بعد تسع سنوات

بالعربي: في 12 تموز 2006 هاجم حزب الله قوة إحتلالية صهيونية  قرب السياج الحدودي. واعلن حزب الله أن جنديين صهاينة خطفا في الهجوم باتا بحوزته. في ذلك المساء قررت حكومة الإحتلال شن حرب أسميت لاحقاً «حرب لبنان الثانية». طوال 34 يوما من القتال سقط 119 جندياً وضابطاً من جيش الإحتلال فضلاً عن 45 مدنيا.

أثناء ذلك القتال أطلقت على الأراضي المحتلة أعداد غير مسبوقة من الصواريخ، حوالي 4 آلاف بالإجمال، شلت شمال البلاد من خط الحدود مع لبنان إلى العفولة وحيفا. العملية الختامية البرية في الحرب، حظيت بانتقادات شديدة. قيل حينها إن العملية كانت من دون حاجة ونبعت من اعتبارات حزبية.
مع انتهائها اعتبرت حرب لبنان الثانية فشلاً لكيان الإحتلال، وكان المسؤولون في نظر الجمهور الصهيوني عن الفشل قادة الحرب: رئيس الحكومة الصهيونية، إيهود أولمرت،وما يسمى  "بوزير جيش الإحتلال" عمير بيرتس، ورئيس الأركان الصهيوني الجنرال دان حلوتس.
في التسع سنوات اللاحقة منذ الحرب ساد الهدوء التام تقريباً الحدود الشمالية. في هذا الوقت غدا حزب الله قوة عسكرية أقوى من أي وقت مضى يملك آلاف الصواريخ التي تهدد كل نقطة في الكيان. قادة الحرب الثلاثة لم يتحدثوا عن الحرب علناً منذ ذلك الحين، ولم يحللوا خطواتهم. الآن، للمرة الأولى، يقفون أمام الكاميرا ويتحدثون عن كل شيء.
وتقريباً بعد عقد من الزمان، لا نزال جميعاً نسأل ما هي أهداف الحرب تلك؟ وهل المعادلة الفظيعة للمهمة مقابل حياة الجنود لعبت دوراً؟ ولماذا رغم ذلك أعطي الضوء الأخضر للعملية البرية الختامية؟ ماذا حدث في بنت جبيل؟ وهل جرت مطاردة  لحسن نصر الله؟ والأسئلة كثيرة.


هل كذب أولمرت؟


في 17 تموز 2006، بعد خمسة أيام من الحرب، صعد رئيس الحكومة الصهيونية أولمرت إلى منصة الكنيست. وهناك، في أول تصريح تحدّث عن أهداف الحرب في لبنان. قال حينها: «سنناضل من أجل إعادة الأبناء إلى بيوتهم»على حد قوله . بعد تسع سنوات يكشف رئيس الحكومة الصهيونية حينها أنه في وقت إطلاق هذه الكلمات، كان يعرف أن الصورة مغايرة تماماً. ويعترف أولمرت بعد سنوات ويقدّم التفسير: «أقول لك بالضبط ما أعرفه. في التقارير التي تلقيتها من قادة الجيش الصهيوني قيل إن واحداً من الجنود كان بالتأكيد قتيلاً والثاني هناك فرص جيدة بأنه على قيد الحياة. وبين أسباب ذلك أنه كانت في الصدرية علائم إصابة لواحد بما هو أكثر من رصاصة، حينها تبين لنا أن واحداً على الأقل كان بين القتلى».
ويضيف أولمرت: «إن استخدام اختطاف أودي غولدفيسر وألداد ريغف كان بالتأكيد أمراً مشروعاً في ظروف الحدث. وبسبب أني أعرف أنني تحت أي ظرف لن أسير على خطى ما فعله من خلفته في المنصب (أرييل شارون)، الذي أفرج مقابل تيننباوم وثلاثة المخطوفين، عن المئات 
وقد خبر رئيس حكومة الصهيونية تلك الحرب عملية اختطاف أخرى لجندي صهيوني، ففي ذلك الزمن بالضبط اختطف أيضاً جلعاد شاليط. وفي هذا الحدث كذلك لم يسارع أولمرت لإبرام صفقات. وأضاف: «مثلما لم أسارع بسبب غولدفيسر وريغف فإنني أيضاً لم أسارع لاستبدال جلعاد شاليط، رغم أنه كان بوسعي فعل ذلك بشروط أفضل بما لا يُقاس من تلك التي وافق نتنياهو عليها».


