أردوغان: تسييس أحداث 1915 سيضر بأرمينيا أولاَ

بالعربي: قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، معلقًا على التصريحات الغربية الأخيرة بشأن أحداث عام 1915- : "من هنا أوجه ندائي للعالم أجمع، وخصوصاً للأرمن، إن تَسييس أحداث عام 1915، والخروج بالمسألة عن مسارها التاريخي، سيشكل ضررًا يصيب أرمينيا في المقام الأول، ونحن نعلم جيداً أن الذين اتخذوا هذا القرار - قرار البرلمان الأوروبي الداعم للمزاعم الأرمينية - ليس هدفهم حماية حقوق الأرمن، وهل يحق أصلًا لمن لا تربطه علاقة مع الأرمن، لا من قريب ولا من بعيد، أن يصدر تصريحات بهذا الشأن".

جاء ذلك في كلمة ألقاها الرئيس التركي أمام حشد جماهيري، خلال مراسم افتتاح عدد من المشاريع التعليمية والصحية والعلمية والرياضية، في ولاية "كوجة إيلي" شمال غرب تركيا.

وأضاف  أردوغان قائلاً: "أبوابنا لا تزال مفتوحة لأرمينيا، ومستعدون للقيام بكافة أشكال التعاون معها، في حال أقدمت على خطوات إيجابية بشأن مزاعم (الإبادة الجماعية) ومسألة احتلالها لإقليم قره باغ - أذربيجاني محتل من قبل أرمينيا - كما إننا جاهزون دائماً للتباحث مع سياسيين أرمن، وغيرهم من المسؤولين القادرين على إظهار إرادة وشجاعة، لكن ينبغي قبل كل شيء إيجاد حل لقضية قره باغ".

وأردف الرئيس التركي بالقول: "يوجد في بلادنا نحو 40 ألف مواطن تركي من أصل أرمني، و40 ألف أرمني هربوا من بلادهم ولجأوا إلينا، واستوطنوا عندنا، ويحلون ضيوفًا علينا، هل اضطهدناهم يومًا ما؟ ألم تروا ذلك ياعديمي الضمائر؟ بأي وجه تطلقون مثل هذه التصريحات إذاً؟".

وجدد أردوغان الدعوة لأرمينيا؛ لتشكيل لجنة مشتركة لبحث ودراسة القضية من كل جوانبها، حيث قال: "أحضروا معكم الوثائق والمستندات التي بحوزتكم وتعالوا لكي نؤسس لجنة مشتركة، تقوم بدراسة القضية وتقييمها من جميع جوانبها، والوصول إلى ذاكرة مشتركة وموضوعية وعادلة، لنواصل بعد ذلك مشوارنا نحو المستقبل".

وأكد أردوغان أن اللوبي الأرمني والدولة الأرمنية لديهما مشاكل مع تركيا وأشقائها، مشيراً إلى أن بلاده مدت يديها مرات عديدة إلى أرمينيا، وأنهم أبدوا حسن نية بدايةً، إلا أنهم - المسؤولين الأرمن- لم يتمكنوا من الخروج عن تأثير اللوبي الأرمني والدول الأخرى، والعودة إلى اتباع سياستهم، مبيناً أنه لذلك لم يحصلوا على نتيجة.

ولفت أردوغان إلى أن "الأرمن الذين انجروا وراء تحريضات الروس والفرنسيين والإنكليز والدول الأخرى، التي لها حسابات في المنطقة في بداية القرن الماضي؛ سفكوا دماء مئات الآلاف من المسلمين ، وبذلك فقد فتحوا بأنفسهم أبواب التهجير".

وعادت المزاعم الأرمنية إلى الواجهة السياسية الدولية، مع قرار البرلمان الأوروبي غير الملزم الذي صدر مؤخرًا، والذي يحض الدول الأوروبية على الاعتراف بـ"الإبادة الأرمنية" المزعومة، ويدعو تركيا للقبول بها، في موقف منحاز لمزاعم الأرمن حول أحداث 1915 التي شهدتها منطقة الأناضول، إبان الحكم العثماني، فضلًا عن تصريحات بابا الفاتيكان فرنسيس، التي تبنى نفس المزاعم، مستخدمًا مصطلح "الإبادة الجماعية".

فما الذي حدث في 1915؟

تعاون القوميون الأرمن، مع القوات الروسية بغية إنشاء دولة أرمنية مستقلة في منطقة الأناضول، وحاربوا ضد الدولة العثمانية، إبان الحرب العالمية الأولى التي انطلقت عام 1914.

وعندما احتل الجيش الروسي، شرقي الأناضول، لقي دعمًا كبيرًا من المتطوعين الأرمن العثمانيين والروس، كما انشق بعض الأرمن الذين كانوا يخدمون في صفوف القوات العثمانية، وانضموا إلى الجيش الروسي.

وبينما كانت الوحدات العسكرية الأرمنية تعطل طرق امدادات الجيش العثماني اللوجستية، وتعيق تقدمه، عمدت العصابات الأرمنية إلى ارتكاب مجازر ضد المدنيين في المناطق التي احتلوها، ومارست شتى أنواع الظلم بحق الأهالي.

وسعيا منها لوضع حد لتلك التطورات، حاولت الحكومة العثمانية، إقناع ممثلي الأرمن وقادة الرأي لديهم، إلا أنها لم تنجح في ذلك، ومع استمرار هجمات المتطرفين الأرمن، قررت الحكومة في 24 نيسان/ أبريل من عام 1915؛ إغلاق ما يعرف باللجان الثورية الأرمنية، واعتقال ونفي بعض الشخصيات الأرمنية البارزة. واتخذ الأرمن من ذلك التاريخ ذكرى لإحياء "الإبادة الأرمنية" المزعومة، في كل عام.

