المسجد الأقصى بين فكيّ المؤسسة "الإسرائيلية" ومنظمات الهيكل

بالعربي: لم يكن يوما حلم بناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى مقتصرا على منظمات الهيكل أو من يطلق عليهم “متطرفين يهود” فقط؛ بل هي قضية محورية – إن لم تكن “القضية” – قامت عليها الصهيونية منذ تأسيسها واعتبرتها نقطة “الخلاص الأخير” في مشروعها الاحتلالي.

وقد حاولت سلطات الاحتلال منذ احتلال شرقي القدس عام 1967 التستر على عنصريتها من خلال النأي بنفسها أمام العالم عن نشاطات منظمات الهيكل في المسجد الأقصى، وتصوير ذاتها على أنها الحارس الأمين على المقدسات الدينية في القدس المحتلة كمبرر لوجودها، وحفاظا على الوضع القائم وحقوق جميع الديانات فيها.
إلا أن الأحداث الحالية في العالم العربي وما يعانيه من انقسامات واقتتال داخلي، أوهمت المؤسسة الصهيونية أنها قادرة على تطبيق مشروعها في بناء الهيكل المزعوم، مقابل اعتقادها بعجز العالمين العربي والاسلامي عن صدها. وشجع ذلك المؤسسة الرسمية بالكشف عن علاقتها المتينة مع جماعات الهيكل، حيث تصدّر أعضاء كنيست ووزراء في الحكومة الاسرائيلية اقتحامات المسجد الأقصى والدعوات المباشرة لتقسيمه، رغم ادعاءات نتنياهو المتكررة التزامه في الحفاظ على الوضع القائم.
وللاطلاع على موقف نتنياهو من تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى نورد رسالة بعثها بتاريخ 7.3.1995 الى المتطرف يهودا عتصيون الذي حاول تفجير المسجد الأقصى في ثمانينيات القرن الماضي، ذكر فيها ما يلي: “حق اليهود في “جبل الهيكل” غير قابل للنقاش، أعتقد أنه يجب تطبيق حق اليهود بالصلاة في هذا المكان، خاصة وأننا نتيح حرية العبادة لجميع الديانات في مدينة القدس. من الواضح أنه يجب معالجة هذا الأمر بحذر وأنا أؤمن أننا نستطيع تحقيق ذلك كما يجب”.


