طلبة القدس بين نظامي التعليم الفلسطيني والصهيوني

بالعربي: خياران يتجاذبان طلبة القدس عندما يقتربون من استكمال تعليمهم الثانوي، فاما ان يختار الطالب نظام التوجيهي الفلسطيني المتبع في معظم مدارس القدس، او يذهب لنظام التعليمي الصهيوني المعروف باسم"البجروت".

قد تبدو المسألة بسيطة وسهلة لمن لا يعرف تفاصيل ما يدور في القدس واستحقاقات وتبعات كل واحد من هذه الخيارات على طلبة القدس وعلى مختلف الصعد لاحقا.

بين الهوية الوطنية والنظام "المتخلف"

ويمثل صراع الهوية احد ركائز الذهاب لاي من الخيارين التعليميين لابناء القدس، حيث ان سعي سلطات الاحتلال لفرض نظام التعليم الصهيوني في القدس يمثل جزءا من محاولات "أسرلة" المدينة المقدسة كما يقول استاذ العلوم السياسية في جامعة بير زيت عماد غياظة، في حين يقف طلبة القدس امام استحقاق مغاير حال ذهبوا لنظام التوجيهي (الفلسطيني) من حيث درجة استجابته لمتطلبات الانخراط في العمل فضلا عن الضغوط النفسية والعملية التي يخضع لها الطالب وعدم نجاعته (وفق اوساط واسعة) في تقيم قدرات الطلبة بصورة علمية منصفة.

تطبيق "البجروت" في القدس محاولة لـ "الأسرلة"

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت عماد غياظة إن محاولات تطبيق نظام التعليم الصهيوني (البجروت) في مدينة القدس تأتي في إطار الهجمة الصهيونية المنظمة ضد شعبنا" مشيرا الى ان حكومة الاحتلال " تعمل بكافة الوسائل على أسرلة المقدسيين، من خلال التعليم والتربية وغيرها من الأساليب، خاصة في ظل وجود وزير يميني متطرف وهو نفتالي بينيت على رأس وزارة التربية والتعليم".

واوضح غياظة ان "الأسرلة من خلال التعليم خطوة فكرت بها الدوائر الصهيونية منذ زمن بعيد، وللأسف فإن بعض العوامل والظروف مهدت للاحتلال لتحقيق أهدافه" معربا عن اعتقاده بأنه "يتوجب على الجهاز التربوي في مدينة القدس ودوائر السلطة الفلسطينية أن يتعاملوا بحذر مع هذه القضية الخطيرة".

ويرى العديد من المراقبين ان سلطات الاحتلال تسعى من خلال المناهج والنظام التعليمي وغيرها من الوسائل والاجراءات الى "تفكيك هوية الفلسطينيين وتفتيتها" ويقول غياظة بهذا الشأن: "من الواضح أن لدى كيان الاحتلال مخططا كاملا وشاملا يتجاوز قضية الأرض والمباني والسكان".

ضعف المنهاج الفلسطيني سمح بتغلغل "البجروت"

واوضح غياظة ان "عدم وجود بدائل حديثة ومتطورة ومفيدة للطالب الفلسطيني في المنهاج المحلي، وضعف المنهاج الفلسطيني وطرق التدريس، سمحت بتغلغل نظام التعليم الصهيوني (البجروت) في مدينة القدس، لأنه أكثر تطوراً من المنهاج الفلسطيني، لذا فاللوم أولا نضعه على ضعف المنهاج الفلسطيني، فهو يعاني من ضعف أدوات القياس والتقويم".

لكن غياظة يؤكد أن "الدفاع عن الهوية الوطنية أولوية يجب وضعه نصب أعيننا، وهي غايتنا، خاصة فيما يتعلق بطلابنا في القدس"، داعيا إدارات المدارس في المدينة للتركيز بشكل رئيسي على وسائل وأساليب التدريس بغض النظر عن النظام التعليمي المتبع في المدرسة، وبحيث تكون هذه الأساليب مبنية على الفهم والتحليل وليس على الحفظ والتلقين، لأن "التخلف موجود أساسا في أدوات التعليم وقياس قدرات الطالب، وهناك أساليب حديثة للتعليم، من خلالها نستطيع بناء هوية الطالب الوطنية".

تطبيق "البجروت" يهدد الهوية الفلسطينية

وقال أستاذ العلوم السّياسيّة في جامعة القدس موسى البسيط في مشاركة له نشرها على صفحته على"فيسبوك"، إلى أن تطبيق نظام "البجروت" الصهيوني في مدارس القدس "له أبعاده الخطيرة على الهوية الوطنية للطالب المقدسي، ولا يقف تطبيقة عند حد تقديم إمتحان الشّهادة الثانوية فحسب، بل يتطلب تطبيقه تغيير المناهج الدراسية في جميع المراحل، وسوف يقود تطبيقه إلى إلزام دراسة المقررات مستقبلاً باللغة العبرية، ولا شك في أن ذلك يهدد الهوية العربية والوطنية للمواطن المقدسي عن طريق تغيير المناهج الدراسية".

