"الفيسبوك" لن يحرر فلسطين.. وهيمنته على المواطن باتت خطيرة

بالعربي_كتب: جورج كرم

من الصعب هذه الايام الّا يكون للمرء حساب على شبكات التواصل الاجتماعي وأخص من مجموعها موقع او تطبيق فايسبوك. من الواضح ان مارك زوكربرغ عندما انشأ او بالأحرى “خلق” الموقع وبرمجه لم يكن ليدري أن الموقع هذا سوف يجعل منه نبياً الكترونياً ذا سيف فولاذي إفتراضي يطال كل زوايا الارض، و يتحكم به برقاب العباد وقضاياها المصيرية. وما هو مصيري للكثيرين “إفتراضيا” لا يساوي شيئا إن لم توافق ادارة الفايسبوك على ذلك.

لنكن واقعيين قليلا، كلما اجتمع اثنان كان "الفيس" (تحبباً) ثالثهما بما في الفايسبوك وهو “كتاب الوجوه” من رؤوس محببة و طريفة وظريفة ومزعجة أيضاً، ومن يفتح حساب الفايسبوك الخاص به ليلعب “اللعبة الاجتماعية” كمن يدخل بازاراً ولو كان حسابه محصوراً باصدقائه فحسب، وكل صديق ياتي الى صفحتك يصل برفقة مجموعة أصدقائه  وبين “الشير” المشاركة و “اللايك” الإعجاب لا تنحصر علاقة المستخدم أو صاحب الحساب باصدقائه بل تمتد إلى اصدقاء اصدقائه واصدقاء الاخيرين أيضاً، ما يذكرني بصفوف التوعية الجنسية في مدارس كندا مثلا، عندما ينبهون التلامذة أن معاشرة أي شخص جنسياً دون الوقاية اللازمة تعني فعلياً معاشرة كل الهرمية الإجتماعية التي “تواصل” معها جنسياً الشخص المقصود، طبعاً من الناحية الصحية أو الوبائية. ولا توجيه جنسياً في مدارس بلادنا لذا قد لا تصل الفكرة المقصود إيصالها هنا. أما خطر الإختلاط مع كل الهرمية الفايسبوكية من خلال حساب المشترك يتضمن احتمال دخول الوصوليين و المزورين و النشالين والشحاذين والمنحرفين الإلكترونيين إلى صفحتك و صوَرِك دون أن تدري. جهابذة المنابر الدينية من كهنة ومطارين وأئمة وداعين يعارضون كل محاولة من المجتمع المدني او العلمي للتوعية الجنسية مثلاً، لم لا وكل انواع التوعية ممنوعة في بلادنا؟ زعماء الطوائف من السياسيين يوصدون الباب امام كل محاولة لنشر الوعي القومي و الإقتصادي و الإجتماعي لكي لا يخسروا سلطتهم الاقطاعية، لدرجة أن صديقاً لي عائد للتوّ من الولايات المتحدة يزهو لكون إجراءات التفتيش المشددة على أبواب أرض الميعاد الأمريكية “تطال المسلمين فقط”. “إحمل صليبك و ادخل بلاد العم سام و شأن أخيك في السورية أو العروبة لا يعنيك بتاتا” يقول لسان حال “الصديق”. ومن الناحية الإقتصادية نجد أن زعماء الاقتصاد واقطاعييه ومنهم رؤساء مجالس ادارة المصارف يحرضون العامل “اللبناني” على أخيه الشامي و على إبن وإبنة الجنوب السوري في فلسطين المحتلة من باب “فرّق تسرق”، يبذخون على أنفسهم ويصرفون من فوائد الديون المتراكمة على المواطن الذي ينفذ معاشه الشهري في اول اسبوع من الشهر، و يغرق نفسه في ديون بفوائد تصل الى ثلاثة او اربعة اضعاف المعدل العالمي. ألعامل في بلادنا يعيش كمن يلحس المبرد و يشرب من دمه.  ولئن كان لرجال الدين وإقطاعيي بلادنا قوة لا محدودة في ما يسمى لبنان بسبب المحاصصة الدينية وتركيبة البلد وقنواته الفضائية نجد ان تأثيرهم على المجتمع العالمي معدوماً حتى ولو كانوا من “فسابكة” العصر و”مغرديه” في التواصل الإجتماعي فيبقى تفاعلهم محصوراً بأصدقائهم وأصدقاء الأخيرين.

