بالصور .. أطفال غزة يداوون آثار الحرب بإيقاعات موسيقية عالمية

بالعربي: يرفع الطفل رسلان عاشور 13 عاماً صوت آلته الموسيقية كي "تغطي على الأصوات التي تذكره بالحرب"، وهو يعزف مقطوعة موسيقية كلاسيكية، على آلة "الترومبيت" (البوق)، داخل إحدى غرف مدرسة الموسيقى الوحيدة في قطاع غزة.

يُحرك عاشور شفتيه بسهولة أمام "النوتة الموسيقية" المكتوبة، يصنع أنغاماً لأوركسترا عالمية، يتزامن لحنها مع تحليق مألوف لطائرات الاحتلال حربية في سماء غزة.

"انتصاراً للموسيقى والحياة"

داخل معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، وسط مدينة غزة، ينصت رسلان باهتمام بالغ لتعليمات مدربته الروسية نتاليا أبو عبيد، التي تشعر بفخر كبير لأن تلميذها قدّم مؤخراً، برفقة "أوركسترا فلسطين للشباب" (إحدى فرق المعهد الموسيقية)، عروضاً في باريس.

ولأول مرة تم اختيار طالبين اثنين من فرع المعهد في غزة، وهما (رسلان عاشور، وريما الحداد)، اللذين يعزفان على آلة الترومبيت، لتقديم عروض موسيقية في عدة مدن فرنسية، برعاية المعاهد الموسيقية هناك، حيث قدما عرضاً بقيادة المايسترو الفرنسي و85 عازفاً وعازفة من مختلف بلدان العالم.

كان الأمر أشبه بالمعجزة كما يروي عاشور، مضيفاً: "عزفنا مقطوعات موسيقية غربية كلاسيكية، عزفنا لغوسيبي فيردي، وهتكور برليوز، وتشايكوفسكي، كان صوتنا رسالة غزة إلى الخارج، أننا نريد أن نعيش".

ويُعتبر سفر طالبين من المعهد في غزة لأول مرة إلى فرنسا، وعزف مقطوعات عالمية، "انتصاراً للموسيقى والحياة" كما يقول إبراهيم النجار، مدير معهد إدوارد سعيد، والمشرف على تعليم مجموعة من الأطفال العزف على العود والكمان.

والعام الماضي شارك 5 أطفال من المعهد يعزفون على آلات موسيقية مختلفة في برنامج المواهب العربي الشهير "آراب غوت تالنت" الذي بثته شاشة قناة "MBC4" السعودية الخاصة.

وتفاعل الجمهور الفلسطيني والعربي على مواقع التواصل الاجتماعي مع فرقتهم التي تحمل اسم "التخت الشرقي".

زيادة إقبال المنتسبين

ووفق النجار، فإن أعداد المنتسبين للمعهد ازدادت بعد الحرب التي شنها الاحتلال الصهيوني صيف العام الماضي، مستطرداً بالقول: "الموسيقى لغة الشعوب، وبالنسبة لأطفال غزة فهي تشكل متنفساً لهم للتخفيف من الضغط النفسي والتوتر المحيط بهم جراء حصار الاحتلال  الخانق والحروب المتكررة".

ووصل عدد الطلبة المنتسبين للمعهد إلى 210، يتعلمون الموسيقى بشكل نظري، كتاريخ الموسيقى الشرقية والغربية، والمقامات والنوتات، فيما الجانب العملي يتمثل في اختيار كل طفل لآلته الموسيقية، والتعلم عليها، بحسب مدير المعهد.

ويحظى الطلبة بشهادات تؤهلهم للالتحاق بمعاهد الموسيقى العالمية.

مدربون أجانب

وفي المعهد 12 مدرساً، بينهم مدربون روس ورومانيون، يعلمون الأطفال العزف على الآلات الموسيقية المختلفة ما بين شرقية كالعود، والقانون، وغربية مثل الجيتار، والكمان، التشيلو، البيانو، الترومبيه، والإيقاع.

ومعهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى هو مؤسسة فلسطينية تتخذ من مدينة القدس مقراً لها، وتسعى كما تقول، لتنشئة جيل فلسطيني موسيقي جديد قادر على إحداث تغيير نوعي في الواقع الثقافي الفلسطيني بشكل عام.

وعلى الرغم من أن العود يفوق حجمه إلا أن الطفل عمر الوحيدي (7 أعوام) أمسك بآلته الموسيقية، وبدأ في الانتقال من وترٍ إلى ثانٍ، عازفاً ألحاناً موسيقية قال مدربه محمد ظاهر إنها تحتاج إلى تدريب وإتقان.

ويبدو الوحيدي صاحب الشعر الكثيف سعيداً لأنه سيحظى بعود يتناسب مع حجمه الصغير، ويقول: "أنا هان (هنا)، بدي (أريد) أتعلم موسيقى".

كارول الصايغ (9 أعوام)، لا تفارق البسمة وجهها، وهي تنفذ تعليمات مدرستها يوليا أبوناموس، لتعلم العزف على إحدى الآلات الموسيقية.

وبعد دقائق من التدريب، تتمكن الصايغ من عزف مقطوعة موسيقية، تشعر وهي ترددها بأنها تطير، كما تقول.

والحال نفسه مع زميلتها آنا ترزي (8 أعوام)، التي قالت: "هان (هنا)، بنحسش (لا نشعر) بالخوف، وإنو (أنه)، فيه قصف وموت، كتير (كثيراً) بنكون (نكون) مبسوطين زي العصافير".


"الموسيقى تجعلنا تعساء بشكل أفضل"

ويتفق المدربون في المعهد مع المقولة الشهيرة لرولان بارت، الفيلسوف والأديب الفرنسي، عن الموسيقى بأنها "تجعلنا تعساء بشكل أفضل"، فكل الألحان المنبعثة من المعهد لا يمكن أن تفصل أطفال غزة عن واقعهم، لكنها كما يؤكدون أنها تجعلهم "أفضل ولو قليلاً".

وعلى آلة الكمان تتدرب الطفلة ياسمين شعت (8 سنوات) على العزف، وتتلقى بلطف تعليماتها من مدربتها ألينا رضوان، وهي مدرسة روسية تعلم الأطفال في المعهد العزف على آلتي "الكمان" و"البيانو".

وتمرر شعت أصابعها على مفاتيح البيانو، وتقوم بإصدار أصوات موسيقية تنال إعجاب مدربتها رضوان التي أوضحت أن "العزف على البيانو يساعد أطفال غزة على العلاج النفسي".

وأظهر تقرير نشرته منظمة أنقذوا الأطفال (Save the Children ) (بريطانية غير حكومية) بعنوان (كابوس حي: غزة بعد الحرب)، مؤخراً، أن ثلاثة أرباع أطفال غزة يعانون التبول اللاإرادي بشكل منتظم، فيما يفيد 89% من الآباء بأن أطفالهم لديهم متاعب من مشاعر الخوف المستمر، وأن 70% من الأطفال يخشون حرباً أخرى، وأن 7 من 10 أطفال تمت مقابلتهم يعانون كوابيس بشكل منتظم.

وقالت المنظمة إن "الشعور العميق بالموت واليأس في غزة يتضاعف في غزة، حيث الوعود بإعادة الإعمار بالكاد تمضي، وأن التوقعات أكثر قتامة مما كانت عليه في أي وقت آخر".

(الاناضول)