فشل الفتوة المجنح

بالعربي_وائل عبد الفتاح :  الحاكم «فتوة» ما زال. هو الذكر المجنح الفائز في معركة «ركوب السلطة» على السلطة، وغير ذلك هي أفعال تزيين لا تجعل «الدول» في عالمنا العربي دولاً ولا المجتمعات مجتمعات.

وهذا ما يجعلنا نقيم في «صالة انتظار» واسعة، ننتظر ما لا نعرفه، لكننا ننتظر انتظاراً مطلقاً، بلا هدف. ولا تصور، إلا إذا متابعة سير «الذكور المجنحة» في عودتها إلى مصاف الحكم بعد وقت ثار فيه الناس، أو أقلية منهم، رافعين مطالب (الحرية/ العدالة/ التعدد) عبر صدام مع الدولة الأبوية/ دولة الفتوة/ الوصاية والسلطوية.
نحن في مرحلة «ما قبل الدولة». لا بد أن نعترف. ربما لبنان وحده يعترف ضمنياً بأنه «ليس دولة»، أو فعلياً «بالنفوذ المطلق للطوائف وغياب الرئيس الذي لا يعطل شيئاً». لكن بقية الدول (ممالكها وجمهورياتها) لا تعترف لهذا ليس لديها إلا القهر كائناً من كان الحاكم.
فالممالك نفطها لعنة تدفع ثمنه في عز صعودها، وهذا ما نراه حين تتراكم عائدات النفط في دول الخليج ولا تجد مجتمعاً يمنعها من اللهو الخطر في عالم السلاح والمقاولات (كما حدث في الغارات على اليمن التي يريدون فيها بعد تجريب فائض السلاح في التدمير استثمار المال العقاري في التعمير).
وفي الجمهوريات (من سوريا إلى مصر مروراً بالعراق) امتصت الجيوش والمخابرات كل إمكانات المجتمعات في النمو والنهوض، لتبقى رهينتها، وبعد مضغ البلاد مرات عدة، ما زالت النخب العسكرية ترفض الاعتراف بالفشل في إدارة الأزمات الأساسية، ليبقى الفشل قرينا للقهر... فلا يمكن للنظام أن يتجسد أو يتحقق مع الفشل إلا بالقهر (هذا يسري على أي شخص وأية نخبة لا تعترف بالفشل كتأسيس للعبور من مستنقع الانتظار)...
هل يعترفون؟
- 2 -
تخيّل أحداً ينصح حاكماً يخرج من أطلال الدول بعد تكسير أصنامها في «الثورات»... أو أصداء الثورات...
تخيّل ماذا سيقال للحاكم الذي يريدونه في العقليات الشمولية، بشقها المدني (زعيماً) والديني (إماماً... وأميراً للمؤمنين).
ماذا سيقولون له ليتفادى الثورات القادمة:
ـ لا بد أن تستعد...
استعد جيداً إذا أردت أن تكون زعيماً / أميراً للمؤمنين لتلبي «الصورة» المنتظرة... لتكون شجرة وحيدة في صحراء أعددتها بضراوة مذهلة لتكون إمبراطوريتك... ( فالزعماء وأمراء المؤمنين لا يحكمون البلاد إلا بعد أن يحولونها إلى صحارى)...
تدرّب جيداً على تشغيل ماكينات جز الحشائش التي تنمو خارج نطاق سيطرتك، بعيداً عن قبضتك، وعن تغذيتك الدائمة للأفكار والصورة المستقرة في قاع الوعي و اللاوعي كأقدار لا يحرّكها الزمن ولا التاريخ ولا الاتصال بعالم يتحرّك ويتغيّر... فالمصريون يحبون «المستبد العادل»... و»لا يحكمهم سوى كرباج الفرعون».. أما الكهنة المقيمون في حجراتك الخلفية فهم بائعو الصور القديمة على أنها «الذات» و»الهوية..»... واحرص أن تكون هذه الصور وحياً وإلهاماً خفياً حتى لخصومك ومنافسيك، يعمل بها كل زعيم / أمير يظهر في أرض المعارضة أو في موقع تمنحه تفويضك المقدس... هذه الصور كتابك المقدس وكتالوغ تشغيل ماكينات الحشائش فكلما كان الزعماء / الأمراء بعيدين عنك وصورة مكررة لك، ستستقر صورتك ويبقون هم نسخاً مكررة....
لا تسمح إذن إلا بالتكرار والاستنساخ فهذا سر من أسرار زعامتك... حافظ عليه فهم سيبدون أصغر منك ولو كنت تمساحاً متهدلاً...
انتهت خطبة الناصح لكل حاكم يصعد إلى منصة الفتوة المجنح.
- 3 -
لكنه ليس زمن الفتوة المجنحة...
يهزمون قبل صعودهم إلى المنصات. فلا تنتظر المعجزات إلا شعوب بائسة وعاجزة وفاقدة للروح. وسيبقى الذكر المجنح وحيداً، مفرداً، على منصة تتجمع فيها ومن حوله الكوارث بدلاً من المعجزات.
لهذا يمكن أن نسمع «صوت» مبارك، بعد أن أصبح مومياء استبداد قديم، يعود من قنوات تلفزيونية تعبّر عن مصالح المافيا التي أبعدت عن الحكم، نسمعه في لحظة تنامي مشاعر «استمرار الأزمات» رغم اقتراب نهاية العام الأول على حكم الرئيس السيسي.
وكأن مبارك يمنح بركته للعهد الجديد، أو كأن المافيا التي تحمله على أعناقها تقول إنه «لا دولة بدونها» وتطالب بالشراكة بعد القضاء على «مؤامرة» الثورة على «الفتوة العجوز..».
صوت مبارك الذي ظهر من عالمه السفلي، كأنه الماضي الذي يرفض الرحيل حتى عن أكتاف ورثته من الحكّام الجنرالات، في إلحاح كهنوتي يدافع عن استمرار زمن «الفتوات المجنحة» رغم فشلها.