الحرب على سوريا في الوقت الضائع

بالعربي- كتبت- ثريا عاصي:  إنّ الاتفاق على وقف الأعمال القتالية الذي تمّ التوافق عليه بتاريخ 29 كانون الأول 2016 يختلف عن الاتفاقات السابقة في أنه موقّع فقط من تركيا نيابة عمّن تمثل إلى جانب روسيا بالوكالة عن الحكومة السورية.

الأمور في ما يخصّ العلاقة بين روسيا وبين سورية، أعتقد أنّ الأمر ليس كذلك في ما يخص تركيا ومن تمثل. قرأنا بيان الجيش الحر والجماعات المنضوية تحت لوائه، فيه إعلان عن قبولهم جميعاً بوقف إطلاق النار، أغلب الظنّ أنهم يدورون في فلك الإخوان المسلمين، وهم منخرطون في مشروع دولة إسلامية تحت زعامة تركيا التي يقودها حزب العدالة والتنمية وكما هو معروف فهو حزب الإخوان المسلمين في تركيا.

يدل هذا على أنّ الإخوان المسلمين في سورية هم أخوان مسلمون  قبل أن يكونوا سوريين. هم أقرب إلى السيد أردوغان من قربه إلى  بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية. هذا برهان على أنّ هؤلاء الناس هم في الدرجة صفر من الوطنية.

هذا ما اتضح أيضاً من موقف حركة حماس وهي من الإخوان المسلمين، حيث  تنكّرت لسورية وللدولة السورية وصراعها الطويل والمرير ضدّ الاستعمار الاستيطاني "الإسرائيلي" في فلسطين، وارتمت في أحضان السيد أردوغان بدافع حزبي ـ إسلامي ، الذي توجد بين "إسرائيل" وبين بلاده معاهدات عسكرية. بمعنى آخر سقط القناع عن حركة حماس فهي من الإخوان المسلمين، هذا صحيح، ولكن بحسب فهمي لا يجيز الإسلام معاونة المستعمر "الإسرائيلي"، وبالتالي فهي ليست حركة مقاومة وتحرير وطني... فأتباع السيد أردوغان لا يقاومون الاستعمار الإسرائيلي والأميركي!

إذاً الاختلاف عن الاتفاقات السابقة هو في أنّ تركيا التي تتزعّم الإخوان المسلمين وقّعت على هذا الاتفاق. وعندما نقول إنّ تركيا زعيمة الإخوان المسلمين  فإنّ هذا يعني أنّ تركيا شريكة في الحرب على سورية  بل هي رأس الحربة.

أما إذا كان هذا الاتفاق سيطبّق أم لا؟ فهذا مردّه إلى الإجابتين على السؤالين التاليين:

1 ـ ما هي الأسباب التي أجبرت تركيا على التوقيع؟

2ـ  هل تمثّل تركيا الإخوان المسلمين فقط، أم أنها تمثل أيضاً "داعش" و"جبهة النصرة"؟

من البديهي أنّه ستحدث خروقات لهذا الاتفاق من قبيل الضغط على الحكومة السورية، وقد تخرق هذه الأخيرة وقف إطلاق النار إذا تمادى أعداؤها في الابتزاز. ولكن أعتقد أنّ اتفاق وقف إطلاق النار هو مخروق  أي أنه  ولد ميتا. فتركيا تتبرّأ من "داعش" و"جبهة النصرة"  وهذا لا يعكس الحقيقة... فهذين التنظيمين هما الأداتان الرئيسيتان اللتان ساهمتا بالقسط الأكبر من الجريمة قتلاً وتهديماً. وهما عملتا لحساب الإمبريالية الأميركية بإشراف تركيا والدول الخليجية... تركيا لا تريد  الآن أن تظهر ارتباطها بهذين التنظيمين، هذا لا يعني أنها ليست على علاقة بهما.

وأنما من المحتمل أنه توازياً مع المباحثات مع الحكومة السورية ان تجري تركيا  مباحثات  مع "داعش" و"النصرة". وهما يمثّلان كما لا يخفى التيار الوهابي في الحرب على سورية... هذا يأخذنا إلى الدور السعودي وإلى الخليج واليمن. و الى التحالف  الفعلي بين الأخوان المسلمين من جهة والوهابية من جهة ثانية. فمن المرجح ليس أن  عدداً من  الوهابيين ببزات  جنود في الجيش الحر. بالإضافة إلى هذا كله، فوجود الوهابيين  خارج اتفاق وقف إطلاق النار هو دلالة على أنّنا حيال نصف اتفاقية أو ربع اتفاقية لأنّ "داعش" و"النصرة" هما ثلاثة أرباع الحرب!