كيف فكّر غادي آيزنكوت بالجيش؟


وقد دفع رئيس أركان حرب لبنان الثانية، الجنرال دان حلوتس، أيضاً، ثمن الانتقادات الشعبية الشديدة واستقال من منصبه كقائد للجيش بعد أقل من عامين. ويصف حلوتس حواراً أجراه مع رئيس شعبة العمليات حينها، رئيس الأركان الحالي غادي آيزنكوت. وقال حلوتس: «قال لي آيزنكوت إنني أعيش في وهم. قال لي إن هذا ليس سلاح الجو، فهنا سوف يفعلون كل ما هو ممكن من أجل عدم تنفيذ أوامري. أنا قلت له قل لي من أين أنت أتيت؟ من أين أنا أتيت؟ ... إذا أعطيت أمراً هنا فينبغي لك أن تتأكد أنه نفّذ، ولا تفترض أنه نفّذ».
وأضاف رئيس الأركان السابق أنه حينها، وربما للمرة الأولى اصطدم بعقلية مغايرة لما هو قائم في سلاح الجو. وقال: «في الثقافة التي ترعرعت عليها، أنت تعطي أمراً وبوسعك أن تذهب لتنام متأكداً أنه سينفذ، ولكن آيزنكوت بيّن لي أن هذا ليس الحال. والواقع أنه كان على حق».


ماذا حدث في معركة بنت جبيل؟


ثمة خلافات في الرأي بين القادة الثلاثة وهناك نقاط اتفاق قليلة، لكنهم جميعاً يتفقون على أن المعركة على في بنت جبيل كانت إحدى المعارك الحاسمة والأقسى في الحرب. ويشهد الوزير الصهيوني عمير بيرتس على أنه «كان يفترض بهذه المعركة أن تشكل نقطة التحول في الحرب وأن تخلق صورة الانتصار».
ولكن بسرعة كبيرة بدأوا يفهمون في المستويات العليا أنه رغم إعلانات قادة الجيش حول أن «بنت جبيل بأيدينا» لم يكن الأمر كذلك. ويزعم وزير جيش الإحتلال حينها أن «هذا الإعلان كانت الصلة بينه وبين الحقيقة ضعيفة جداً». لكن رئيس الأركان حلوتس يزعم أن الإعلان جاء من منطلق الصورة العامة التي حسمت فيها المدينة بالتأكيد.
ويرد بيرتس على هذه الأقوال قائلاً: «كان هذا حدثاً فائق الخطورة، ونحن لسنا جيشاً مشتبهاً في اصدار تقارير غير صحيحة وكان واضحاً أن نصر الله سيرد على ذلك. وحزب الله معروف بعلاقاته العامة وكان واضحا أنه سيبذل كل ما في وسعه لإثبات أن إعلاننا لم يكن دقيقاً».
هل الضغط على القادة أعطى أثراً؟
في نقطة التحول هذه توجه قائد الجبهة الشمالية لرئيس الأركان، وقال له إنه ينوي الانسحاب من المدينة، لكن حلوتس قال له إن العكس هو الصحيح ويجب تعميق القتال. وخلال أسبوعين من القتال داخل بنت جبيل، تلقى جيش الإحتلال الضربة الأقسى له في تلك الحرب.
ومن هذا الحادث الخطير فصاعداً لم يتوقف الضغط على القادة الثلاثة. بعد 17 يوماً من القتال بدأت تسمع داخل صفوف القيادة العليا في الجيش انتقادات شديدة لرئيس الأركان «الأزرق» (أي القادم من سلاح الجو) الذي لا يفهم الميدان. في حالة محددة يروي حلوتس أنه استدعى خمسة جنرالات ووبّخهم لأنهم يتآمرون عليه.
أثناء القتال بدأ رئيس الاركان حلوتس يشعر بالتعب، فقرّر سوية مع طاقمه وطاقم رئيس الحكومة أولمرت التوجه إلى مستشفى إيخيلوف، حيث أجريت له فحوص وأرسل إلى بيته بعد ثلاث ساعات. ويزعم أولمرت أن «الضرر الذي سينجم عن عدم النشر والإشاعات في الكيان كان أكبر من الضرر في حال بادرنا لنشر الأمر». لكن خلافاً لذلك رد حلوتس أنه «رغم كل ما اتهمت به وفعلوه معي، فإنني لم أكن في نوبة ذعر، وأنا حتى الآن لا أعرف كيف حدث ذلك».
 

وكالات