عادات القرى المدمرة وتقاليدها "تعود" إلى الحياة

بالعربي: أعاد شهود على النكبة الحياة إلى عادات قراهم المدمرة وتقاليدها، ورسموا، خلال الحلقة (41) من سلسلة "ذاكرة لا تصدأ" لوزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة  ألوان الأعراس، وطقوس الأحزان، ووداع حجاج بيت الله الحرام، والمواليد الجدد، والاحتفاء بتخريج طلبة الكتاتيب والمدارس.

الداية خديجة
يروى أحمد صالح أبو سريس: كانت خديجة الشيخ سالم داية القرية ( القابلة)، فتشرف على النساء خلال الولادة، ثم يذهب الأب الجديد إلى مختار القرية أديب النجمي، الذي كان بدوره يُسجلها في المحكمة الشرعية بحيفا، ولكن أغلب الأهالي لم يتابعوا، وقتها، إحضار شهادات الميلاد، لدرجة أن بعض مواليد تلك الأيام أحضروها بأنفسهم بعد نكسة 1967!

وبحسب أبو سريس، المولود في الكفرين عام  1938، فقد كانت نساء القرية يجهزن الأطباق والمشروبات الشعبية كالقرفة والحلاوة والخوية والكراوية، أما الرجال فيوزعون راحة الحلقوم والقطّين) التين المُجفف).أما اللواتي كن يتأخرن في وضع مواليدهم، فتلجأ عائلاتهن إلى العادات الشعبية وبعض الخرافات والأساطير، كإرسالهن إلى (عين حمد) أو وضعهن في غربال وهزهن، وتلبيسهم لزي خاص.

يوالي: كان الطهور مناسبة كبيرة، وفيه يحضر الأهالي الحلوى، وتطلق الأغاني الشعبية، ويجتمع الرجال في مجالس كبيرة، وتعد الولائم بعد ذبح (العقيقة). وحين تظهر الأسنان في فم الطفل، وكانوا يقدمون القمح المسلوق ( السليقة) ويوزعونه في أطباق على الجيران وأهالي البلدة، الذين يعيدونها بدورهم مليئة بهدية مباركة للطفل.

"الصحافي يوسف"
يسترد أبو سريس: كان يوسف زكي يعمل منادياً، فيحمل الأخبار، مثل الصحافيين اليوم، إلى القرى المجاورة لإبلاغهم بالمناسبات والتطورات الاجتماعية، كالمواليد والأعراس وحالات الوفاة، وكان يحصل على أجر وهدايا من الأهالي.

يتابع: حين كنا نعلم بوفاة أحد سكان الكفرين، كانت الدنيا تنقلب رأساً على عقب، وبعد الجنازة وغسيل الميت الذي يتولاه الشيخ عبد الله حسن، يتكفل الجيران من غير الأقارب بإطعام عائلة الفقيد ثلاثة أيام، وبمرور أربعين يوماً يُجهزون طعام (الزلابية) والفطير عن روحه، ويستذكرون العيد الأول له. وللأسف كانت هناك عادات سلبية ترافق الموتى، مثل اللطم وحلقات النواح للنساء، وتشقيق جيويهن وتمريع شعورهن، وتعفير أنفسهن بالسكن (الرماد)!

ولا ترحل من ذاكرة أبو سريس، كيف أن الجيران كانوا يمتنعون عن طلاء بيوتهم بالشيد(الجير)، ويؤجلون الأفراح، ويتوقفون عن طبخ بعض الأكلات كالمفتول والكعك؛ حرصاً على عدم إيذاء مشاعرهم.

أعراس
يوالي: أما في الأفراح، فقد كانت الكلمة الأولى والأخيرة للأهل وليس للعروسين، الذين يمنع عليهم اللقاء، طوال الخطوبة، إلا في يوم الزفاف، وكان المهر لا يتجاوز المئة جنيه بين الأقارب، و 150 للغرباء. وتسبق التعليلة العرس عدة ليالي ( بين 3 إلى سبع ليالً)، وفيها تُضاء المشاعل، وتُشعّل النيران، و تُجهز الدبكة الشعبية، وأشهر من عُرف بها محمد محمود أبو علي( أبو كمال)، وأمين أبو لبادة.

ووفق أبو سريس، فإن العادات التي اختفت خلال الأعراس، ثثمثل في الفاردة ( وهي إحضار العروس من القرى المجاورة على هودج ( جمل) أو فرس، والالتقاء في منتصف الطريق إذا كانت العروس بدلا (نكاح شغار)، ودعوة العروس للضيافة أول ليلة في البلد في بيت أول من يُعلق منديله في عنق الفرس أوالجمل الذي يحملها. كما توقفت عادة (هدم العم) و(هدم الخال)، وهما إحضار  بذلة لعم الزوجة وخالها من أهل العريس،  وطريقة دفع نقوط العريس في البيت الذي كان يعزم فيه قبل ليلة الدخلة، إذ يتناوب الرجال على الوقوف، ويعلنون عن مقدار النقوط. وتوقفت عادة (طبخة الشباب)، وهي تدفع من أهل العريس لشباب القرية الذي أوصلوا قافلتها إلى مكان التقاء أهل العريس.

