العودة الى لبنان

بالعربي-كتبت ثريا عاصي :

لا أعتقد أننا نبالغ في القول إن الامور تتفاقم في لبنان أكثر فأكثر. من البديهي أن مرد ذلك إلى عوامل عديدة، لا شك في أن إحصاءها وتفحصها ليسا بمتناول اليد ولكن هذا لا يمنع من أن نحاول أن نتلمس بعضها، فمسافة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة ! كما يقولون في الصين.

لا جدال في ان الفذلكات الخطابية لا تكفي لأن نقتنع جميعاً بإمكانية الفصل بين سورية وبين لبنان، جغرافياً واقتصادياً وسياسياً، لا في زمان السلم ولا في زمان الحرب. لذا بناء عليه نقول إن مرد تدهور الأوضاع في لبنان  في الأشهر الأخيرة، إلى التطورات التي تشهدها  الساحة السورية. بكلام أكثر وضوحاً  إن تشنج السعوديين تجاه لبنان مواز للعثرات التي حالت دون أن يبلغ السعوديون أهدافهم في سورية، وتوخياً للدقة تتوجب الملاحظة أنه عندما نذكر السعوديين فإننا نقصد من ذلك المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي الذي يشاركون فيه بدور وظيفي.

فعلى الأرجح  أن الذين يشنون الحرب على سورية منذ سنة2011 تعترضهم صعوبات عسكرية وسياسية أيضاً أدت إلى بلبلة في صفوفهم، إذ اتضح بشكل قاطع للذين رفضوا  البراهين والإدلة على أن داعش هي نسخة طبق الأصل عن الجماعات الإرهابية التي جندتها واستخدمتها الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان، ومولتها وأمدتها  بالسلاح وقدمت لها التغطية الجوية والمعلومات الاستخباراتية. داعش هي  الولايات المتحدة الأميركية، هذا برسم الذين زعموا أن شروط الثورة توفرت في سورية وأن لا ضير على سورية والعراق واليمن وليبيا وتونس والجزائر ومصر من أن تتلقى هذه الثورة الدعم من السعوديين والأميركيين.  فكل ثورة والمنصات الثورية في موسكو واسطنبول وباريس وقطر والرياض والقاهرة بخير، كل ثورة و«المفكرين العرب ورجال الدين الذين أفتوا بجواز القتل عشوائياً، بخير ! شكراً للفكر من الدوحة وللمقاومين  من الدوحة ولل«مفتون» من الدوحة.

أكتفي بهذا الاستطراد فما أنا بصدده هو الوضع في لبنان الذي يدفعه السعوديون  دفعاً إلى مزيد من التعقيد وربما إلى الانفجار. فمن المحتمل أن المتغيرات التي تطرأ على موازين القوى في الميدان السوري، جعلت الولايات المتحدة الأميركية توعز  إلى المتعاونين الإقليميين معها، بإخراج الورقة اللبنانية من جديد. أي أنهم يريدون إقحام  لبنان في الحرب على سورية، كل لبنان حيث  تجمعت مخلفات الحروب التي تعرضت لها هذه البلاد، الحركات الوطنية التقدمية والأحزاب السياسة العلمانية والتكتلات الطائفية والمذهبية والميليشيات المافياوية  واللاجئون هرباً من المستعمر والمستوطن العنصري الإسرائيلي، واللاجئون هرباً من الإرهاب الإسلامي الذي رضي أن يكون أجيراً عند الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية التابعة لها التي تعمل على نشر «الفوضى الخلاقة» في بلدان العرب لتثبت أن الناس فيها لا يستحقون الحياة ! عذراً محمود درويش.

فعلى الأرجح أن الورقة اللبنانية، في الظروف الراهنة، هي الأخيرة المتبقية لديهم ما دام أن قرار توسيع ميدان الحرب لتصير حرباً عالمية وشاملة لم يتخذ بعد أو لأن اتخاذ مثل هذا القرار هو ببساطة غير ممكن . ينجم عنه أن على اللبنانيين الوطنيين والطائفيين والعشائريين والمؤمنين حقاً، المتدينين وغير المتدينين، الحزبيين والحياديين أن يعلنوا  موقفهم استناداً إلى معرفتهم بالمجتمع اللبناني كونه بألوان قوس قزح كما كان يقول  نيلسون مانديلا . فلا ثورة في لبنان ولا تقسيم . تعددية نعم، شرط أن لا نعترف بدولة المستعمرين الإسرائيليين لانهم مستعمرون يطمعون فينا وفي وغيرنا من شعوب المنطقة وشرط أن نتصدى لمقاومتهم عندما يعتدون علينا أو على جيراننا وحلفائنا، لان من يعتدي على جيراننا وحلفائنا كأنه اعتدى علينا.

من نافلة القول أن سلاح المقاومة ضد المستعمر هو من أجل المقاومة. ينبني عليه أن هذا السلاح هو  من اختصاص المقاومين والجيش الوطني الذين يدافعون بالأساليب والوسائل المتاحة والملائمة عن البلاد في حال تعرضت لعدوان خارجي. هذا السلاح لا يظهر على الإطلاق في داخل البلاد تحت أية حجة أو ذريعة وفي أية مناسبة، فهو يتميز عن  سلاح أجهزة الأمن الداخلي المولجة السهر على تطبيق القانون. تحسن الملاحظة هنا ان التعددية في لبنان سمحت حتى الآن كما هو معروف لبعض المجاميع الشعبية في لبنان  بأن لا تقاوم أو لا تعترض على اعتداءات المستعمرين الإسرائيليين على لبنان. في المقابل أعتقد أن التسليم بهذه الخصوصية اللبنانية لا يجب أن يمنع المقاومين والجيش الوطني من الدفاع عن البلاد كما أنه لا يُلغي حق اللبنانيين فرادى وجماعات وحركات وأحزاب من الانتقال إلى أي من البلدان التي يهاجمها المستعمرون للمشاركة في الذود عن حياضها!

يلزم القول أيضاً في هذا السياق، إنه من المفروض أن يترافق احترام التعددية في المجتمع الوطني اللبناني مع امتناع مكونات هذا المجتمع عن قبول وصاية عليها من قبل أية دولة خارجية أو التشاور مع أي جهة خارجية في كل ما يتعلق بالشؤون الداخلية الوطنية.

لا منأى في الختام عن القول إنه لا يجب أن يغيب عن اللبنانيين أن الأكثرية الساحقة منهم تتضرر من حال الفوضى السائدة ومن تفشي الفساد ومن فجور أصحاب النفوذ والامتيازات. أي من العنصرية الحقيقية التي يعاني منها الناس العاديون. إن الناس عموماً والأجيال الصاعدة على وجه الخصوص، هي بحاجة إلى وطن، تتلقى التربية والتعليم في المدرسة الرسمية الوطنية. إن الدفاع عن الارض وفرض القانون، وكفاح الفوضى والعنصرية الطبقية يتطلبون انتخاب جمعية وطنية لإعادة تأسيس الوطن. أعتقد أن الخطوة الأولى هي توافق أعضاء هذه الجمعية على إعلان حسن نويات! هذا كله  أفضل بكثير من  الإنخراط في حروب السعوديين أملاً في أن تجعلهم الولايات المتحدة الأميركية "أوصياء" على العرب، فيكونون أوفر حظاً من الهاشميين في بدايات القرن الماضي الذين خدعتهم الآمال بالدولة العربية الكبرى!