مصر تجنّد المياه والأسماك لاصطياد الغزيين!

بالعربي:  تُسابق السلطات المصرية الزمن في وتيرة عملها وإجراءاتها الرامية للقضاء كلياً على ظاهرة الأنفاق المنتشرة على طول الشريط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة ومصر الممتدّ لـ 14 كم ؛ بحجة ما أسمته "مكافحة الإرهاب".

الأنفاق لجأ لها الغزيّيون بعد أن أغلقت سلطات الاحتلال الصهيوني كافة منافذ القطاع، وفرضت عليه حصاراً مشدداً بعد فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية عام 2006.


وبدأت السلطات المصرية الجمعة الماضية بضخ مياه بحر المتوسط المالحة في أنابيب ضخمة على أجزاءٍ من الحدود مع قطاع غزة، مدعيةً أن المشروع يهدف لإغراق المنطقة الحدودية؛ لتدمير الأنفاق.

وحفرت قوات الجيش المصري أحواضاً عميقة للاستزراع السمكي على طول الحدود مع قطاع غزة؛ تمهيداً لغمرها بمياه من البحر الأبيض المتوسط لتدمير ما تبقى من الأنفاق على الحدود بين مصر والقطاع.

وربطت مصر الأنبوب الجديد المتصل بمياه البحر الأبيض المتوسط من خلال مضخات مياه تضخ كميات كبيرة من المياه في الأنبوب المثقوب بعشرات الثقوب من جهة واحدة، حيث يتم تركيب الأنبوب تحت الأرض، وواجهة الثقوب ناحية الأعماق؛ بهدف غمر التربة بالمياه لتصل فتحات الأنبوب مما يؤدي إلى انهيار التربة والأنفاق.

وتبدأ القناة من آخر حدود مصر مع قطاع غزة عند مثلث منطقة الدهينية، وتمتد من أمام معبر رفح البري بطول الشريط الحدودي حتى تصل مياه البحر المتوسط برفح، حيث من المخطط أن يجري تشييد جسر أمام معبر رفح للوصول للمعبر بسبب مد القناة المائية لتمر من أمام المعبر.

وجاء حفر القناة بعد تدمير الجيش المصري أكثر من ألفي نفق، وكذلك تدمير مدينة رفح المصرية بالكامل، بدعوى وقف تسلل المسلحين من غزة إلى سيناء.

في الوقت الذي انهارت فيه عدد من الانفاق على الحدود الفلسطينية المصرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، بعد تدفق كميات كبيرة من مياه البحر اليها .

استياء ومخاوف

وعبَّر السكان الفلسطينيون المقيمون في المنطقة القريبة من الحدود المصرية عن استيائهم ومخاوفهم من الإجراءات التي اتخذها الجيش المصري المتمثلة بغمر منطقة الأنفاق الحدودية بمياه البحر المالحة، وسكب المياه داخل الأنفاق عبر أنابيب كبيرة.

وأوضح المواطن "أبو خطَّاب" وهو أحد سكان حي مخيم "يبنا" الحدودي برفح، الذي لا يبعد سوى مئات الأمتار عن الحدود المصرية، أن هناك خشية لدى سكان المنطقة من حدوث انهيارات أرضية بجوار وأسفل منازلهم من وراء تلك الإجراءات الأمر الذي قد يعرض حياتهم للخطر.

وبيّن المواطن أن "الجيش المصري شرع مؤخراً بضخ المياه المالحة على طول الحدود مع قطاع غزة؛ وذلك سعياً لاغراق الأنفاق، المتوقفة أصلاً عن العمل منذ وقت طويل، معتبراً أن الهدف من وراء تلك الإجراءات هو فرض وتشديد الحصار على سكان قطاع غزة، إضافة إلى التضييق على المقاومة".

وقال: "نحن مع أن تعمل السلطات المصرية على إغلاق الأنفاق، ولكن عليها في المقابل أن تعمل على فتح معبر رفح البريّ، الشريان الوحيد لسكان قطاع غزّة بشكل دائم دون أية عراقيل، وأن تسمح بإدخال كل ما يحتاجه القطاع من مواد بناء وسلع غذائية واستهلاكية، لا سيّما في ظل الحصار الصهيوني المتواصل عليه منذ أكثر من 8 سنوات".

