قل لي ضدّ من تتدخّل أقل لك من أنت!

بالعربي: بعد قمة اقتصادية سبقتها في 13 آذار/ مارس الجاري وعدت باستثمارات ومساعدات بحدود 12.5 مليار دولار لمصر جاءت القمة السياسية للملوك والزعماء والرؤساء العرب في شرم الشيخ يوم السبت الماضي لتعزّز مكانة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتمنحه غطاء عربياً ودولياً كبيراً… لو لم تسبقها الغارات السعودية على الحوثيين وقوات علي صالح في اليمن.

ورغم إعلان الإعلام الخليجي عن مشاركة مصرية في الضربة فقد تردّدت أقوال متضاربة تقول الأولى إن مصر لم تستشر (وهو أمر غير منطقيّ والواضح أن المقصود منه استعداء المصريين على السعودية بدعوى استصغارها شأن مصر)، وتقول الثانية إن القيادة المصرية استشيرت وحين رفضت قيل لها إن الحملة ستمضي بها أو من دونها ففضّلت المشاركة على الرفض أو الحياد، في أمر لا تقبل فيه السعودية وحلفاؤها الخليجيون حياداً.
المطلوب الأول من القمة مصرياً، إضافة إلى التصديق على سياسة النظام الحاكم، هو بسط يد القاهرة في الموضوع الليبي تحت يافطة «القوة العربية المشتركة» التي مهمتها الأولى (والأخيرة طبعاً) هي «مكافحة الإرهاب»، وهو ما تمّ إقراره كـ»مبدأ» الدخول فيه «اختياريّ»، أمّا ما جرى إقراره كـ«فعل» فهو التصديق على العملية العسكرية الخليجية في اليمن، وهو ما أبرز اختلاف الأولويات بين القاهرة والرياض.
والحال أن رغبة القاهرة في الاستثمار السياسي الأقصى لوجود القمّة العربية على أراضيها لم يحالفها التوفيق في أغلب المأمول منها، وتجلّى عدم التوفيق هذا عند اقتراح السيسي على الزعماء العرب الاستماع إلى كلمة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حض فيها على «تسوية القضايا بطرق سلمية ودون تدخّل خارجي» مما استدعى ردّاً سريعاً وعنيفاً من وزير خارجية السعودية سعود الفيصل الذي أشار إلى تدخّل موسكو في سوريا والتأثير المأساوي لتحالفها مع بشار الأسد ودعمه بالأسلحة «لمحاربة شعبه».
تبدو مطالبة الفيصل المؤنبة لبوتين بعدم وعظ القادة العرب حول «الحلول السلمية» و«عدم التدخّل الخارجي» ملائمة تماما، فروسيا منهمكة تماماً في تدخّلات عسكرية دموية في أوكرانيا وسوريا وقبلهما في جورجيا وكان عليها أن تجد مدخلاً آخر للحديث لو أرادت آذاناً صاغية من القادة العرب.
والحقيقة أن اتجاهي القمّة الرئيسيين (السعودي الذي يطلب دعماً لا محدوداً للعملية اليمنية، والمصري الذي يطالب بـ«قوة عربية مشتركة») تضمن دعوتين واضحتين للتدخّل العسكري في المنطقة العربية، وأن كل البلدان العربية الأخرى، إمّا طرف سلبيّ منفعل في معادلة تدخّل خارجي (العراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا ـ ناهيك عن فلسطين) أو طرف إيجابيّ فاعل (السعودية ودول الخليج والمغرب والأردن)، أو طرف راغب في أن يكون ضمن المعادلة سلباً أو إيجاباً (بما فيها الجزائر التي تقول إن دستورها لا يسمح لها بالتدخّل)!
موقف العراق الرسميّ الغارق في استجداء التدخّل من إيران وأمريكا كان لافتاً في حدّة رفضه للتدخّل السعودي في اليمن، وكذلك في الموقف من «القوة العربية المشتركة»، فهو متحمّس لتدخّل دولتين غير عربيتين على أراضيه ويتحسّس مرضيّا من فكرة تدخّل عربي!
لكن الموقف الأكثر مفارقة تجلّى في تصريح الأمين العام للجامعة العربية الذي أكّد أن «القوة العربية المشتركة» المنتظرة لن تتدخّل في سوريا لأن الوضع معقد «ولا نعرف نتدخّل مع من وضد من»!
ولنفترض، جدلاً، أن حجة العربي الزائفة عن سوريا صحيحة، وأن إنقاذ الشعب السوري من التدخّل الروسي الإيراني أمر لا يهمّ القوّة العربية (أو مصر السيسي بالأحرى)، فماذا عن فلسطين التي أكّد العربي أيضاً أن «القوّة» إيّاها لن تتدخل فيها، فهل الوضع هناك معقّد أيضاً بحيث «لا نعرف نتدخّل مع من وضد من»؟
«لو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا».

رأي القدس العربي