خبز “الصاج” و”الطابون” تراث فلسطيني حاضر على موائد الغزيين

بالعربي: بمهارة وإتقان يرقّق الخبّاز الفلسطيني سامر عرفات بكلتا يديه، قطعة عجين يتلقفها بسرعة بين كفّيه عدة مرات، ويصنع منها رغيف خبز دائري كبير.

وعلى صفيح حديدي ساخن مثبت على أربعة أعمدة حديدية، يضع عرفات (30 عامًا)، لعدة ثوانٍ فقط، رغيف الخبز الذي يسمى بـ “الصاج” استعدادًا لتجهيزه لأحد زبائنه.


ويقول عرفات، أن “خبز الصاج رغم قدمه في التراث الفلسطيني، إلا أن الفلسطينيين ما زالوا يستخدمونه في طعامهم”.
وأضاف “رغم تعدد أنواع الخبز في عصرنا الحالي، واستخدام آلات حديثة وسريعة في صناعته، إلا أن خبز الصاج المعدّ بطريقة يدوية، لا يزال له سوقًا جيدًا، وأكلات خاصة يدخل في إعدادها”.


ومنذ نحو عشر سنوات يعمل عرفات خبّازًا،  في محله الذي يحمل اسم عائلته، وسط مدينة غزة.


ويعتبر خبز “الصاج”، أو “الرقاق”، أو “الشراك”، جزءًا من التراث الفلسطيني، وما زال يعدّ ويُخبز بالطريقة القديمة ذاتها، التي كانت تستخدمها النسوة الفلسطينيات قبل عشرات السنين.


ويتكون الخبز من الدقيق، بنوعيه الأبيض أو القمح، والقليل من الملح والسكر والماء الدافئ، ثم يقطع إلى كرات صغيرة، يُرش فوقها قليل من الدقيق، منعًا لالتصاقها وتسهيلا لرّقها، وهو دائري الشكل، ويبدو شفافًا عند خبزه.


وأشار عرفات، إلى أن الفلسطينيين قديمًا، كانوا يعتمدون على الحطب في إيقاد فرن الصاج، المكون من صفيح حديدي متوسط السماكة، بينما الآن تم استبدال ذلك بالغاز.


ويدخل هذا الخبز القديم في عدّة أنواع من الأطعمة، مثل “الفتّة” الفلسطينية، التي يشتهر الفلسطينيون بطهيها يوم الجمعة، إضافة إلى استخدامه في أحد أنواع الشاورما، وصناعة شطائر “المسخن” الفلسطيني.


ودرجت العادة في قطاع غزة، على رقّ خبز الصاج وخبزه أمام واجهات المخابز، حيث تجتذب طريقة خبزه المارة.
كما ويكون حاضرًا هذا الخبز، في غالبية المعارض الفلسطينية التي تقام في المناسبات الوطنية، مثل ذكرى يوم “النكبة الفلسطينية” (الهجرة) عام 1948، ويوم “الأرض”، حيث تتم صناعة الخبز بشكل كامل، أمام زوار المعرض، كرمز يعبر عن الهوية والتراث.


ويشتكي عرفات من “أزمة الكهرباء ونقص الوقود وغلاء أسعاره، التي يعاني منها قطاع غزة، منذ سنوات (جراء الحصار الخانق المفروض عليه من قبل إسرائيل)، حيث لا يمكن الاعتماد على المولدات الكهربائية في توليد الطاقة، وقت انقطاع التيار”، وفق قوله.
ويعاني قطاع غزة الذي يعيش فيه نحو “1.8مليون نسمة” منذ ثمانِ سنوات، من أزمة خانقة في الكهرباء.


ويحتاج القطاع إلى نحو 400 ميغاوات من الكهرباء، لا يتوفر منها إلا 212 ميغاوات، توفر “إسرائيل” منها 120 ميغاوات، ومصر 32 ميغاوات (خاصة بمدينة رفح)، وشركة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة، التي تتوقف بين فينة وأخرى عن العمل، بسبب نفاذ الوقود، 60 ميغاوات.


وفي أحد أزقة سوق الزاوية، أقدم أسواق القطاع، ينشغل الخباز الشاب منتصر السكني، بصناعة خبز “الطابون”، داخل مخبزه الصغير والقديم، الذي اكتسبت بعض جدرانه اللون الأسود، نتيجة للدخان المنبعث من الفرن.


ويتناول السكني”24 عامًا” بيده قطعة عجين واحدة  تلو الأخرى، ويصنع من كل منها، رغيفًا متوسط الحجم، عن طريق رقّها بيديه أيضًا، ومن ثم يضعها على قطعة اسفنجية استعدادًا لإلصاقها على جدار فرن الطابون.


ويمسك أحد عمّال السكني بملقط خشبي لرفع الأرغفة التي نضجت، بعد نحو دقيقة، ليتم وضع غيرها.


ويتكون فرن الطابون من فتحة دائرية صغيرة، مدخلها مرتفع قليلا إلى الأعلى، ويستع لثلاثة أرغفة أو أربعة يتم إلصاقها على جدار الفرن الدائري، لعدم احتواءه على قاعدة.


وكان قديمًا يعمل الفرن على الحطب، ويصنع من الطين والقش والتبن، ويدفن تحت الأرض عدة أيام، ثم يتم اخراجه واستكمال صناعته، بينما اليوم يصنع من الحديد والأسمنت والرخام والحجارة النارية، ووقوده الغاز.


ويقول السكني، أن هذا “الخبز من التراث الفلسطيني القديم، وما زال متداول في الأسواق”، مستدركًا “لكن خبز الطابون البلدي اختفى من الأسواق، لعدم وجود طلب عليه”.


ويعدّ خبز الطابون البلدي بذات الطريقة التي يعد فيها خبز الطابون، حيث يتم خلط الدقيق والملح والخميرة والماء معًا، إلا أن الأول يختلف بأنه سميك، وفق السكني.


ويعتقد السكني، أن أنواع الخبز اكتسبت أسماءها من الفرن المستخدم في صناعتها، وفق قوله، مضيفًا “لهذا الخبز مذاق شهي ومختلف”.
ولخبز “الطابون” و”الصاج” سوق جيد بالنسبة لمطاعم وأصحاب محال بيع “الفلافل” أشهر الوجبات الشعبية الفلسطينية”، كما ويستخدم في إعداد وجبات “مسخن الدجاج واللحم”.

نقلا عن الأناضول