كيف تدير الـ "دواوين" خلافة داعش؟

بالعربي- وكالات: على أرض فاقت مساحتها مساحة بريطانيا العظمى، وتجاوز تعداد سكانها الستة ملايين نسمة، وقد وصلت بعض التقديرات الـ 10 ملايين، تقع هناك دولة البغدادي، تلك الأراضي الممتدة على مساحات من دولتين، العراق وسوريا، يسعى تنظيم الدولة "داعش" أن يضع بصمته ويعرض نفسه كدولة جديدة.

يدير تنظيم الدولة داعش الأراضي التي تحت حكمه بالقوة والسطوة المتعجرفة وسادية واضحة جدًا، يزهق التنظيم أرواح المعارضين للحكم بآلتهم الجاهزة "الردة"، لا مجال لحلول وسط أو تسويات في الأراضي التي يستولي عليها التنظيم، ولكن السؤال الأهم كيف تسير شؤون العباد في تلك البقعة من الأرض خاصة الأمور غير العسكرية من تجارة، زراعة، تعليم، صحة، وغيرها.

أقدم التنظيم على تقسيم الأراضي التي تحت حكمه إلى ولايات، وكل ولاية تحتوي على مجموعة من الدواوين التي تدير مصالح الناس وفق رؤية التنظيم للحكم.

وضوح الرؤية لطريقة حكم التنظيم لم تظهر إلا في مدينة الموصل، حيث وقعت الموصل بيد التنظيم في 10 يونيو من عام ٢٠١٤، وأصبحت عاصمة لخلافته ومصدر ثقله، فهي تحتوي على ثلث سكان الأراضي التي يسيطر عليها، وتشهد سيطرة تامة منذ أكثر من عام، جعل التنظيم يطبق رؤيته في الحكم بشكل واضح.

يقسم البغدادي دولته لمجموعة من الولايات؛ وكل ولاية تحتوى على والي ونائب وشرعي، ويدير الولاية بثلاث مجموعات، المجموعتين الأولى والثانية هي عبارة عن دواوين (دوائر مختصة بنوع معين من شؤون الولاية) نجد في كل ولاية أحد عشر ديوان ومجموعة من الهيئات المستقلة التي تتبع للوالي مباشرة دون المرور بالديوان.

وأبرز دواوين الخلافة هي:

ديوان الحسبة

من أكبر الدواوين في عدد الأفراد وأكثرها ظهورًا في الإعلام، يختص الديوان بمراقبة الناس وتطبيق قرارات التنظيم، ويقترب في عمله من "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، التي تطبق القوانين الاسلامية (حسب شرح التنظيم لشرع الله)، فهي تعتقل أي شاب لا يطلق اللحية، وتعاقب النساء إذا لم يلتزمن بلبس السواد الذي يغطي كل الجسد، وهو المسؤول عن تفجير المساجد، المراقد، الكنائس، والآثار، ورجال الحسبة اليوم أغلبهم من الأطفال الذين لم يتجاوزوا الثامنة عشر من العمر، ونساء الحسبة يطلق عليهن الـ"عضاضات"؛ لاستخدامهم عقوبة غريبة للنساء المخالفات لقرارات التنظيم، حيث يقومون بوضع آلة حديدية في الأسنان تغرس في أيادي وأقدام النساء للعقوبة، ويعد الديوان الأكثر تواجدًا داخل المدن، وتعد تصرفاته المصدر الأول لنقمة الأهالي على التنظيم.

 ديوان التعليم

والمسؤول عن الديوان شخص كنيتة "ذي القرنين"، مصري الأصل ألماني الجنسية، وهو المسؤول عن المدارس والمعاهد والكليات، وأبرز ما قام به ديوان التعليم تغير المناهج التعليمية كما ظهر في إصدار التنظيم عام على الفتح، مع إلغاء مجموعة من الكليات والمعاهد كان على رأسها كلية القانون، العلوم السياسية، الفنون، والترجمة، فيما وضع مادة التربية الجهادية كبديل عن مادة الرياضة في المدارس، ومن أبرز الأمور هو خسارة الموصليين عامين من الدراسة في ظل سيطرة التنظيم على المدينة، كما تم الإعلان مؤخرًا عن وظائف للمدرسين في الديوان بعد امتناع المدرسين السابقين عن البيعة للتنظيم.