وداع وحج
كان الأهالي يُعدون حفل وداع للحجاج، ويدفع الرجال نقوطاً لهم، وفي المقابل يحضر المسافر هدية من بيت الله الحرام لهم, وكانوا  يسافرون إلى حيفا، ثم يركبون بالسفينة حتى ينتقلوا من البحر الأبيض إلى البحر الأحمر، فمكة
والمدينة، ويعودون في حالة صعبة وتعب شديد. وتتشارك كل مجموعة من الجيران في هدية واحدة للحاج.

أهازيج بيسان
وتقص فتحية مصطفى شنابلة، المولودة في بيسان عام 1941، ما علق بذاكرتها من حكايات أمها: كانت تجري للعريس زفة، ويركب على الفرس، أما العروس فنحضرها بـ(فاردة) من القرى والمدن المجاورة، وتغني النساء: "إحنا خطبنا له من بنات الأصل، وإحنا مشينا من بلد لبلد، واحنا خطبنا له من بنات الأدب، ومشينا من عرب لعرب." فيما يتعاون الأهالي في تأمين مستلزمات العرس، وتذبح الذبائح، وتطبخ مناسف الأرز واللبن، وبعضهم البرغل، وحين تعود العروس إلى أهلها في عادة (ردة الأجر)، يأخذون الكعك وأقفاص الدجاج.

تتابع شنابلة: بعد نجاح الطلاب من الصف السابع، أو ختمهم القرآن في الكتاتيب، تقام لهم التعليلة، وتغني النساء، ويوزعون الحلوى، ويستقبلون التهاني من الجيران وأهالي المدينة. وفي الأتراح، كان أهالي بيسان يعدون الطعام لأهالي الميت ثلاثة أيام، أما النساء فقد كان عندهن عادات النواح واللطم وتشقيق الجيوب.

دموع الريحانية
تروي آمنة وراد يوسف صبح، المولودة في الريحانية عام 1940، عادات قريتها القريبة من حيفا: كان أهلنا يوزعون الملبس والحلوى، وبعد أن يسنن الولد ( تشق أسنانه أول مرة ( يُجهزون السليقة( القمح المسلوق) بقدور نحاس( طناجر كبيرة)، ويزينونه، ويوزعونه على الجيران، الذين يعيدون الطبق بهدية ( نقوط). أما الداية فكانت حمدة الباميات، وكان أجرها بعض القمح أو العدس، وبعضهم كان يذبح العقيقة ويوزعها على الطهور، وفيه تعد الاحتفالات، وتأتي مُغنية من ( البرامكة والنّور)، وتحمل الدف، وتغني للنساء، اللواتي يحضرن الشعير، الذي يحملنه على رؤوسهن في لجون نحاس ( أوعية) هدية بدل أجرها، لتأخذه لإطعام خيول جماعتها. وبسبب الجهل كان الناس يميزون كثيراً الأولاد عن البنات، ولا يفرحون إذا كانت المولودة بنتاً، ويوزعون الحلوى للصبيان!

وبحسب الراوية، فقد كانت العادات التي تعقب الموت قاسية وبعيدة عن الدين، إذ تجتمع قريبات الميت في حلقة، ويلبسن الأسود، ويمزقن ملابسهن، ويضعن الرماد فوق رؤوسهن، ويبدأن بالصراخ والنواح وبالقول:  "طّولي عليه بالحلقة يا قايله (قائلة)، يا شاربه خط القلم بالورقة، طولي عليه يا قايلة بالنوحي، يا شاربه خط القلم باللوح."

حياة ونكبة

بدوره أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف: إن "ذاكرة لا تصدأ" وثقت حتى اليوم تفاصيل القرى المدمرة وأوجه الحياة فيها، فتحدثت عن المدارس والكتاتيب، ومواسم رمضان، والأعياد، والتجارة، والمهن المختلفة، والزراعة، والشتاء، والصيف، والثلج، والمخاتير، والدوواين، والعونة، والطفولة، والأطباق الشعبية، والغناء. وها هي اليوم تتبع العادات والتقاليد بفرحها وحزنها.
وأضاف: سلطت السلسلة الضوء في ومضات مرئية على لحظات الاقتلاع القاسية خلال النكبة من اثنتي عشرة مدينة وقرية في شمال فلسطين ووسطها وجنوبها، وجرى بثها في عدة قنوات فضائية.