الظواهري يراقب أفرع تنظيمه تتحول إلى «داعش»

بالعربي_عبد الله سليمان علي : ما أشيع مؤخراً حول إمكانية أن يتخذ زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري قراراً بإحلال الجماعات التابعة له من بيعته، ليس بالأمر الجديد، لأن قيادة «القاعدة»، متأثرةً بأفكار أبو مصعب السوري، اتجهت منذ عدة سنوات إلى التقليل من أهمية البيعة كإطار تنظيمي، مقابل التركيز على «الرسالة»، التي يفترض أن التنظيم يحملها، ويمكن أن تتجسد في جماعات كثيرة حول العالم لا تتبع له.

لكن الجديد أن البعض سارع إلى فهم هذه التوجهات بأنها تعبير عن نية الظواهري حلّ تنظيم «القاعدة» نهائيا، وترك الحرية لأفرعه المنتشرة حول العالم كي تقرر مصيرها بما يناسب خصوصية كل دولة. فمثل هذا الاستنتاج لا شيء يدل على صحته، بالعكس هناك معطيات تؤكد أن «القاعدة» تراجع عن الأصل الذي استند إليه.
فقد اضطرت الأزمة السورية، وما تخللها من «فتنة جهادية» لا تزال مستمرة، الظواهري إلى اتخاذ مواقف تناقض التوجهات السابقة، الذي كان هو نفسه من أشد المتحمسين لها. وهذا ما بدا جلياً عندما جادل الظواهري في بيعة زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش» أبي بكر البغدادي له، وحاول إثبات هذه البيعة بشتى السبل، في مسعى منه لتخطئة خصمه وتحميله مسؤولية الفتنة، وصولاً إلى اتخاذ قرار الفصل والتبرؤ. فيما تواترت الروايات عنه بأنه كان يفضِّل (وفي رواية لا يمانع) أن تنضم «جبهة النصرة» إلى «حركة أحرار الشام الإسلامية» ولو تطلب ذلك أن تفك ارتباطها بتنظيمه.
والأمر الذي اعتُبر انتكاسة كبيرة للتوجهات الجديدة، هو الإعلان عن تأسيس «فرع القاعدة في شبه الجزيرة الهندية»، في خضم الحديث عن عدم أهمية البيعة، لكن يبدو أن مقتضيات الخصومة والتنافس مع «الدولة الإسلامية» فرضت على قيادة «القاعدة» التراجع بخصوص المحافظة على شيء من المركزية في هيكليتها التنظيمية، وعدم التسرع في إطلاق حرية أفرعها، خشية أن يدفعها ذلك إلى الارتماء في أحضان «داعش» كما حصل مع بعض الجماعات «القاعدية» حول العالم ممن سارعت إلى إعلان مبايعتها للبغدادي بعدما استشعرت قوته وقدرته على التمدد.
وقد يكون مما له دلالته في هذا السياق، ما ذكره السعودي سلطان العطوي («أمير شرعي» سابق في «جبهة النصرة») نقلاً عن لسان أبي ماريا القحطاني بأن «زعيم (النصرة) أبو محمد الجولاني صعد عدة مرات في السيارة بنية الذهاب إلى زعيم داعش أبي بكر البغدادي بنيّة مبايعته من جديد بعد الخلاف بينهما، لكننا (أي القحطاني وجماعته) كنا في كل مرة نمنعه من ذلك».
فهذه الرواية على فرض صحتها تشير إلى أن الارتماء في أحضان «داعش» تحول إلى موضة قابلة للانتشار بسرعة كبيرة. لذلك كان لا بد من العمل على الوقوف بوجهها. وهو ما تحاول «القاعدة» القيام به، والذي من أجله استغنت عن توجهاتها الجديدة وعادت إلى التمسك بالبيعة كإطار تنظيمي، لأن التراخي فيها سيجعل من قيادتها في أفغانستان عبارة عن تماثيل منفردة في متحف قديم يحكي حكايات الماضي.