وهناك فارق بين أن يتلقى الطالب الفلسطيني منهاج "البجروت" منذ صغره، وبين أن يتلقاه في المراحل الثانوية كوسيلة او بوابة للالتحاق بالجامعة.

ويرى حكم عوض وهو مسؤول سابق في أحد المعاهد التعليمية في مدينة القدس أن بعض الطلبة المقدسيين "يخسرون تعليمهم بسبب نظام التوجيهي"، موضحا انهم يلجأون إلى نظام "البجروت" كوسيلة أسهل لهم من التوجيهي للالتحاق بالجامعات، وخاصة الصهيونية منها، لأن المواد في "البجروت" مبسطة ومقسمة بشكل أسهل للطالب، كما وان تقديمه أسهل.

ويضيف عوض "لكن أشدد على أن تدريس البجروت في المدارس كمنهج اساسي جريمة بحق الطلاب وهويتهم الوطنية".

التوجيهي "عقيم وظالم"

ويرى المربي إياد عودة الله، وهو استاذ في مدرسة صورباهر جنوب القدس، أن "التوجيهي نظام عقيم وظالم يعتمد على التلقين، ويقلل من نسبة المتعلمين في المجتمع" باعتبار ان نسبة كبيرة من الراسبين لا يكملون تحصيلهم العلمي.

وشبه عودة الله نظام التوجيهي الحالي بامتحان "الماتريك" الذي أُلغي في السبعينيات، الذي كان يقام في نهاية الصف التاسع ومن يرسب به لا يكمل تعليمه وقال: "من الظلم ان نُقيم تحصيل طالب درس 12 عاما خلال ثلاثة اسابيع هي فترة الامتحانات الوزارية التي تكثر فيها الافراح والمناسبات والبطولات الرياضية العالمية، إضافة إلى احتمالية اصابة احد المتقدمين للامتحان بوعكة صحية او وفاة احد الاقارب، وعدم وجود فرصة للتعويض".

ويقول المربي عودة الله بشأن نظام "البجروت" الصهيوني بأنه "بعيد عن مضمون المنهج الذي ربما لا يتوافق مع البنية الثقافية لدى المجتمع، فهو يعتمد على التفكير والاستنتاج بشكل اكبر، وهناك عدة فترات لتقديم الامتحانات مع اعطاء الطالب هامشا من الاختيار في المواعيد وإمكانية التعويض وتحسين النتائج، اي انه ينتج عددا أكبر من حملة الشهادات الجامعية، بينما نظام التوجيهي لا يعطي للطالب فرصة للتعويض".

واشار الى الضغوط الاجتماعية الضخمة التي ترافق امتحانات التوجيهي من جانب الاهالي والمجتمع ما يضع الطالب تحت ضغوط كبيرة تؤدي بعضها احيانا لردود وتداعيات تصل حدود الانتحار (سجلت العديد من حوادث الانتحار من قبل الطلبة بسبب فشلهم في التوجيهي او حصولهم على معدلات متدنية).

ويضيف عودة الله "برأيي يجب اعادة صياغة نظام التعليم الفلسطيني بشكل سلس، وبنظام عادل ينتج اكبر عدد من الناجحين وعلينا أن نقتدي بأنظمة التعليم والوسائل الحديثة".

واشار الطالب مالك زيادة الذي التحق بالنظامين التعليميين الفلسطيني (التوجيهي) والصهيوني(البجروت)، الى انه لم يُوفق في التوجيهي، ما دفعه لان يذهب لـ" البجروت" وقال: "لم استطع في التوجيهي أن أدرس براحتي. تعرضت لضغوط كبيرة بيني وبين نفسي لأثبت للمجتمع أنني جدير بأن أذهب للجامعة وأُصبح شيئا ما في المستقبل، لكن صدقاً، بالنسبة لي لم استطع أن أواجه هذه الضغوط وانهارت أعصابي في الامتحانات الوزارية، ولم اجتازها".

واضاف "بعدذلك نصحني صديق مقرب لعائلتي بأن أجرب نظام البجروت، حتى استطيع الالتحاق بالجامعة، وبالفعل التحقت بأكثر من معهد واستطعت أن أنهي المتطلبات التي تخولني الالتحاق بأي كلية أو جامعة".

تجدر الاشارة أن 5 مدارس على الأقل في القدس الشرقية تطبق نظام "البجروت"، كما أن هناك آلاف الطلبة المقدسيين الذين يلجأون لهذا النظام رغم ان النسبة الأكبر من الطلبة ما يزالون يختارون نظام التعليم الفلسطيني "التوجيهي".

نقلا عن القدس دوت كوم