وصال الشيخ.. بين زعتر جنين وأرغان المغرب: الشغَف يكمُن في التفاصيل

بالعربي- رحمة حجة: بين شمالين: شمال الضفة الغربية وشمال المغرب، تجربة شابة آخذةٌ بالتبلور في عالم الصحافة والأدب، يقرّبنا "الفيسبوك" من  صاحبتها، حيث المسافة بين آسيا وأفريقيا تعيد تشكيل وعيها.

وما إن تكتب في خانة بحث صحيفة "العربي الجديد" اسم وصال الشيخ، حتى تنسدل لديك قائمة مغربية الهوَى، فتحتار أيّ العناوين تختار أولًا كي تنعُم بالتفاصيل. هل تقرأ عن مهمشّي حرفة القصب؟ أم عن فوائد شجر الأرغان؟ وربما عن سبُل مساعدة المشردين؟ أو عن أحمد الدرويش مزركش الثياب؟ وقد تجذبك "العيطة" كموسيقى يألفها المغاربة، أو تغريك عبارة "أما طنجة البعيدة فلا تشترك مع فلسطين إلا بآخر رمق من البحر المتوسط" لتسبر غور الحكاية من أولّ خيوطها، حين داست قدما وصال أول "زنقات" الوطن الثاني.

"الحياة الجديدة" تحاور وصال، التي وُلدت ونشأت في قرية كفرراعي (جنوب جنين)، يتحسس أنفها رائحة الشاي بورق الليمون وزعتر "الحاكورة" المجاورة لبيتها، لتغدو الآن بين دفات قلب أمازيغي كلما ظنت أنها اكتفت منه، تدحرجت فكرة مجهولة تلهثُ خلف تفاصيلها.

عن تجربتك المهنية في فلسطين؟ كان العمل صعبًا خاصة بعد تخرجي، لكن ذلك لم يمنعني أو يوقفني عن أن أكوّن نفسي وأعتمد عليها قبل تحقيق رغباتي.  تطوعت في أماكن عدة، مثل مؤسسة "فلسطينيات"، ومن خلالها عملت مع موقع "وطن للأنباء لمدة ثلاثة شهور. استمريت في العمل التطوعي وبدأت أكتب لجريدة "صوت النساء" وجريدة "آفاق برلمانية"، ثم كتبت لفترة قصيرة لإذاعة "هنا أمستردام".

وأحبّ التجارب إلى قلبي مشروع توثيق تجارب الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال الذي نفذه طاقم شؤون المرأة. التجربة كانت قصيرة، لم أمارس فيها الكثير، لكنها علمتني الكثير.

الظروف التي قادتك للمغرب؟ لم أخطط للانتقال إلى المغرب. كانت زيارتها أمنية صغيرة، ففي خيالي هي بلاد السندباد وبساط الريح الذي قرأته في طفولتي. تم اختياري لبرنامج تدريبي في الإعلام والثقافة والتعليم لمدة ستة شهور في مدينة مراكش، أمضيت ثلاثة منها فقط لأن المؤسسة كانت في طور التأسيس واختارت إنهاء البرنامج حلًا لبعض مشاكلها.

بعدها انتقلت للعمل كمنسقة مشاريع إعلامية في مؤسسة أخرى، لكن لظروف مهنية أنهيت العمل معها، ولغاية اللحظة أعمل مع مؤسسة تهتم بالتنمية بكافة مجالاتها حتى الإعلامية.

وعبر هذه المؤسسة قدمت لمشروع إعلامي يهتم بالإعلام المحلي وبالمواطن والشباب بالدرجة الأولى، وسوف أقدمه بطريقة مختلفة تمامًا عن المواقع المحلية الإخبارية الموجودة في طنجة أو شمال المغرب بشكل عام.

ماذا أضافت المغرب لك، شخصيًا ومهنيًا؟   تتداخل الإضافة بين الشخصي والعملي. تعلمت في المغرب المغامرة والإيمان برياحها. صحيح أنني واجهت بعض الصعوبات لكن الإيجابيات أكثر من السلبيات.

المهم هو الكتابة بالنهاية. ما التحديّات التي تواجهينها كامرأة مستقلة تعيش في دولة أخرى وخاصّة كصحافية؟   انفصلتُ عن بيت عائلتي مذ كنت في فلسطين عندما درست في جامعة بيرزيت. واستقللت عندما كنت أذهب للبقال بنفسي وأشتري حاجياتي، ونضج هذا الاستقلال عندما قمت بإجراءات طلب جواز السفر وطلبت الفيزا لأستقل الطائرة أكثر من مرة. لدي أم مستقلة تقريبًا. في المطارات أنتِ كأي مسافر عادي، أو في الحياة الاجتماعية، طبعا الأمر يتلخص بالتعرف على أماكن جيدة للسكن، وأماكن هادئة للجلوس والقراءة، ثم المكتبات التي توفر الكتب حديثة الطبع، وفتح حساب بنكي، والبحث عن محلات الوسادات المريحة، وعرض الجواز الفلسطيني بكل حرية والافتخار عند كل معاملة رسمية، ثم التعرف على شبكة الطرق التي تأخذني إلى كل ما أريد، بعدها استيعاب اللهجة المغربية. إذ كانت بصعوبة أي لغة أجنبية أخرى، حتى أننا نتصادم في المقابلات الصحافية.