كل قضية في العالم الإفتراضي مهما كثر اتباعها واقعة تحت رحمة إدارة الموقع وبالتحديد صاحبه مارك زوكربرغ واعوانه هو “بطريرك” الفايسبوك الأعظم لطائفة “الفسابكة” و عراب الربيع العربي المشؤوم و عراب التظاهرات “الشعبية” في ايران مثلا، وغيرها من حركات و تحركات معلبة أيضا. وتأجيج نار الشارع سهل جداً “للبطرك مارك” و طيفه موجود داخل كل هاتف و جهاز كومبيوتر ينشر ما يحلو له من اخبار ويألّه و يشيطن من يشاء. ناهيك عن حملات ال”جو سوي” كذا و “تو ييه” كذا وغيرها من الأفعال “الوجودية” المرتبطة بأماكن جغرافية راقية من العالم الأول أو الثاني وهي حملات لا(عالم) ثالث لها. فإن حدث هجوم بالسكاكين على الأبرياء أو غيرهم في مدينة من مدن الرجل ابيص تلون الفايسبوك بعلم تلك البلاد او شعار مدينتها و اصبح باستطاعة المستخدمين ان يضيفوا هذا الشعار على صورة “بروفيلهم” بكبسة زر، ناهيك عن التطمينات التي تروح وتجيء بين المستخدمين “الحضاريين” بكبسة زر واحدة أيضاً. زوكربرغ الأميركي او “جبل السكر” كما هي ترجمة اسمه الإلماني الأصل لا يوزع حلاوة سكره على قضايا بلادنا المصيرية على حقيقتها وأحقيتها، و كلما أيد احدنا المقاومة في لبنان او فلسطين على موقع السكّر المر كان عقابه الحذف او التضييق عليه، ما يضطر المناضل الالكتروني في بلادنا ان يكون لديه حسابات رديفة، و كل حساباته و سهرات لياليه و تفاعله بع بضعة آلالف من المناضلين و المؤيدين و من اخترقهم من منحرفين جنسياً و أخلاقياً و طالبي و طالبات زواج لا تساوي في فعاليتها على أرض الواقع “جو سوي” واحدة صادرة عن خادم “سيرفر” الفايسبوك المركزي، موزع الحلوى النضالية.

فماذا لو “جبل السّكر” قرر ان يذوقنا بعضاً من حلاوته؟ و يضع في حلم ليلة صيف من ليالينا المعتمة خريطة فلسطين على موقعه و تحتها مكتوب كلمات “جو سوي باليستين” ما معناه بالفعل الحرية لفلسطين. وإن نجح في ذلك لأصبحنا أقرب بخطوات من تحقيق اهدافنا القومية، و اولاد الناس يقرأون عن قضايانا في مختلف اصقاع العالم و يتناولون جرعة من نضالنا مع كل وجبة طعام وكل “عصرونية” في المدرسة. قد يصبح العالم أكثر عدلاً لو حدث هذا، وهو حلم طبعا لان “سكّر برغ” لو فعلها لكان الان في مطار موسكو الباردة يطلب اللجوء متبعاً خطوات إدوارد سنودن تاركاً وراءه وزوجته كل ثياب كاليفورنيا الصيفية و “صنادل المسيح” المعروفة ب”جيزس ساندلز″ التي يرتدونها كعلامة تواضع و عدالة وهم يخزنون المليارات و يحدثون ثورات ويقمعون غيرها “بكل تواضع″.