ديوان الصحة

وهو الديوان المسؤول عن المستشفيات والمراكز الصحية والصيدليات وكل الأمور المختصة بقطاع الصحة، كان أبرز ما صدر من التنظيم في هذا المجال هو مصادرة أموال وبيوت الأطباء الذين غادروا أراضي التنظيم هربًا من بطشه، وشدد التنظيم على الأطباء بشكل كبير لمنع خروجهم من المدن التي يسيطر عليها، ويعد قطاع الصحة من أكثر القطاعات تدهورًا بعد سيطرة التنظيم، وشهد تجاوزات خطيرة خاصة من رجال الحسبة على الطبيبات التي فرُض عليهم عدم معالجة الرجال ولبس الخمار والملابس السوداء، الأمر الذي اعتبرته الطبيبات إهانة واضحة في حقهم وتجاوزًا صريحًا لخصوصية المهنة الإنسانية.

ديوان الزكاة والصدقات

فرض التنظيم منذ أيامه الأولى مبالغًا على أصحاب الدور والمحلات التجارية، تُدفع لديوان الزكاة والصدقات، ويقوم التنظيم بتوزيع مبالغ على بعض العوائل وخاصة عوائل قتلى التنظيم، ويقدر خبراء أن ما يصرف لا يتجاوز ١٠٪ من المبالغ التي يتم جبيها من الناس، ويعد قرار التنظيم بتخصيص ٢٠٪ من أموال ما يسمى بالغنائم لمن ثبت إنتسابه لـ آل بيت النبوة من أبرز قراراته.

 ديوان الزراعة

هو الديوان المسؤول عن أمور الزراعة والأراضي والمحاصيل، ولمن لا يعرف الموصل فهي سلة خبز العراق، وأبرز المناطق الزراعية تقع اليوم تحت حكم التنظيم، فيما يسمى بمنطقة الجزيرة (الأراضي المحصورة بين دجلة والفرات)، وهي أرض خصبة ومن أبرز محاصيلها الحنطة، ويعد أبرز قرارات الديوان هو مناشدة الأهالي بتخزين المحاصيل خوفًا من حصار مرتقب على المدن القابعة تحت سيطرة التنظيم، مما يُعد اعتراف ضمني أن هذه الحالة من السيطرة قد لا تستمر.

ديوان الدعوة والمساجد

وهو الديوان الذي ينظم أمور المساجد والمختص بتعين الأمة في المساجد والخطباء، وعن الدورات الشرعية التي تعطى بشكل دوري في المساجد، ويصدر الديوان خطبة جمعة موحدة يلتزم بها خطباء المدينة ويعاقب من يخالف بعقوبات تصل أحيانًا إلى القتل، ويعد أبرز قرارات التنظيم إصداره مواقيت صلاة جديدة تختلف عما كانت موجودة سابقًا، مما دفع بعض الأهالي لترك الصلاة في المساجد.

ديوان الخدمات

ويشمل كل من خدمات الماء، الكهرباء، الصرف الصحي، الطرق، الجسور، البلدية، وغيرها، ويعتمد التنظيم على الموظفين الموجودين في تلك الدوائر، والتي يصرف رواتبهم من حكومة بغداد، فيما شهدت المدينة عمليات تبليط وتنظيم للشوارع وإنارة الطرق ورفع النفايات بشكل كبير، غير أن الأمر لم يتجاوز مرحلة السطحية فلا يوجد أي عمل حقيقي أو مشروع تطوير، وإنما يقتصر الأمر على المظاهر الخارجية فقط.

ديوان الركاز

ويقصد بالركاز هو كل ما يستخرج من باطن الأرض من النفط والمعادن وغيرها، ويُعد أكبر مصادر التمويل للتنظيم؛ حيث يشمل الديوان ما يستخرج من النفط وما يتم بيعه، كما يعد معامل الأسمنت في الموصل والكبريت أحد أكبر مصادر التنظيم درًا للأموال، حيث قدر الباحث هاشم الهاشمي أن التنظيم يستحصل ما يقارب ٢٠٠ ألف دولار بشكل يومي فقط من بيع الأسمنت، إضافة إلى أن التنظيم يعتبر الآثار من الركاز فتجد هناك قسم في ديوان الركاز يسمى قسم الآثار، وهو المختص بالتنقيب وبيع الآثار.

هذه الدواوين الثمانية يحكم بها التنظيم الجوانب الخدمية على الأرض لكن لها دور أمني؛ فكثير من عناصر هذه الدوائر مسلحون وأمنيون، يعملون كشبكة كبيرة من الاستخبارات للتنظيم مزروعة بين الأهالي، تعمل على رصد أي تحرك أو نواة لثورة أو انشقاق على التنظيم وسيكون لدينا شرح مفصل للدواوين الثلاثة الأمنية، بالإضافة للهيئات والمؤسسات غير التابعة لديوان والتي ترتبط مباشرة بالولاية في المقال القادم، ليكون هناك تصور حقيقي لكيفية حكم البغدادي دولته.