وفي ظل تواصل الاعتداءات الأرمنية رغم التدابير المتخذة، قررت السلطات العثمانية، في 27 مايو/ آيار، من عام 1915، تهجير الأرمن القاطنين في مناطق الحرب، والمتواطئين مع جيش الاحتلال الروسي، ونقلهم إلى مناطق أخرى داخل أراضي الدولة العثمانية.

ومع أن الحكومة العثمانية خططت لتوفير الاحتياجات الانسانية للمهجّرين، إلا أن عددًا كبيرًا من الأرمن فقد حياته خلال رحلة التهجير بسبب ظروف الحرب، والقتال الداخلي، والمجموعات المحلية الساعية للانتقام، وقطاع الطرق، والجوع، والأوبئة.

وتؤكد الوثائق التاريخية عدم تعمد الحكومة وقوع تلك الأحداث المأساوية، بل على العكس، لجأت إلى معاقبة المتورطين في انتهاكات ضد الأرمن أثناء تهجيرهم، وجرى إعدام المدانين بالضلوع في تلك المأساة الإنسانية، رغم عدم وضع الحرب أوزارها.

وعقب انسحاب روسيا من الحرب جراء الثورة البلشفية عام 1917، تركت المنطقة للعصابات الأرمنية، حيث حصلت على الأسلحة والعتاد الذي خلفه الجيش الروسي وراءه، واستخدمتها في احتلال العديد من التجمعات السكنية العثمانية.

وبموجب معاهدة "سيفر" - التي اضطرت الدولة العثمانية على توقيعها - تم فرض تأسيس دولة أرمنية شرقي الأناضول، إلا أن المعاهدة لم تدخل حيز التنفيذ، ما دفع الوحدات الأرمنية إلى إعادة احتلال شرقي الأناضول، وفي كانون الأول/ديسمبر 1920 جرى دحر تلك الوحدات، ورسم الحدود الحالية بين تركيا وأرمينيا لاحقًا، بموجب معاهدة "غومرو"، إلا أنه تعذر تطبيق المعاهدة بسبب كون أرمينيا جزءًا من روسيا في تلك الفترة، ومن ثم جرى قبول المواد الواردة في المعاهدة عبر معاهدة موسكو الموقعة 1921، واتفاقية  "قارص" الموقعة مع أذربيجان وأرمينيا، وجورجيا، لكن أرمينيا أعلنت عدم اعترافها بتلك الاتفاقية، عقب استقلالها عن الاتحاد السوفييتي، عام 1991.

الحاجة إلى ذاكرة عادلة والتفهم المتبادل

وتطالب أرمينيا واللوبيات الأرمنية في أنحاء العالم بشكل عام تركيا؛ بالاعتراف بأن ما جرى خلال عملية التهجير كان "إبادة جماعية"، وبالتالي دفع تعويضات.

وبحسب اتفاقية 1948 - التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها - فإن مصطلح الإبادة الجماعية، يعني التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية.

وتؤكد تركيا عدم إمكانية إطلاق صفة الإبادة الجماعية على أحداث 1915، بل تصفها بـ"المأساة" لكلا الطرفين، وتدعو إلى تناول الملف بعيدًا عن الصراعات السياسية، وحل القضية عبر منظور "الذاكرة العادلة" ، الذي يعني باختصار التخلي عن النظرة أحادية الجانب إلى التاريخ، وتفهّم كل طرف ما عاشه الطرف الآخر، والاحترام المتبادل لذاكرة الماضي لدى كل طرف.

كما تقترح تركيا القيام بأبحاث حول أحداث 1915 في أرشيفات الدول الأخرى، إضافة إلى الأرشيفات التركية والأرمنية، وإنشاء لجنة تاريخية مشتركة تضم مؤرخين أتراك وأرمن، وخبراء دوليين. 

يريفان لم تنتهز فرصة تطبيع العلاقات

شهد عام 2009 أهم تطور من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين، حيث وقع الجانبان بروتوكولين من أجل إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية، وتطوير العلاقات الثنائية، في تشرين الأول/أكتوبر، بمدينة زيورخ السويسرية.

ويقضي البروتوكولان بإجراء دراسة علمية محايدة للمراجع التاريخية والأرشيفات؛ من أجل بناء الثقة المتبادلة وحل المشاكل الراهنة، فضلًا عن الاعتراف المتبادل بحدود البلدين، وفتح الحدود المشتركة.

كما نصّ البروتوكولان على التعاون في مجالات السياحة والتجارة، والاقتصاد، والمواصلات، والاتصالات، والطاقة والبيئة، والإقدام على خطوات من أجل تطبيع العلاقات انطلاقًا من المشاورات السياسية رفيعة المستوى وصولًا إلى برامج التبادل الطلابي.

وأرسلت الحكومة التركية البروتوكلين إلى البرلمان مباشرة من أجل المصادقة عليهما، فيما أرسلت الحكومة الأرمنية، نصيهما إلى المحكمة الدستورية من أجل دراستهما، وحكمت المحكمة أن البروتوكلين لا يتماشيان مع نص الدستور وروحه.

وبررت المحكمة قرارها بإعلان الاستقلال، حيث ينص على "مواصلة الجهود من أجل القبول بالإبادة الجماعية في الساحة الدولية"، والذي يعتبر شرقي تركيا جزءًا من الوطن الأرمني، تحت مسمى "أرمينيا الغربية".

وأعلنت أرمينيا تجميد عملية المصادقة على البروتوكلين، في كانون الثاني/يناير عام 2010، وبعد 5 أعوام سحبتهما من أجندة البرلمان، في شباط/ فبراير المنصرم.