المخيمات الفلسطينية في "دائرة الخطر": سباق بين التهدئة.. والتفجير!

بالعربي: هي المرحلة الأدق التي تمر بها الساحة الفلسطينية في لبنان منذ فترة طويلة، لكن ثمة إجماع لدى الفصائل الفلسطينية على الاستهداف الذي تتعرّض له هذه الساحة، ربطاً بالنار المشتعلة في المنطقة، والتي لا يزال لبنان بمنأى عنها. لكن الخشية قائمة من ملامح محاولات لتوريط هذه الساحة من باب عاصمة الشتات الفلسطيني في لبنان، مخيم عين الحلوة.

يبدو عين الحلوة مغرياً لهذه المحاولات لواقعه الديموغرافي، إذ يضمّ نحو 100 ألف نسمة بين فلسطينيين مقيمين وآخرين نازحين من سوريا، ولموقعه الجغرافي على بوابة الجنوب، إضافة إلى تنوّعه السياسي كونه يضمّ مختلف تلاوين الساحة الفلسطينية، تُضاف اليها تيارات اسلامية متطرفة من خارج الساحة التقليدية.

ويتمثل الهدف الأهم من محاولات التوريط تلك، في دفع الفلسطينيين الى التقاتل بين بعضهم البعض لحرف السلاح الفلسطيني عن بوصلته في مقاتلة الكيان الصهيوني، تمهيداً لاستنزاف المخيمات وتهجير من فيها، وصولاّ الى ضرب قضية اللاجئين وضرب قضية حق العودة، حسب قيادي فلسطيني مطّلع.

ويؤكد القيادي أن الفصائل الفلسطينية «الشرعية»، سواء التي في «منظمة التحرير الفلسطينية» أو في «تحالف القوى الفلسطينية»، تعي أهمية ضرب أدوات المؤامرة، ابتداء من عين الحلوة، مع بروز الإسلاميين المتطرفين على الساحة.

وقد أبرزت المعارك الأخيرة تلك القوى الاسلامية لتمثل حالة ثابتة في المخيم لا يمكن اقتلاعها، يساعدها في ذلك انقسام فتحاوي بين تيار السلطة الفلسطينية أو ما يسمّيه البعض بـ «قيادة الساحة»، وتيار موالٍ للقيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان الذي تمكّن من تشكيل حالة شعبية لا يمكن تجاهلها في حركة «فتح»، سواء داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو في الشتات اللبناني. ويضيف البعض عضو اللجنة المركزية سلطان أبو العينين الى حالة الانقسام تلك.

لكن هذه التيارات الفتحاوية تمكّنت من لجم الانقسام، وتوحّدت في وجه المتطرفين في عين الحلوة، إلا أنها لا تزال عاجزة عن إنهاء الحالة المتطرّفة في المخيم التي تبقى حالة خاصة ولم تندمج مع أي من التيارات التكفيرية في المنطقة مثل تنظيم «داعش» و «جبهة النصرة». كما يشدّد مراقبون فلسطينيون لمجريات الأمور، على أن ثمّة محاولات عقيمة جرت من قبل هذين التنظيمين للتغلغل في عين الحلوة.

ويلفت المراقبون النظر إلى أن السلاح الأهم الذي يمكن من خلاله مواجهة هذه المؤامرة على الفلسطينيين في لبنان، يتمثل في إيجاد توافق سياسي بين جميع الفصائل على حماية اللاجئين وتحصين الساحة بوجه محاولات توريطها كما توريط لبنان بمعارك جانبية تضرب الاستقرار اللبناني والوجود الفلسطيني معاً.

وقد شهدت الساحة الفلسطينية في لبنان حركة زيارات من قبل شخصيات فلسطينية وازنة، لتوحيد الموقف وتطويق الخلافات كون المخيمات باتت اليوم في دائرة الخطر الجدي، حسب المصدر الفلسطيني.

ومن هذه الزيارات تلك التي قام بها عضو اللجنة المركزية لـ «فتح» والمشرف على الساحة اللبنانية عزام الأحمد، الذي عمل على ترتيب وضع الحركة في ظل تنافس كبير قبيل المؤتمر العام للحركة المقرر في 29 تشرين الثاني المقبل والذي سوف ينتخب اللجنة المركزية، وهي السلطة التنفيذية الاعلى التي تنتخب زعيم «فتح» وامين سرها.

وبرغم مغادرة الأحمد الاراضي اللبنانية، الا ان وفدا عسكريا رفيعا من «فتح»، قدم من رام الله، لا يزال يتابع في هذه الاثناء تأهيل الهياكل الفتحاوية والكتائب العسكرية على الأرض، استعدادا للجولة المقبلة من المعارك في عين الحلوة.

ومن هذه الزيارات تلك التي قام بها رئيس مكتب الشؤون السياسية والاعلامية في حركة «حماس» موسى أبو مرزوق، الذي تابع، إضافة الى موضوع رفض فصائل فلسطينية عقد «المجلس الوطني الفلسطيني» الذي اضطر الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى تأجيله لمدة ثلاثة أشهر (كان يفترض عقده في 14 أيلول)، قضية مخيم عين الحلوة الذي بحث موضوعه مع المسؤولين اللبنانيين. كما عقد لقاءات مع فصائل فلسطينية في التحالف والمنظمة، بهدف تثبيت وقف اطلاق النار في عين الحلوة أولا، ومن ثم الحفاظ على الامن الفلسطيني.

ويجري العمل على تقديم دعم شامل للقوة الأمنية المشتركة في عين الحلوة وتعزيزها من الفصائل كافة، في ظل خطر جدي من تنامي قوة المتطرفين ودخول عناصر خارجية على خط المعركة. وكانت الفصائل قد اتفقت على تشكيل تلك القوة في آذار من العام الماضي حين اطلقت مبادرة وطنية لحماية الوجود الفلسطيني في لبنان وتعزيز العلاقات الفلسطينية اللبنانية. وقد وقع على هذه المبادرة 19 فصيلا، ثمانية من المنظمة وثمانية من التحالف، اضافة الى ثلاثة فصائل اخرى هي «عصبة الانصار» و «الحركة المجاهدة» و «أنصار الله».

ومع ثبوت عجز تلك القوة، عُلم انه تم الاتفاق على تشكيل قوة تدخل منبثقة عن تلك القوة المشتركة، قوامها 80 عنصرا، وذات صلاحيات واسعة للتصدي كما للتدخل بوجه المسلحين المتطرفين. على ان مصدرا متابعا من داخل المخيم يؤكد ان الاهم في الموضوع هو ايجاد توافق سياسي يؤمن الغطاء اللازم لتلك القوة.

في كل الأحوال، يلخص مصدر فلسطيني حال الشتات في لبنان بجملة ذات دلالة: ما يجري حاليا هو عبارة عن سباق بين التهدئة المأمولة، انطلاقا من عين الحلوة.. والتفجير!

(السفير)