صندوق النقد: اقتصادات الدول المجاورة لمناطق الصراع تأثرت بنزوح اللاجئين وهروب الاستثمارات والسياحة

بالعربي: قال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي مسعود أحمد، إن اقتصادات الدول المجاورة لمناطق الصراع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تأثرت بشكل كبير بسبب الصراعات الدائرة على حدودها.

وأضاف أحمد، خلال مقابلة في واشنطن، أن نزوح اللاجئين من الدول التي تشهد اضطرابات في المنطقة، وتراجع حركة السياحة، وكذلك ضعف الاستثمارات الحالية والمتوقعة، أدى إلى تراجع ضخم في نمو اقتصادات الدول المجاورة.

وتعانى العديد من الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي، بالشرق الأوسط من أزمات سياسية واقتصادية ونزاعات بما فيها خطر تنظيم “داعش” وتبعات الصراع في اليمن، وانخفاض أسعار النفط، وأزمة إيران النووية، وعملية السلام المتوقفة.

وحول دور الصندوق في مساعدة الدول على مواجهة هذه الأزمات، قال أحمد: “في البداية يجب أن أعترف أن هذه النزاعات والأزمات، تؤثر بشكل سلبي، ليس فقط على الدول التي تحدث فيها أو داخل حدودها بشكل مباشر، بل أيضاً على الدول المجاورة لها بالمنطقة، التي تنعكس عليها بعض الآثار، كنزوح اللاجئين وتأثر ثقة المستثمرين، وتراجع حركة السياحة”.

وقدر معهد التمويل الدولي فى أكتوبر / تشرين الأول 2014 الخسائر التي تكبدتها 8 دول بالشرق الأوسط، نحو 717 مليار دولار خلال 4 سنوات في الفترة بين عامي 2011- 2014، بسبب الاضطرابات في المنطقة أو العقوبات التي فرضها الغرب.

والدول الثمانية هي مصر، والأردن، ولبنان، وسوريا، وإيران، والعراق، وتونس، وليبيا.

وأضاف المسؤول الدولي، أن صندوق النقد يحاول التعامل مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التى ولدتها هذه الأزمات، والتعاون مع الدول التي تتأثر بالصراعات والنزاعات من أجل إيجاد آليات تمكنهم من إدارة عواقب هذه الأزمات والنزاعات.

وأضاف أحمد ضاربا أحد الأمثلة على دعم صندوق النقد الدولي للدول التي تأثرت بالصراعات في المنطقة وعلى رأسها الأردن: “بدأ صندوق النقد الدولي منذ ثلاث سنوات تقريباً، بتقديم دعم إلى الأردن، من خلال برنامج مالي مساعِد لدعم الاستقرار والنمو الاقتصادي”.

ويصل عدد السوريين في الأردن أكثر من 1.39 مليون لاجئ، بينهم نحو 650 ألفا مسجلين كلاجئين لدى الأمم المتحدة، فيما دخل البقية قبل بدء الأزمة بحكم القرابة العائلية والتجارة، ولا يعيش من اللاجئين داخل المخيمات المخصصة لهم سوى 97 ألفا، ويتوزع الباقي على المجتمعات المحلية في الأردن.

وأعلن صندوق النقد الدولي الجمعة الماضية، أنه وافق على الإفراج عن دفعة بقيمة 200 مليون دولار مستحقة للأردن في إطار خطة مساعدة أقرت لهذا البلد في عام 2012 وتناهز قيمتها ملياري دولار.

وأضاف أحمد: “لقد أصبح واضحاً خلال مدة هذا البرنامج، أنّ وجود اللاجئين السوريين في الأردن كان سيكلف الموازنة الأردنية حوالي 1% من الناتج المحلي الإجمالي”.

وكانت وكالات الأمم المتحدة قد قدرت كلفة استضافة 600 ألف لاجئ سوري مسجل لديها في الأردن بـ 2.1 مليار دولار لعام 2013 ونحو 3.2 مليار دولار لعام 2014، فيكون المجموع للسنتين الماضيتين 5.3 مليار دولار، وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أطلقت حكومة عمان خطة تحت عنوان “الاستجابة الأردنية للأزمة السورية لعام 2015″ وقدرت في الخطة احتياجها لنحو 2.9 مليار دولار لمواجهة الأزمة خلال العام الجاري.

