الوجه الآخر لـ "عاصفة الحزم".. حياة طبيعية في قرى السعودية الحدودية

بالعربي: لم تكن الإعلامية السعودية جيهان حداوي، تتوقع أن تعامل أهالي جازان (منطقة على الحدود السعودية - اليمنية)، مع الحرب التي تدور قريبة من بيوتهم، بهذا الشكل الطبيعي، عندما قررت الذهاب لتغطية الحرب مراسلةً حربية كانت تعتقد أنها ستجد قرى ومدناً في حالة استنفار كامل، وسكاناً لا يغادرون بيوتهم إلا للضرورة، ولكن ما شاهدته كان أمرا مختلفا، تقول حداوي:"انبهرت بالطريقة التي يتعامل بها سكان القرى الحدودية مع ما يدور بالقرب منهم من معارك عاصفة الحزم، دخلت بيوت أهالي فيفا (بلدة تقع على حدود السعودية مع اليمن) وجلست مع شيوخهم، كانوا في قمة الكرم والطيبة، وأيضا كانوا يعيشون حياة عادية، لا علاقة لها بما يدور حولهم من قصف جوي وبري".

الشيء الوحيد الذي يكشف عن أن هناك حربا بالقرب منهم، هو تشكيل قبائل المنطقة، فرق مراقبة مكونة من شباب تلك القبائل للقيام بدوريات راجلة لتأمين الحدود، ومساندة القوات البرية المرابطة عند الشريط الحدودي لمنطقة جازان، يقول الشيخ يوسف الحكمي أحد أعيان فيفا: "نحن لا نتدخل في العمليات العسكرية، بل تقتصر مهمتنا في مراقبة المناطق التي لا يمكن الوصول لها لمنع أي من المتسللين أو مهربي المخدرات الذين يحاولون استغلال الوضع من الدخول لقريتنا"، ويتابع: "عندما نشك بوجود تحركات غير طبيعية نقوم بإخبار حرس الحدود للتعامل معها، هذه قريتنا، ونحن أعرف بمسالكها وطرقها".

يكشف أحمد الفيفي، أحد المشاركين في عمليات المراقبة، أنهم تمكنوا من القبض على أكثر من 60 متسللا أفريقيا، بعد أن مشطوا الجبال الحدودية بالتنسيق مع الجهات الأمنية، يقول الفيفي لـ"العربي الجديد": "نطبق مقولة أن المواطن هو رجل الأمن الأول، هناك طرق وعرة ومسالك لا يعرفها إلا أبناء المنطقة ويستخدمها المتسللون، نحن نقوم بمراقبتها وكشف كل من يحاول المرور منها، وتسليمهم لقوات الأمن، وهم يشكروننا على جهودنا".

حياة طبيعية

بعد انتهاء العمليات السعودية ضد الحوثيين التي دارت رحاها في عام 2009 قامت السعودية بإقامة منطقة آمنة بحدود 10 كلم، على الحدود السعودية اليمنية، هذا الأمر أجبر عددا كبيرا من سكان القرى عن النزوح عن قراهم والانتقال إلى قرى جديدة بعيدة عن مناطق التماس، خاصة بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء، وهو ما عد أمرا غير مفهوم في ذلك الوقت بالنسبة لسكان 96 قرية كانت تقع على الحد الجنوبي، هذه الأيام، اتضحت فائدة المنطقة الأمنية، إذ لم تتأثر قرى ولا قبائل كثيرة من عاصفة الحزم لأنها كانت بعيدة عن الحدود، أكثر القبائل التي كانت ستتضرر من العمليات العسكرية سكان محافظة الحُرّث الحدودية، بسبب علاقتها السيئة مع عصابات الحوثي، التي أمطرتها بالرصاص والقنابل قبل ست سنوات، فما تزال آثار القصف والرصاص تغطي جدران المباني الحكومية في المدينة الصغيرة.

يؤكد غازي مشبب -مدير أحد مدارس محافظة الخوبة- أن المحافظة ما تزال تعاني من آثار العدوان الأول، ولكن هذه المرة لم يكن هناك أي ضرر، ويقول: تغطي جدران بيوتنا ومدراسنا آثار الطلقات النارية، وكنا نعتقد أن الأمور ستكرر هذه المرة، ولكن هذا لم يحدث"، ويتابع: "لم يقدر الحوثي وعصابته على الاقتراب منا، ولو لم تقم هذه الحرب لربما كرروا الاعتداء مرة أخرى علينا".

من يتجول في المحافظة لا يمكن أن يصدق أن هناك حربا على بعد أقل من 10 كم منهم، فالشباب يلعبون كرة القدم في الأحياء، ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي غير عابئين بتهديدات الحوثي، يضيف مشبب: "أجواء الحرب باتت طبيعية لدينا بعد أن عاصرنا حرب 2009 واكتشفنا أن العصابات الحوثية لا تجرؤ على المساس بنا، ولن نوقف حياتنا بسبب الخوف".

لا ترغب وزارة التعليم بتكرار منظر الرصاص على جدران المدارس، لهذا قررت تقديم مواعيد الاختبارات للمدن والقرى الواقعة في الشريط الحدودي لتنتهي هذا الشهر، بدلا من الشهر المقبل، يقول المتحدث الرسمي لتعليم المنطقة حمد آل شرية: "إنهم قرروا عدم المغامرة بأرواح الطلاب وخاصة الصغار منهم"، ويقول: "نعلم أن الأمور جيدة ولا خوف على الطلاب، ولكن لا نريد المغامرة، لهذا قرر مدراء التعليم بمنطقة جازان أن يتم تقديم الاختبارات النهائية لتنتهي الدراسة مبكرا في تلك المناطق كي يتفرغ الجنود لحماية الحدود"، نافيا أن يكون هناك نية لنقل المدارس عن الشريط الحدودي، ويضيف: "لماذا النزوح؟ لا داعي لذلك فنحن نعرف مدى كفاءة قواتنا العسكرية".

الوجه السعودي لعاصفة الحزم

جولة بسيطة في قرى ومدن الجنوب، تكشف أن الوجه الآخر للعمليات العسكرية أكثر هدوءا، لا أصوات رصاص ولا مدافع، ولا خوف وهلع، الباعة متواجدون على الطرقات كالعادة، الدراسة تسير بشكل طبيعي، الأطفال يلعبون في الشوارع، والعائلات تتزاور فيما بينها، ولا حظر تجول، يقول مرعي العسيري، أحد أبناء المنطقة: "نعيش حياة طبيعية، صباح اليوم ذهبت لسوق الخضار وقمت بالتسوق هناك، لا يوجد أي شيء يوحي بالتغيير، السكان هنا اعتادوا على أجواء الحرب منذ عمليات 2009، وهم يتابعون الأخبار مثل بقية المواطنين ويعلمون جيدا أن قوات الحوثي لا تجرؤ على عبور الحدود"، ويتابع: "ابني الصغير يلعب في الشارع الآن، لو كنت قلقا لما تركت طفلا في الحادية عشرة من عمرة يلعب الكرة مع أقرانه، هل هناك حرب؟ ربما ولكنها لا تعنينا".