما عنه من خلال تحويل هذه الإنتخابات إلى ساحة مواجهة مباشرة معه في القدس و نستطيع أو تستطيع كل قائمة أو كتلة أو حزب أن يضع ضمن قوائمه شخصيات فلسطينية مقدسية وطنية مناضلة تمثل القدس ، ونستطيع أن نضع صناديق الإقتراع داخل باحات الحرم القدسي المبارك و كذلك الحال في وضعها داخل كنيسة القيامة و هذا دوما مطلوب من النخب و القيادات أن توجد الحلول لا أن تقف أمام أي عائق أو أزمة و تكتفي بذلك ، نستطيع ومن الناحية القانونية و استنادا لقرارات أممية عديدة صدرت تعتبر أن القدس المحتلة عام 67 هي أرض فلسطينية خالصة واقعة تحت الإحتلال أن نتوجه لمحكمة العدل الدولية لاستصدار قرار منها بخصوص منع الإحتلال الإسرائيلي لإجراء الإنتخابات في القدس و من ثم إحالة قرار هذه المحكمة الى مجلس الأمن و الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة لتنفيذ قرار المحكمة الدولية و بالنتيجة إلزام اسرائيل بتنفيذ القرار حتى لو رفضت إسرائيل ذلك سيضعها في مواجهة المجتمع الدولي كاملا و ستتعرض لانتقادات و هجوم سياسي و ديبلوماسي كبير عدان عن أنك ستكون قد ثبَت حقا أن القدس فلسطينية و بذات الوقت تكون قد قمت بعمل كا ما يلزم منك اتجاه هذا الموضوع .

وبالمصارحة و الوضوح أكثر لم تكن العملية الإنتخابية التي جرت في العام 2006 هي سبب الإنقسام بل أن هناك عوامل و قوى دولية أخرى لعبت على موضوع الإنقسام و عززت هذا الأمر ولا ننسى الدور الإسرائيلي في هذا الصدد فمن له مصلحة بالإنقسام هو الإحتلال الإسرائيلي فقط هادفا تمزيق و شرذمة الواقع الفلسطيني و إضعاف القوى و الفصائل الفلسطينية و على رأسها طبعا منظمة التحرير الفلسطينية للتشكيك في قوتها و في شرعيتها ، وقد لا تكون اجراء الإنتخابات التشريعية هي السبيل لانهاء الإنقسام ولكنها حتما ستكون أداة ضاغطة و فاعلة و ستكون عاملا مهما و توحيديَا للشعب الفلسطيني في داخل الأرض المحتلة ، وأكاد أجزم بأن إجرائها بعيدا عن نتائجها ستخلق واقعا سياسيا فلسطينيا ليس جديدا كليا و لكن ستكون له تأثيرات سياسية أكبر و أعمق ومن عدة نواحي سواء من الناحية الوطنية في مواجهة المحتل أو من الناحية الدولية سيشكل عاملا ضاغطا على الدول و المجتمع الدولي إضافة محليا ستكون سببا في معالجة الكثير الكثير من القضايا الداخلية .

فلا ينكر أحد على أن هناك حالة من الفوضى التشريعية و القانونية تعاني منها الساحة الفلسطينية ككل ولا نستطيع في كثير من الأحيان أن نغض الطرف عن وقوع بعض المخالفات القانونية الجسيمة و تجاوزات حصلت حتى للقانون الأساسي الفلسطيني نفسه ابتداءا و من ثم للعديد من القوانين لاحقا ، إن ما خلفته أو خلقته حالة الفوضى التشريعية لدينا سببت زعزعة استقرار محليا و ضربت توازنات كانت قائمة و تسببت في خلق اشكاليات عديدة و تنازع صلاحيات و أهملت مصالح طبقات مجتمعية هامة و سببت لها حالة فوضى فلننظر جيدا إلى ما يدور على سبيل المثال لا الحصر مع النقابات المهنية و اتحادات اخرى وكيف تحولت بعض القوانين الى أداة لإنكار مصالح طبقات و فئات مجتمعية هامة و خلقت مراكز و قوى قانونية جديدة تم استحداثها .

من الناحية السياسية أجزم القول بأن الإنتخابات التشريعية ليست طيق التحرير و قد تكون ليست الحل الوحيد أو السحري لحالتنا الفلسطينية المتشرذمة و لكنها حتما ستلعب دورا ايجابيا و ستكون إحدى الطرق و الوسائل لإعادة ترتيب الحياة السياسية الفلسطينية من زاويا عديدة و مختلفة و أهمها على الإطلاق تجديد الشرعيات و بالتالي ستكون لك القوة في الحديث و مخاطبة المجتمع الدولي و دول العالم من منطلق قوة شعبية داخل الأرض المحتلة كذلك سيكون وجود مجلس تشريعي عنصرا هاما في مواجهة المحتل الإسرائلي على مختلف الأصعدة و الجبهات و سيلعب المجلس التشريعي أيضا دورا مركزيا و هاما في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء و سيعمل على توحيد البيت الفسلسطيني و لن ستطيع تجاهل هذا الأمر .
و أمًا من النتحية القانونية : ففي هذا الإطار أبدأ مما نصت عليه المادة (6) من القانون الأساسي الفلسطيني و التي جاء فيها أن أساس الحكم في فلسطين هو مبدأ سيادة القانون وأن جميع السلطات تخضع لهذا المبدأ لذلك و انطلاقا من المادة السادسة آنفة الذكر أوجبت أن يكون هناك ثلاث سلطات و أن كل سلطة من هذه السلطات خاضعة تماما لحكم القانون ، و أن المادة (26) من ذات القانون أي من القانون الأساسي الفلسطيني و بفقراتها الخمسة تحدثت بدءا من حق الفلسطيني بالمشاركة بالحياة السياسية من تشكيل أو الإنتماء للأحزاب الفسطينية و انتهاءا بعقد الإجتماعات الخاصة و العامة و التجمعات بحدود القانون .