وقال أحمد إن صندوق النقد الدولي نفذ عدد من الدورات وورش العمل، للتحذير من تبعات الصراعات على اقتصادات الجوار، ومحاولة توفير الدعم المالي لهذه الدول من اللجان المانحة والدولية.

وأضاف المسؤول الدولي أن تكلفة نزوح اللاجئين السوريين إلى لبنان، مرتفعة وتصل إلى نحو 2.5 مليار دولار، مشيرا إلى أنه في الحالة اللبنانية فإن ما استطاع الصندوق، فعله هو توجيه تركيز كاف تجاه هذه المسألة، والقيام بتحليل الوضع، وبعدها مناقشة التقارير التي يتم رفعها من قبل صندوق النقد للعالم للحصول على الدعم.

وأصبح لبنان الآن لديه أعلى نسبة من اللاجئين في العالم قياساً إلى عدد السكان،  حيث يمثلون ربع المجموع الكلي لسكان البلاد، مما أسفر عن تضاعف معدلات البطالة.

وحول توزيع اهتمام الصندوق بشكل متساو على كافة دول العالم وعدم التفريق في الدعم بين دولة وأخرى، قال أحمد إن اهتمام الصندوق ينصب على دعم كل الدول الأعضاء، حتى يتمكنوا من تطوير قدراتهم وإمكانياتهم، لتحسين حياة شعوبهم بطريقة مستدامة، ولهذا لا يقتصر تركيز الصندوق على استقرار الاقتصاد الكلي، على الرغم من أنه مهم جداً كمفهوم أساسي، بل أيضاً يشمل النمو الاقتصادي.

وكانت قد تعالت أصوات في اجتماعات الربيع المشتركة بين صندوق النقد والبنك الدوليين، تتهم صندوق النقد بأنه يعمل على ألا تتجاوز دول بعينها مستويات معينة للنمو الاقتصادي.

وأضاف مدير إدارة الشرق الأوسط بصندوق النقد، إنه ليس مهماً فقط للدول الأعضاء أن تنمو، ولكن مهم لنموها أن يوفر 

فرص للعمل، وهنا أود أن أقول أن دور صندوق النقد هو توفير مساعدة فنية وخبرة للدول الأعضاء وتمويل ومساعدة لدول المنطقة لكى تنمو وتزدهر.

وحول سبل علاج واحد من أضعف الاقتصادات بالمنطقة وهو الاقتصاد الفلسطيني، قال المسؤول الدولي إن الوضع في فلسطين صعب للغاية في الوقت الحالي، لأن الاقتصاد الفلسطيني لا يتأثر فقط بالأزمات الاقتصادية، والتي كان آخرها حجب إيرادات المقاصة من قبل الاحتلال، بل أيضاً بتراجع المنح الخارجية.

وحجبت حكومة الاحتلال مطلع يناير / كانون ثاني الماضي، أموال المقاصة الفلسطينية (الضرائب والجمارك)، التي تشكل نحو 70٪ من إجمالي الإيرادات المحلية الفلسطينية السنوية، وتعد العمود الفقري لفاتورة رواتب موظفي القطاع الحكومي لمدة 3 شهور تقريبا.

وقامت حكومة الاحتلال قرب نهاية الشهر الماضي، بتحويل نحو 473 مليون دولار، وهي أموال المقاصة عن شهور ديسمبر/ كانون أول الماضي وحتى مارس/ آذار الماضي، بعد اتفاق الجانبين الفلسطيني و"الإسرائيلي" على حل الأزمة وتشكيل لجنة متابعة أية متأخرات أو مستحقات مالية لأي طرف.

وأضاف أحمد أن المؤشرات الإجمالية في فلسطين، تظهر أنه سيكون هنالك فجوة في الميزانية تصل إلى حوالي 1.4 مليار دولار هذه العام، لافتا إلى أنه من غير المتوقع أن يسجل الاقتصاد ككل نموا بشكل كبير.

