بين الأقصى وغزة... هل من يعيد للبوصلة اتجاهها

بالعربي: بين اشتعال المقاومة في ساحات الأقصى دفاعاً عن قدسيته وعروبة القدس، وبين الغليان الشعبي في غزة احتجاجا على انقطاع الكهرباء، تكمن مفارقة كبرى، مفارقة  تفرض الوطني التحرري كمعطى قائم ودائم في وعي الجماهير الشعبية في القدس، فيما تحاول هذه الجماهير ان تخلق لنفسها في القطاع  الحد الادنى من الظروف الانسانية بعد دمار ثلاثة حروب  خلقت تعطيلاً في كل ظروف الحياة العادية للبشر، هذه المفارقة  تؤكد حقيقة واحدة وهي انه أيا كان المسؤول عن انفراد الاحتلال بالقدس، والظروف غير الانسانية في قطاع غزة، فان ما يجري هو اعلان بالتخلي عن المسؤولية الوطنية والاجتماعية عن شعب لا زال يؤكد انه مستعد للعطاء.

فالمستوى الهابط من رد الفعل على ما يجري للأقصى وفي الاقصى، والتذرع بكافة الاعذار والتبريرات عن التقصير في توفير الخدمات الأساسية في القطاع، يقول أن النخب القيادية الفلسطينية بيمينها ويسارها ووسطها لا زالت دون مستوى المهمات الملقاة على عاتقها، إن كل الأدوات والوسائل القديمة التي اعتادتها هذه النخب قد اهترأت وباتت غير صالحة البتة  للوصول إلى الحياة الحرة والكريمة لشعب يؤكد كل يوم تمسكه بحقوقه الثابتة واستعداده للتضحية  لأجلها، وما يخذله هو كل تلك السياسات التي تجترحها النخب بما يخلق لديها شتى صنوف الاحباط.

فاذا كان السفير القطري قد عبر عن امتعاضه من سير عملية إعادة الإعمار في غزة، حتى وصل إلى معاتبة بعض المتنفذين هناك بقوله "لماذا كلما أصل إلى غزة تنقطع الكهرباء؟" .  في جملة المسؤول القطري اكثر من إشارة إلى تواطؤ ما في موضوعة الكهرباء، وموضوع إعادة الإعمار والذي من المفترض أن تؤخذ على محمل الجد، فكفى تلاعبا بحياة الناس في القطاع لأجل  أجندات فئوية ضيقة.

هل كان على أهالي رفح أن يخرجوا للشارع كي تصلهم الكهرباء، وهل حقا لا يصل الوقود إلى محطة توليد الكهرباء، فيما تقول رام الله، أن كل ما يلزم في هذا المجال قد تم تلبيته وأن المشكلة في إدارة القطاع الحالية.

أين الحقيقة في ظل هذا الجدل البيزنطي، وكيف يمكن للمواطن الفلسطيني الذي يلمس أن في الامر  لعبة ما أن يبدد شكوكه؟
ما يدفع الناس وحسب كثير من المصادر للخروج ليس مجرد انقطاع الكهرباء ولكن هو الشعور بأن هناك ريبة ما في التعامل مع هذا القطاع الحيوي، أسوة بشعورهم بالتمييز في أولويات البناء والترميم وتوزيع مواد البناء. كان يمكن لغزة أن تنجد الاقصى وأن تشكل عامل ردع للاحتلال ومن بعيد، ولو أن كان هناك نزاهة وجدية في التعامل مع احتياجاتها.

في ظل هذا الوضع يوجد هناك من يحرف البوصلة عن اتجاهها، وربما غدت البوصلة متنازعة بين طرفين كل يحاول أن يوجهها لوجهته، فيما بوصلة الشعب باتت يتيمة ولا تهم أحدا. فالضفة لم تظهر أي حركة حتى الآن للتضامن بالحد الأدنى معأ الذي ترنو إليه، وغزة مكبلة بهمومها، والنخب القيادية آخر ما تفكر به هو أن لديها شعبا جاهزا ليس فقط للمهرجانات وإنما للكفاح الوطني الحقيقي  ولكن من غرق في وحل الانقسام لم يعد يفكر بالشعب إلا كقبائل موالية  أو مناهضة بمعنى (فرق من السحيجة).

هذا التيه الفلسطيني، يحتاج إلى من  يبث له شارة أمل، لا إيغالا في الخلاف،  وبث الإحباط بين صفوف الجماهير، يحتاج إلى وقفة جدية أمام الحال الذي وصلت إليه قضيتنا، وأمام ما يرزح تحته شعبنا من ويلات على مختلف الصعد، إنه يحتاج إلى قيادة تاريخية حقا، وقادرة على أن تعيد للبوصلة اتجاهها الحقيقي.

(وطن للأنباء)