و في ذات سياق الحالة القانونية الفلسطينية الهائمة حاليا نرى أن هناك تدهور كبير سواء على مستوى الحقوق و الحريات العامة أو على مستوى التشريعات التي تصدر عن السلطة التنفيذية التي تتفرد بإصدارها الأمر الذي تسبب في حالة فوضى تشريعية أو فوضى قانونية واضحة و سبَبت تضارب للمصالح و مخالفات للقوانين و عدم دستورية كثير منها و عدم توافق أو اتفاق مع القوانين المنظمة لإصدار لوائح و أنظمة و تعليمات و كل ذلك سببه فقط غياب و انعدام وجود سلطة تشريعية حقيقية منتخبة بصورة دورية الأمر الذي سيطلق الجناح للسلطة التنفيذية لتبقى متفردة بإصدار ما لاتملكه أصولا من قوانين و تشريعات ، و بالنظر الةدى الموضوع من زاوية أخرى فأن السلطة التنفيذية و حتى المستوى السياسي الفلسطيني في توليه لزام أو حمله لدور السلطة التشريعية أصبح يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع الكثير من أفراد المجتمع سواء المواطنين الأفراد أو النقابات و الاتحادات و المؤسسات و حتى بعض الفصائل و القوى التي أصبحت تعيب على المنظومة السياسية و تتهمها بالتدخلات الغير قانونية أو الغير محقة الأمر الذي يتسبب في كل يوم بإضعاف و فقدان لشعبية النظام و يضعه في مواقف محرجة هو بأساس و بالأصل بغنى عنها و من رؤيا أخرى في ذات الصدد إن هناك العديد العديد من القوانين سواء الإجرائية أو الموضوعية هي حقيقة بحاجة إلى إجراء تعديلات جوهرية عليها سواء من الغاء لبعض النصوص أو تعديل لبعضها الآخر أو إضافة مواد جديدة عليها معظم قوانيننا التي نعمل بموجبها و تنظم الحياة القضائية أو القانونية و يعني بالنتيجة تنظيم لحياة الناس هي بحاجة إلى تعديلات هناك قوانين مقرة و نافذة لغاية اليوم منذ العام 1950 او 1952 او 1954 او 1960 و صولا الى قوانين اجرائية منذ العام 2001 و العام 2003 اي انه مضى عليها اكثر من عشرين عام ناهيك عن أننا و للأسف الشديد لا زلنا أيضا نحتكم لما يسمى بالأمر العسكري الإسرائلي في بعض انواع القضايا و لم تعد تواكب الحداثة التي وصل اليها العالم اليوم ولكن يبقى السؤال المركزي و الجوهري من الذي يملك اجراء التعديل عليها ؟؟ حتما أن الإجابة هو المجلس التشريعي المختص بالتشريعات و القوانين التي تكون بهذا الحجم.

وأما ختاما فمن الناحية المجتمعية تتلخص أهمية وجود مجلس تشريعي منتخب هو حالة الإستقرار المجتمعي و زيادة الحفاظ على الأمن و النظام العام و السلم الأهلي و التفكير في قضايا مجتمعية هامة تخص و تركز على جيل الشباب الصاعد سواء في العمل على تحسين و جودة الصحة و التعليم و خلق فرص عمل انطلاقا من مبدأ تكافؤ الفرص في الوصول أو الحصول على الوظيفة ووضع حد لحالة التدهور التي نتسارع في الإنسياق خلفها،...

أكرر و أقول قد لا تكون الإنتخابات التشريعية هي الحل لكل القضايا و لكن أجزم و انطلاقا من واقع الحال بأنها ستكون نقطة بداية في حل و علاج العديد العديد من القضايا و الإشكاليات سواء على الصعيد المحلي أو الدولي و القانوني و سيكون في عملية اجرائها أريحية شعبية و سياسية  فصائلية المر الذي سيلقي ظلاله دوليا ...

قد لا أكون تحدثت بكل التصورات و لكني رغبت في أن أسلط الضوء على قضية هي الأهم الآن داخليا فإذا استطعنا تحقيقها نكون بدأنا في رسم معالم مرحلة جديدة سنأخذ كل العالم معنا لهذه المرحلة و لم أتحدث أيضا عن قانون الأنتخابات و ما جرى عليه من تعديلات كان أخرها القرار بقانون رقم 1 لسنة 2021 سنسلط الضوء على هذا القانون في مقالة قادمة لأهميته و لمساسه أيضا بحق دستوري .