أمّا من سيردع الخروقات؟ في الحقيقة لا أعرف... ولكن من المفروض أن يردعها الجيش العربي السوري بالوسائل العسكرية على شكل ردّ حاسم وموجع حتى لا يتكرّر اللعب بالنار... ولكن، من الصعب جداً في هذه المسألة تمييز العسكر من المساومة! ولكن الحرب حيلة أليس كذلك؟.

وإذا كانت تركيا تدعم فصائل الجيش الحر في شمال سورية، هل هذا يعني أنّ "جبهة النصرة" لم تكن موجودة في شرق حلب أو أنها ليست موجودة في إدلب، هل يقبل عاقل بهذه السردية ؟ هل من شكّ في أنّ تركيا تدخّلت في معركة حلب؟ ما هي الدلائل على أنّ تركيا هي ضدّ الإرهاب؟ هل ساعدت الكرد في عين العرب ضدّ "داعش"؟ هل أقفلت حدودها أمام ناقلات النفط السوري عبر هذه الحدود؟ من أين كانت تأتي الذخائر وقطع الغيار والمرتزقة إلى "داعش" والنصرة؟ من أين مرّ الليبيون والتونسيون والجزائريون والأوروبيون إلى سورية؟ الرأي عندي أنّ تركيا والأوروبيين والسعوديين والخليجيين والروس والسوريين والإيرانيين والمقاومين اللبنانيين يعرفون الحقيقة جيداً، كلّ يعرف الدور الذي اضطلع به الآخرون. أنا سمعت الرئيس السوري يقول: «إنّ وقف الحرب يتطلّب إغلاق الحدود مع تركيا... لقد تنافسوا خلال السنوات الماضية... والآن ربما يكون المعتدون وصلوا إلى حائط مسدود ... فجلسوا يريدون المفاوضات!.

وأخيرا في موضوع  مباحثات أستانا المزمَع عقدها بين الحكومة السورية وما تسمّى معارضات، يمكن القول  لن تختلف أيضا  عمّا سبقها من مباحثات ومؤتمرات.. اللهم الا إذا اقتنع الأميركيون والإسرائيليون بأنّهم لن يستطيعوا تحقيق أكثر ممّا حققوا. بمعنى أنّ تقسيم سورية غير ممكن في الظروف الراهنة، وهذا التقسيم هو في صلب مشروع الحرب. وإذا اقتنعوا أنّ الحرب أضعفت سورية بحيث صار تأثيرها في المشرق العربي غير ذي أهمية  وأنّ إضعاف سورية يقلّل من إمكانية المقاومة اللبنانية.. وأنّ الحرب أخرجت حماس من القضية الفلسطينية إلخ ...إذا اقتنع الإسرائيليون والأميركيون بهذا كلّه، فقد تتوقّف الحرب، وإلّا فإنّها ستكمل. ولا ننسى أنّ في الخطة.. حرب روسية تركية وحرب إيرانية تركية.. الجحيم!.

بناءً عليه، ولكل الأسباب السابقة، يجب أن نكون حذرين جداً. فقد يعني وقف إطلاق النار، وهو كما قلنا نصف اتفاق، فقد يكون هدنة، الغاية منه الخداع، تحسين مستوى التسليح... كما حدث ويحدث وسيحدث في الصراع العربي حيث تختلط المنازعة  السلطة ومقاومة  المستعمرين ومعاونتهم  في آن. من المفروض أن وقف إطلاق النار أداة ضغط بيد الطرف الأقوى. وبالتالي، هل يمكن أن يؤثّر على المباحثات؟ الإجابة نعم  ولكن الذين يتباحثون هم أميركا و"إسرائيل" وروسيا وتركيا وإيران.. لا نحن نستطيع القتال من دون حلفائنا ولا جيوش المرتزقة قادرة على قتالنا من دون مشغّليهم في تركيا وفي شبة المستعمرات النفطية.