أوسلو... الهاوية التي لا قرار لها

بالعربي:  من كان يتخيل أن انتفاضة عمت شعبا بكامل قطاعاته وطبقاته  وأجياله ستؤول في ثمارها إلى ما هو أمر من العلقم، أو أن من قادوها سياسيا قد ساروا بنا إلى هاوية بدون قرار؟ كنا شعبا مشحونا بالإرادة والتفاؤل الذي تعطيه، وكنا نستهين بتشاؤم العقل الذي كان يتسرب بين موجة انتفاضية وأخرى لأن تفاؤل الإرادة كان المعين الذي يدفعنا إلى الاستمرار. كان الحلم يقترب، وكنا نستعد لتلمسه حيا مجسدا بأيدينا... ولكن.. مالذي حصل؟

هل هو انفراط عقد النظام الدولي ثنائي القطبية، أم مغامرة اجتياح الكويت، أم ماذا؟ هل كان يجب أن نستدخل كل هذا الانهيار إلى بيتنا، وتصبح كل العوامل الخارجية عوامل داخلية تتحكم فينا حتى ذهبنا إلى هناك وتحت جنح الليل لنوقع على ورقة، بعد أكثر من عقدين نكتشف أنها كانت وثيقة الاستقالة من الحلم والوطن، ووثيقة لتأبيد الاحتلال وممارساته؟

ما علينا ... فقد وقعت الفأس بالرأس كما يقول مثلنا الشعبي، وربما كان مصيدة  المغفلين القاتلة التي ذهبنا إليها نصف مكرهين بعد أن تركنا وراءنا قافلة من الشهداء وتراكما من الإنجاز الشعبي الذي ذرته رياح خريف أيلول من ذاك العام الذي مضى عليه الان عمر جيل كامل ممن وولدوا يوم توقيع هذا الاتفاق. لكن ما يحير العقل ويشوي الوجدان بنار الأسئلة الحارقة  هو ألم يكن بمقدورنا التراجع عن طريق أدت إلى الهاوية؟  ألم ير كل من فاوض أو أحس أنه كان يمارس عبثا فيما الجرافات تنهش الأرض، وفيما البلاد  تتحول إلى ارخبيل يصعب تصنيفها؟ أية عبقرية هذه التي تمخضت عن تقسيمات البلاد؟ وهل حقا كانت هناك قناعة لدى القيادة السياسية أن أوسلو الذي وقعته سيفضي بها إلى الدخول إلى القدس، وإعلان الدولة من اقرب نقطة إلى السماء؟

مع أن الذئب كان واضحا وكان يعوي وينهش أيضا، إلا أن هناك من أصر على قص أثره، ومع أن كثيرا من الأصوات التي حذرت ، وقدمت بدائلها كان ينظر اليها كهوامش ما دامت قد تشكلت سلطة ورتب ومراتب ورواتب فالدولة قادمة، صدق البعض أنفسهم وتضامنوا في الدفاع عن الخطيئة، ليتجرع الشعب كأس العلقم اليوم.

لم يكن اوسلو مجرد نصوص تحتاج إلى تفاسير وكل نقطة فيها تحتاج إلى مفاوضة واتفاقات جديدة فقط، بل كان تعبيرا عن هزيمة حقيقية لرؤية سياسية قادت الشعب الفلسطيني إلى حالة من الضياع وانسداد الآفاق، فاكتفت السلطة باستعراض المظاهر وافرغت الوعي من كل روح تنبض بالمقاومة والثورة، وحولت شعبا بأكمله إلى خدم يتسول حسنات المانحين مقابل غسل العقل من الحلم بوطن حر وإرادة مستقلة.

لقد بنى أوسلو نظامه ونخبته التي تستميت الآن في الدفاع عن مكتسباتها الفردية أو الطبقية، فيما على المقلب الآخر هدم أسس وقواعد انتصارات الشعوب، لقد عزلت هذه النخب نفسها تدريجيا عنه، وباتت ترى في مغانم السلطة سدرة المنتهى والحلم.
هل نجرؤ جميعا على مواجهة الذات ومراجعة النفس والبرامج والأدوات بعد جيل كامل، هل نجرؤ على السؤال لماذا؟؟؟

هل يجرؤ أحد ويقول إن الاحتلال انتهى بفعل تطبيق أوسلو؟ أو أن الاستيطان تجمد على الأقل وباتت المستوطنات جزرا معزولة لا قرانا ومدننا؟ هل يجرؤ احد على القول ان وعود أوسلو بان تكون الضفة والقطاع "سنغافورة الشرق الأوسط" لم تكن سوى سراب؟
نعم لقد سحقت دبابات الاجتياح أوسلو من طرف واحد ولكن، هل نجرؤ نحن ونقول ما دام الاحتلال قد نسف أوسلو، فلماذا نعض عليه بالنواجذ؟ لماذ ننهك أنفسنا بالاثبات يوميا اننا نتمسك  بخرقة بالية، وهل تكفي المظاهر الاستعراضية كلها التي نمارسها لأن تثبت أننا نتحلل من أوسلو؟

إن التشبث بخيار التفاوض مع من يرفض أوسلو من أساسه، ومن يدير ظهره للشعب وإرادته، ليس لديه أي رغبة للقفز من هاوية أوسلو الى حيث قيادة شعب نحو الحرية.

آن الأوان أن نصارح شعبنا وأن لا نلتف على إرادته ونحاول تزويرها عبر إجراءات لا تسمن ولا تغني من جوع، آن الأوان أن نكون شعبا واحدا وقيادة واحدة تصطف معا على أرضية الأهداف الوطنية، لا على أعراض زائلة وباهتة من مكتسبات حققتها نخبة  فيما شعب بأكمله يسأل السؤال الكبير ... وماذا بعد؟؟؟

ترى من يجيب على سؤال الشعب؟ أم أنه وحده الذي يكتشف الجواب؟

(وطن للأنباء)