وانعكس هذا التضارب لدى قيادة «القاعدة» سلباً على قيادات أفرعها، خصوصاً في بعض المناطق الساخنة، مثل اليمن وليبيا وعلى رأسها سوريا. حيث غلب على هذه الأفرع طابع التناقض وغياب الرؤية الموحدة. ففي سوريا، على سبيل المثال، سلطت عدة قضايا الضوء على وجود تيارات متباينة داخل «جبهة النصرة» كما في قضية فك الارتباط مع «القاعدة» أو قضية تأسيس «إمارة»، حيث برز جناح يؤيد مقابل جناح يعارض. وتحت تأثير كل جناح منهما كانت قرارات «جبهة النصرة» تتسم دائماً بالضبابية وعدم الوضوح، فهي تعلن أنها لا تريد تأسيس «إمارة» لكنها تسعى إلى السيطرة على جغرافيا خاصة بها لتحكمها، بما يقتضيه فهمها للشريعة الإسلامية (وهل الإمارة غير ذلك؟).
كما أنها أعلنت رفضها موضوع فك الارتباط مع «القاعدة»، غير أن ذلك لم يمنعها من مخالفة توجيهات قيادتها، بما فيها بعض التوجيهات المرسَلة إليها خاصة. وهو ما تبين بعد تسريب رسالة كان قد أرسلها «المفتي العام» لتنظيم «القاعدة» الراحل أبو يحيى الليبي إلى زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني منتصف العام 2012، أي بعد أشهر فقط من الإعلان عن تأسيسها وتضمنت توجيهات ووصايا مختلفة. وقد ركزت الرسالة على نقطتين مهمتين، هما التقليل من العمليات الانتحارية، وضرورة المحافظة على الكوادر من خلال عدم السماح لهم بتنفيذ عمليات انتحارية. بينما تشير الوقائع إلى أن «جبهة النصرة» أسرفت في تنفيذ العمليات الانتحارية، وسبق لها تنفيذ المئات منها خلال الأعوام الماضية، غالبيتها في مناطق مدنية، كالشوارع والأسواق. كما أن بعض هذه العمليات نفذها قادة كبار من «النصرة»، كتلك العملية التي نفذها تركي الأشعري (أبو الزبير) سعودي الجنسية، والذي كان يشغل منصب «أمير» ريف حماه، وهو ما يخالف نقطة الحفاظ على الكوادر.
أما في اليمن، فقد كان لافتاً البيان الاستنكاري الذي أصدره «فرع القاعدة» بخصوص التفجيرات التي نفذها «داعش» في بعض مساجد العاصمة صنعاء في آذار الماضي، بينما كشف أحد قادة «داعش» هناك أن «القاعدة» نفسها خططت لاستهداف أحد هذه المساجد (مسجد بدر) لكن العملية فشلت بسبب القبض على المنفذ. وما يؤكد هذا التناقض العملية الدموية التي نفذها فرع الصومال، المسمّى «حركة شباب المجاهدين»، في جامعة كينيا وراح ضحيتها المئات من المدنيين.
مجمل المعطيات السابقة، ترجح أن قيادة «القاعدة» فقدت القدرة على التأثير في أذرعها التي باتت تتحرك بعيداً عن توجيهاتها وإشرافها. وقد يكون غياب الظواهري عن المشهد طوال الفترة الماضية خير دليل على فقدانه زمام القيادة، خاصة أن التطورات المتسارعة في أكثر من بلد لا تترك أي مجال لانتظار أوامره، وتفرض على القيادات المحلية اتخاذ قرارات سريعة بخصوصها. وقد يكون أسوأ ما يتعرض له الظواهري، أن أقوى فرعين من فروعه، الشام واليمن، يسيران في طريق ينتهي بهما إما إلى أن يصبحا نسخة طبق الأصل عن «داعش»، وهو ما يعكسه سعيهما إلى السيطرة على المدن (المكلا وإدلب نموذجاً) خارج إطار «التمكين القاعدي» ومبدأ الرفض لإقامة «إمارات»، أو أن ينتهيا في «أحضان داعش»، عبر الانشقاقات عنهما أو التحالفات السرية، وهو ما عبر عنه مؤخراً تحالف «النصرة» مع «داعش» في مخيم اليرموك قرب دمشق