وعن سبل العلاج قال أحمد: “لكن هنالك شيء يمكن للسلطة الفلسطينية أن تقوم به، وهو اتخاذ إجراءات سواء على مستوى النظام الاقتصادي أو بشكل عام، من بينها النظر في النظام الهيكلي للنفقات الذى تضعه الحكومة”.

وأضاف أحمد أنه يمكن إعادة النظر في النظام الضريبي، ليشمل كل مكونات الاقتصاد المحلي، لأن بعض مؤسسات القطاع الخاص ينبغي عليها دفع الضرائب، وهي في الوقت الحالي لا تمتثل أو تلتزم بها بالشكل الكافي.

وأشار أحمد إلى أنه يتوجب على الحكومة الفلسطينية أن تبتكر طرقاً يمكن من خلالها تأهيل البيئة الاستثمارية، لتسهيل القيام بمشاريع وأعمال تجارية، لافتا إلى أن كل الاجراءات التي يتم اتخاذها من قبل السلطة الفلسطينية قد تساعد على مواجهة الوضع الحالي، ولكن الأمر يحتاج أيضا إلى اجراءات تكميلية من باقي دول العالم للوفاء بالتعهدات التي يتم دفعها من قبل الدول المانحة.

وقال صندوق النقد الدولي في مارس / آذار الماضي إن الاقتصاد الفلسطيني انكمش بواقع 1 % خلال العام الماضي.
وقال أحمد إن الدول المستوردة للنفط في الشرق الأوسط وإفريقيا، يمكنها أن تجنى مكاسب من انخفاض أسعار النفط، من خلال تحويل الوفورات المتحققة إلى الانفاق على أمور أخرى كمحاربة الفقر، وتنفيذ مشاريع استثمارية بهدف زيادة فرص العمل.

وانخفضت أسعار النفط بأكثر من 50 %، في الفترة من يونيو / حزيران 2014، وحتى مارس / آذار 2015.
وأشار أحمد إلى أن الدول المستوردة للنفط أيضاً، ربما تستفيد من انخفاض الأسعار من خلال تخفيض عجز الحساب الجاري.

وفى تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الذى أصدره الصندوق في أبريل / شباط الماضي، توقع الصندوق نمو اقتصاديات الدول المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وباكستان وأفغانستان، بواقع 4 % و 4.4 % في عامي 2015 و 2016 على التوالي، وذلك من 3 % في العام الماضي، بينما خفض توقعاته لنمو الدول المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 2.4 % في عام 2015 ، من  3.9 % في توقعاته الصادرة في أكتوبر / تشرين الأول الماضي، بانخفاض نسبته 1.5 %، كما توقع أن يرتفع النمو إلى 3.5 % في عام 2016.

وحول تحديد سعر برميل النفط، الذى يمكن أن يشكل خطراً على اقتصادات الدول المنتجة فى المنطقة، قال أحمد إن سعر النفط في الوقت الحالي يسبب بالفعل عجز في موازنة العديد من الدول المصدرة للنفط، مشيرا إلى أن النسبة تختلف من دولة لأخرى.

وأضاف أحمد: ” من المهم للدول التي تعانى من عجز كالبحرين والسعودية أن تخفض من نفقاتها بطريقة تجعلها قادرة على تمويل نفقاتها من الايرادات المتوقعة من الضرائب”.

وتوقعت وكالة “ستاندرد آند بورز″ للتصنيف الائتماني أمش السبت، أن يرتفع عجز الموازنة بالسعودية إلى نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015، بناء على توقعاتها بالنسبة لأسعار النفط والأولويات الاجتماعية، والاستثمار، والإنفاق على الدفاع، رغم  أن الموازنة السعودية للعام الجاري تشير إلى أن العجز الحكومي العام سيبلغ حوالي 6٪ من الناتج المحلي.

وقالت وكالة “موديز″ للتصنيف الائتماني قبل أسبوعين، إنها تتوقع ارتفاع عجز الموازنة في البحرين، إلى 14 % من الناتج المحلى الإجمالي في عام 2015،  ثم انخفاضه إلي  10 % في عام 2016.