وجهان لعملة واحدة


لا يمكن الفصل بين المؤسسة الرسمية الصهيونية وجماعات الهيكل، ويتمثل التنسيق والتعاون بينهما في أكثر من شكل الى جانب تمويل مشاريع ونشاطات منظمات الهيكل من قبل الوزارات الحكومية المختلفة. في حين لم تتعارض سياسات الطرفين يوما رغم تراشق الاتهامات إعلاميا بينهما، بين الفينة والأخرى، بهدف امتصاص الغضب أو الاحتجاج في العالم على انتهاكات منظمات الهيكل في المسجد الأقصى.
الكنيست: من خلال اللجان المنبثقة عن الكنيست كلجنة الداخلية التي ترأستها العام الماضي عضو الكنيست ميري ريغف من حزب الليكود، تُسن قوانين لإضفاء الشرعية على الوجود اليهودي في المسجد الأقصى وأداء شعائر توراتية فيه، في مقابل الانتقاص من حق المسلمين وصلاتهم أو تعبدهم فيه. كما تُطرح في الكنيست قوانين بين الحين والأخر لانتزاع ما تبقى للمملكة الأردنية من وصاية أو ولاية في المسجد الأقصى، من أجل بسط السيادة الصهيونية  كاملة عليه.
ما يسمى بوزارة الأمن الداخلي الصهيوني توفر شرطة الاحتلال الحماية للجماعات اليهودية التي تقتحم المسجد الأقصى وتعتقل أي شخص يعترض على هذه الاقتحامات، عدا عن الاعتداء على المصلين والتضييق على تحركاتهم في رحاب المسجد وعلى مداخله.
وزارة الاعلام ووسائل الاعلام العبرية: بعد أن كانت أخبار جماعات الهيكل ونشاطاتها في المسجد الأقصى منحصرة في بضعة وسائل إعلام تابعة لها، تتسابق حاليا وسائل الاعلام العبرية المركزية، المكتوبة والمصورة، على تسليط الضوء على قضية الأقصى بحسب الرؤية الإسرائيلية التي ترى بالمصلين فيه همجيين يعتدون على “الزوار” اليهود في المسجد الأقصى.
وزارة القضاء: تحارب سلطات الاحتلال الوجود الإسلامي في المسجد الأقصى بعدة وسائل، منها قرارات الاعتقال والإبعاد عن المسجد الأقصى التي تصدرها المحاكم الصهيونية بحق المصلين، بحجج وذرائع تتعلق بمظاهر الاعتراض السلمية على اقتحامات اليهود في المسجد الأقصى كالتكبير والهتاف نصرة للأقصى.
وزارة التربية والتعليم: تتضمن المناهج التعليمية في المدارس اليهودية وخاصة التي تقع في المستوطنات ومدينة القدس المحتلة، مواد تدعم الروايات الصهيونية  الباطلة التي تنكر اسلامية المسجد الأقصى. كما تنشط جماعات الهيكل في المراكز التعليمية والتربوية في أنحاء البلاد، إذ تبادر الى فعاليات ومشاريع تربوية تهدف الى إدخال أسطورة الهيكل الى صلب العقيدة الإسرائيلية.
وزارة السياحة: تتحكم سلطات الاحتلال بمفاتيح باب المغاربة الذي يدخل منه المقتحمون اليهود والسياح الأجانب، وهي تقرر أعداد وخلفيات الأجانب من دول العالم، عدا عن توفير مرشدين سياحيين يلقنونهم معلومات تاريخية لا تمت للواقع بصلة، وإنما تخدم أهداف الاحتلال التهويدية في القدس والمسجد الأقصى.
سلطة الأثار: تجري جمعيات متطرفة كمنظمة العاد أعمال حفريات أسفل وفي محيط المسجد الأقصى تحت رعاية سلطة الأثار، وتهدف الى محو المعالم الإسلامية وتهويد تاريخها بالكامل. كما تم بناء كنيس وقاعات أسفل المسجد الأقصى يزوره عشرات الالاف سنويا من الصهاينة والسياح الأجانب.
مستقبل الأقصى مرهون بلُحمة الأمة الإسلامية على الصعيدين الرسمي والشعبي
وفي ظل تولي أعضاء مؤيدين لأسطورة الهيكل حقائب وزارية هامة في الحكومة الجديدة غالبيتهم من حزبي “البيت اليهودي” و “الليكود”، تشتد حدة المخاطر التي تحيط بالمسجد الأقصى أكثر من أي وقت مضى، مما يلزم العالم الإسلامي التحرك الفوري على المستويين الرسمي والشعبي، لإيقاف هذه المخططات قبل أن تنال من إسلامية المسجد الأقصى.
وتوقع رضوان عمرو – مدير مركز المخطوطات في المسجد الأقصى – أن الحكومة الجديدة التي أفرزت نسبة تطرف عالية، سوف تسخّر كافة أدواتها لمشروع تقسيم المسجد الأقصى، من ضمنها وزارة القضاء التي تترأسها أييلت شاكيد من حزب “البيت اليهودي”، الأمر الذي سينعكس على ثلاثة ملفات هامة هي تقسيم المسجد الأقصى والاقتحامات وملف الإعمار فيه.
وفي مقارنة مع العام الماضي الذي وصفه البعض بـ “العام الأسود” في المسجد الأقصى، أشار عمرو الى أن العام 2014 سيكون “نسخة مبسّطة” لما هو أت، في حال لم تتحرك السلطة الفلسطينية والمملكة الأردنية وجميع الأنظمة العربية لردع الاحتلال عن المضي قدما في تحقيق أطماعه في المسجد الأقصى.
وأضاف أن التعويل الحقيقي يقع على الفلسطينيين في القدس والداخل الفلسطيني الذين أثبتوا قدرتهم على صد هذه المخططات، وإجبار الاحتلال على مراجعة حساباته قبل التقدم فيها. إلا أنه شدد على أن الإنجازات الشعبية لا تعفي الأنظمة من التحرك لإنقاذ الأقصى من براثن الاحتلال، والتلاحم مع شعوبها من أجل تحقيق النصر الموعود.

 

نقلا عن رأي اليوم