ووصفت صحيفة "هآرتس" ما يقوم به سلاح المهندسين في الجيش المصري بـ"الحل العبقري"، مشيرةً إلى أحواض تربية الأسماك على طول الحدود مع قطاع غزة وضخ المياه فيها، ما يعني تسربها عبر التربة وجعلها غير صالحة لحفر الأنفاق على الجانب الفلسطيني.

خطيرة وكارثية

من جهته، رئيس بلدية رفح صبحي أبو رضوان، أكّد أن الإجراءات التي شرع بها الجيش المصري من جانب واحد بمنطقة الأنفاق على طول المنطقة الحدودية الواصلة بين رفح الفلسطينية والمصرية، مخالفة لكل الأعراف والشرائع والقوانين الدولية؛ لما تشكله من خطر بالغ على الأمن الغذائي والمائي لسكان قطاع غزة، وخصوصاً في مدينة رفح، لافتاً في ذات الوقت إلى أن الإجراءات تأتي أيضاً في إطار تشديد الخناق على سكان القطاع .

وقال أبو رضوان لـ"الاستقلال": "هذه الإجراءات التي تمس بالعلاقة التاريخية الأخوية التي تربط الشعبين الفلسطيني والمصري تُشكِّل خطراً على البيئة في رفح الفلسطينية، وتحديداً على الخزان الجوفي الذي سيتدمّر؛ بفعل تسرب مياه البحر المالحة التي يتم ضخها إليه، وبالتالي حرمان الناس من مياه الشرب الصالحة للاستخدام الآدمي.

وأضاف "كذلك ستنعكس هذه الإجراءات سلباً على الزراعة في تلك المنطقة، كما ستتسبّب بإحداثِ انهيارات أرضية؛ بسبب الأنفاق التي كانت مُقامة في تلك المناطق، إضافة إلى تأثيرها  الكبير على المنازل القريبة من المنطقة الحدودية برفح الفلسطينية"، مطالباً كافة المؤسسات الدولية لأخذ دورها لجهة الضغط على الجانب المصري لوقف هذه الإجراءات الكارثية ومنع تواصلها.


تلوِّث الخزان الجوفي

بدوره، الخبير المائي والبيئي نزار الوحيدي، قال: "إن هذا الإجراء لضخ المياه المالحة يتسبَّب في تلوُّث الخزان الجوفي بمنطقة رفح الفلسطينية بطريقتين، الأولى عبر تسرُّب المياه بشكل بطيء من أعلى لأسفل عبر حبيبات التربة، والثاني تسرب سريع بسبب الأنفاق المفتوحة أصلاً باتجاه قطاع غزة".

وأشار الوحيدي إلى أن مياه مدينة رفح الفلسطينية كانت تعدّ من أفضل المياه على مستوى المنطقة الجنوبية لقطاع غزة، مستدركاً: "لكن وضعها الجيولوجي خطير، وعلى وشك أن تستنفد مياهُها وتندفع نحو مياه البحر، وبالتالي فإن وصول المياه المالحة للخزان الجوفي للمدينة بسبب الإجراءات المصرية سيؤدي إلى سرعة تدمير آلاف أبار المياه فيها، وتدهور المياه في غضون 3 سنوات كأقصى حد".

وطالب الخبير المائي والبيئي السلطات المصرية بالتراجع عن هذه الإجراءات السياسية، داعياً علماء الجيولوجيا والمياه المصريين بالتدخل؛ للحد من هذه الخطوات ووقفها.

وكانت مجلة "فرونت بيج ماجازين" الأمريكية اليمينية اليهودية قد كشفت النقاب عن أن الجيش المصري يسعى لوضع "تماسيح" داخل الخندق المائي وبرك المياه المحيطة بغزة من أجل القضاء على أي فرصة لحفر أنفاق بين قطاع غزة والجانب المصري من الحدود"، مشيرة إلى أن "الشكل النهائي للخندق المائي الكبير سيكون على غرار القرون الوسطى، حيث تتوسط المدينة أو القلعة المحصنة مجرىً مائياً تسبح فيه التماسيح".

ولجأ سكان قطاع غزة إلى حفر الأنفاق أسفل الشريط الحدودي الفاصل بين مصر والقطاع لتوفير احتياجاتهم ومستلزماتهم الأساسية في أعقاب فرض الاحتلال الصهيوني حصاراً مشدّداً أغلقت فيه كافة المعابر والمنافذ؛ بعد فوز حركة "حماس" بانتخابات عام 2006 ووصولها لسدّة الحكم.

 

( موقع صحيفة الاستقلال)