زوكربرغ الذي خلق الموقع لاسباب تتعلق بهورمونات اليفاعة لم يكن يدري ان العالم بأسره سيتبنى الفكرة و يعشقها حتى العبادة. كل من يريد إسماع صوته وكان يعاني من ازمة نقص في المستمعين حصل من خلال الفايسبوك على شبكة اصدقاء بالآلاف في غضون اسابيع، و انبرى يخاطبهم كما يحلو له و”يذوقهم” ما طاب له وهم يغدقونه أو يغدقونها بالاعجابات والمشاركات. ولم يكن يدري صاحب المشروع ان موقعة سيضحي اثمن مواقع الانترنت قيمةً، لكن توافد الناس، كل الناس، اليه جعل منه شريكاً في كل المشاريع الإجتماعية والسياسية وحفلات الغداء و العشاء الخاصة تماما مثل ما يعرف ب”شريك الماء” في بلادنا يتدفق “الترافيك” او الزوار إلى “السيرفرز″ و “الكاش” التابعة للموقع مركزياً و إقليمياً وزوكربرغ يصرفها دولارات و قضاياً بالجملة.

اما قضايا “المفرق” السياسية التي يعتقد البعض ان باستطاعتهم إطلاقها و تبنيها من على منابر شبكات التواصل الإجتماعي فهي في أحسن احوالها لن يتعدى مؤيدوها حفنة من المشاركين نصفهم صادقون والنصف الآخر من الأزواج و الزوجات المقهورين أو الغير قانعين إن جاز التعبير اللذين وجدوا في “الفيس″ متنفساً للدردشة “التشات” و “طق الحنك” على ظهر القضية. كثر اولائك كثيراً الى درجة تقترب من حجم الوباء الإجتماعي. و كبت التواصل الإجتماعي الفعلي المناقبي الصحي واضح في بلادنا في كل شرائح المجتمع لتضحي قضايانا في عالم التواصل الإجتماعي بمعظمها بغلاً يركب عليه المنحرفون و اصحاب الحسابات المزورة و منتحلي الصفاة املاً بلقاء حقيقي او حتى إفتراضي مع شخص اخر يعاني من الحالة نفسها، و كل التحية لاولائك اصحاب الحسابات ذات الطابع الاخباري وهم يعملون كالجندي وان كان ليس مجهولا، و قد يكون في بعض الاحيان، لإيصال أخبار فلسطين و الشام إلينا، مع التنويه ببعض الظرفاء والساخرين الذين يغدقون علينا وردةً من هنا و زهرةً من هناك و حبةً إفتراضيةً من راحة الحلقوم  بعض الظهر حيناً ووصفة طبخ احياناً. يبدعون في التعليق على مسائل الحياة اليومية التي نعيشها سويّاً كل في بيته فنشترك معهم ببعض من الحياة.

أما عنوان المقال و كل أملي أن يكون ما سبق من شرح قد وفاه حقّه ولم يفاجيء أحداً من الذين يقضون معظم ساعات نهارهم منخرطين في نقاشات و جدل بيزنطي على موقع فايسبوك فهو بديهي. نعم ألفايسبوك لن يحرر فلسطين و لن يوحد الحزب السوري القومي الإجتماعي كما انهمرت الستاتوسات علينا منذ بضعة أسابيع و كل هدفها الإطلالات الفوتوغرافية والمقاعد النيابية والمأكولات الشامية في البطون. القضية الأولى لن يحققها سوى سواعد المقاومين أما الثانية فهي لن تكون فعّالة إلا إذا انطلقت من مؤتمر قومي يبدأ من القاعدة و يتقدم صعوداً نحو أعلى الهرم وليس العكس. قد تبدو  قضية الطبيب الآسيوي الذي تم تعنيفه و ضربه و إدماء وجهه من قبل موظفي شركة “يونايتد ايرلاينز″ للطيران مؤخراً و قد وصلت إلى العالم كله من خلال شبكات التواصل الإجتماعي و أسقطت قيمة أسهم الشركة المذكورة بنسبة مئوية عالية خلافاً لما ورد من تحليل من هذا المقال، لكن زوجة زوكربرغ الأسيوية و صندلها “العادل” كفيلين بتفسير هذه الظاهرة. العدالة الإجتماعية الغربية تقف دوماً على مشارف حقوقنا و لا تتخطاها.

لن يؤثر التواصل الإجتماعي على مصيرنا و لن يحدث فرقا في قضيتنا و لن ننتصر إلا إذا انتظمنا ضمن استراتيجية ناجحة أضحينا من خلالها نحن القضاء و نحن القدر كما استشرف المفكر انطون سعادة منذ ما يقارب قرن من من الزمن.