التحدي الذي أواجه في الكتابة الصحافية هو البحث عن القصص والمواضيع التي تستحق التغطية، والوصول إلى مصدر المعلومة الصحيح، خاصة أنني أكتب لجريدة خارج المغرب. بالمجمل، الأمر ممتع طالما أكتب عن الحالات والأخبار التي لا ظلال لها، ويجب أن أفتش عليها بصدق وأصلها حتى ولو بعد وقت.

يُقال إن الغريب في مكان ما ينتبه لتفاصيل عادة ما يُغفل عنها سكانه، أين أنتِ من ذلك؟ الانتباه للتفاصيل هو حاسة ترتبط بحاسة تذوق الفن والجمال للحالة/ القصة/ الحدث والزاوية التي تنظر منها، مثل إيقاع أي قطعة موسيقية، شيء ما يجعلك تهتز، وشيء ما يجعلك تشعر كأنك ترقص بهدوء. ربما أهتز في معظم التفاصيل، رغم أن شكلي لا يوحي بأنني امرأة تهتم بالتفاصيل، لكن هذه الحاسة عميقة في داخلي.

أنظر إلى قصصي بكل حُبّ. أطاردها. ولا أقلل من أهميتها وقيمتها. وأعرف جيدًا بعدها لم تُعجب الناس، أو يوقفونني في الطريق للإطراء عليها وأسلوب سردها. في المغرب، إذا طُلب منك وصف فلسطين، ماذا تقولين؟ وكيف الأمر معكوسًا؟ سؤال صعب. الناس في المغرب لا تريد أن نصف لها فلسطين؛ تريد الذهاب إليها. أما المغرب في فلسطين، فيمكنني اختزالها بكأس شاي ستتورط بسكرها، وبمقهى "طنجيس" الشعبي في سوق الداخل بطنجة. من هناك يمكنك معرفة ما هو المغرب، وثقافته، وناسه، وطعامه، وتراثه، وسُيّاحه، وصوته.

بين الأدب والصحافة، أين تريدين الوصول؟ أطمح بتحقيق كل فكرة مشروع إعلامي، لنفسي وللشباب في المغرب، فهناك الكثير من المهارات التي يجب تعلمها وإتقانها. الصحافيون الشباب في المغرب طموحون ويحتاجون أي فرصة قد تغير من أدواتهم وأساليبهم الصحافية بعيدًا عن النظريات الأكاديمية الخانقة.

ما أسعى إليه هو ترك أثر بكل ما أوتيت من قوة أفكار، لعلّ بعدها أسافر لأكمل دراستي. أحاول قدر الإمكان أن أكتب وأترك الكلمات على الجانب، فالكتابة بالنسبة لي الآن كزيت "اللافندر"- الخزامى الذي يُنصح به للبشرة إضافة إلى ماء الورد؛ سيكون لك وجه جميل، قليل الكلف، وهكذا النصوص.

مقولات أو نصوص تستمدين منها القوة؟ أجد كل يوم مقولة بداخلي أقولها لنفسي. كما أجد كتابات حسين البرغوثي طعامًا أشتهيه من حين لآخر. نصوصه تشبه قطع الحلوى التي كانت تخبئها الجدات أو الأمهات في الخزانة وتغلق عليها بالمفتاح، يمكن بعد يومين أو ثلاثة يسمحن لك بقطعة، أو حتى بعد شهر. شخصيات مُلهمة في حياتك؟ صدقًا، أنا بعيدة عن الشخصيات الملهمة. كثيرًا ما أفاجأ بكاتبة أو كاتب أميركي مثلًا يعبّر عما يدور بداخلي بطريقة ذكية وأكثر جمالًا وبذخًا وتكثيفًا وصورًا لا حصر لها من العذوبة.

هنا أتحسر، أتذوق الأسى، مثلا خذي نصّ "أن أفتح بابا" لكاترين بوزي التي ترجمها الصديق الخضر شوادر إلى العربية، تقول: لم أكن قد شعرتُ بأي شيء بعد كنتُ نائمة مثل صدفة كنتُ صدفة والبشائر تتهاطل من حولي لا شيء منها ينفذ في داخلي كنت عصيّة لكن شعوري بالحياة مهيمن وكان لا بد من أن أفتح بابا ولم أستطع. أن أفسح للوضوح، في العَشَاء بالقرب منك .. فاكتشاف نفسك في نصوص الآخرين صدفة عليك أن تفتحي لها الباب حتى لو أبكتك.

(المصدر : الحياة الجديدة)