متى أولى القادة العرب أهمية لدور الجزائر !!؟

بالعربي-إسماعيل القاسمي الحسني:

لم نعد في زمن يسمح بالتورية والكناية، ولا الظروف التي صنّعتها عنادا وتعاميا بعض  القيادات العربية، فألهبت نيران الفتن في أكثر من بلد شقيق، أتت على مئات آلاف الضحايا، فضلا عن خسائر في البنية التحتية، ونشرت فوضى غير مسبوقة، كل ذلك يصب في خدمة العدوالوحيد والأصيل وهوالكيان الإسرائيلي؛ لتسمح باعتماد لغة التخفّي وراء الإصبع، وإنما على من يحمل ضميرا حيا ممن يتصدرون منابر الكتابة، أن يسمي الأشياء والمسائل التي يستعرضها بأسمائها.

عنوان المقال ليس استفزازيا، ولا يدل بأي حال من الأحوال، عن القيمة الأصيلة للجزائر ودبلوماسيتها   وسياستها الخارجية، خاصة ما تعلق منها بالملفات العربية، وإنما يعبر عن واقع ملموس، خبرناه في كل المفاصل الخطيرة التي تعرض لها عالمنا العربي، منذ ربع قرن على الأقل وتحديدا منذ حرب الخليج    ونزاع العراق والكويت؛ من حينها وإلى غاية اليوم، ما من قضية خطيرة تعصف بعالمنا، إلا وضُرب رأي الجزائر عرض الحائط،  بداية بفلسطين ذاتها (اتفاقيات أوسلو) ثم العراق باستدعاء الولايات المتحدة لاحتلاله تحت ذريعة تحرير الكويت، مرورا بليبيا واستدعاء حلف الناتولتدميرها بشكل كلي ومروع، وسورية وتشريع تمويل وتسليح ما وُصف بهتانا المعارضة، لا لشيء إلا لزرع الموت والخراب فيها، وصولا اليوم إلى اليمن ومسرحية “معاهدة الدفاع العربي المشترك”؛  وثائق ما يسمى جامعة الدول العربية، سواء القرارات أومحاضر الجلسات، تثبت بما لا يدع مجالا للشك يقين صحة هذا الواقع، ولا أعتقد بالمرة أن أحدا من دبلوماسيي الجزائر يجهله؛ نسجل هذا ردا على تصريح السيد أحمد بن حلي نائب الأمين العام لما يسمى جامعة الدول العربية، للقناة الإذاعية الأولى الجزائرية في 22 من هذا الشهر، وهومن هو، نقولها وفي الحلق غصة، ذلك أن الرجل دبلوماسي سابق جزائري، ويحتل موقعا في هذه المؤسسة المصابة بحالة الزهايمر، وقد تقلّب في مناصبها لأكثر من عقدين، ما يجعله أكثر الناس معرفة وملامسة لواقع ما سماه “أهمية دور الجزائر في العمل العربي المشترك”؛ واختصارا بل ورميا بمنشفة هذا الرأي الذي تفضل به نطرح سؤالا واحدا: أين أهمية هذا الدور الجزائري فيما مضى وفيما هوعالق اليوم؟ بصيغة أكثر وضوحا وصراحة: أي قيمة فعلية وعملية أولتها القيادات العربية لمواقف الجزائر؟ نتحدى السيد أحمد بن حلي أن يستدل بموقف واحد على امتداد ربع قرن. وأذهب بعيدا مع نائب الأمين العام لدار العجز الفكري والشلل القومي، ما سجلته الدبلوماسية الجزائرية في المحافل الدولية من تأثير في بعض القرارات، خاصة ما تعلق منها بفلسطين وسورية، لم يكن بدعم عربي وعرفانا كما يتوهم بأهمية دور الجزائر، بل أخطر من ذلك كان بمعارضة قيادات عربية، أحيانا اشد حمية وضغطا واندفاعا من العدوالإسرائيلي ذاته. لقد جاءت تصريحات السيد احمد بن حلي مقدمة لزيارة نبيل العربي للجزائر، استدراجا مفضوحا ومرفوضا في آن، لما تسعى إليه أنظمة خليجية وجدت في النظام المصري خير حامل لراية سياساتها العبثية؛ ونحن نعلم كما يعلم قادة الدبلوماسية الجزائرية، أن هذا الاستدراج إنما يعني سَوق الجزائر لحتفها، وإغراقها في بحر الدماء العربية التي فتحوا صماماتها على الآخر.

تعالوا الآن لما يسمى القمة العربية: هنا تقدمت زيارة نبيل العربي للجزائر استثناء للسبب الذي اشرنا له سابقا، والحقيقة أن ما دفع الرجل لزيارة الجزائر هوإصرار رئيسه السيد السيسي على تفعيل ما سماه معاهدة الدفاع العربي المشترك، ولا شك أنه من حق أي مواطن عربي أن يتساءل عن أمرين على الأقل: هل تم إحياء جميع المعاهدات ووضعت موضع التنفيذ؟ التجارة والاقتصاد والتنقل وكل تلكم التي تعني حياة المواطن العربي، قبل إحياء ما يعني الزج به في حروب القتل تحت دعاية وهمية؟

والسؤال الأهم  والأخطر: هذه المعاهدة التي خطت منذ ما يزيد عن ستة عقود، كان الهدف الأول منها فلسطين، فهل إحياؤها اليوم يعني تحرير فلسطين والوفاء بمضمون وهدف معاهدة الدفاع العربي المشترك؟ أم فلسطين باتت لا تعنينا في شيء، وعلينا أن نحرر عواصم عربية يراها زعماء خليجيون أنها محتلة من قبل إيران؟ .

ولأن هذه الأسئلة طرحت على ما يبدوعلى القيادة المصرية، سواء عبر نبيل العربي مبعوث الزعامات التي تسعى لضم الجزائر لسربها، أوقبل ذلك عبر قنواتها، جاء الجواب عليها عشية انعقاد القمة، في كلمة الجنرال السيسي، الذي اختار الالتفاف على ما رفع شعاره بالأمس ” إحياء معاهدة الدفاع العربي المشترك” عند اصطدامه بالتزاماتها وأهدافها الأصيلة (تحرير فلسطين)، مستبدلا إياها بنحت لغوي جديد أطلق عليه تعريف ” قوة عربية مشتركة لمكافحة الإرهاب”، وهنا لنا وقفة:

أولا: لا مصر ولا أي دولة عربية مع كل الاحترام والتقدير، مؤهلة زعاماتها لتعليم الجزائر قيادةوشعبا، طرق وسبل محاربة الإرهاب؛ بلغة عربية واضحة جدا وصريحة للغاية، إن كانت هناك من دولة تعاني هذه الظاهرة، وأرادت بنية سليمة ووعي بالمسؤولية التخلص منها، أوعلى الأقل محاصرتها وتقليص تمددها، فلا ترسل رسلها للجزائر يحملون اقتراحاتهم ومشاريعهم السريالية، وإنما ليأخذوا منها ويعتمدوا جديا خبرتها الاستثنائية، ويعملوا بصمت واحترام برأيها؛ وإلا فالجزائر أغنى دولة في العالم عن تلقي الدروس والمخارج في هذا الموضوع تحديدا.

ثانيا: الإرهاب المستهدف بإنشاء هذه القوة العربية، وفق هذه الزعامات العربية موجود في: ليبيا ومصر (سيناء) فقط، ويبدوأن اليمن سيدرج في القائمة، (كتب المقال قبل ساعات من العدوان الخليجي على اليمن)، أما ما يحدث في العراق وسورية ليس إرهابا، بل مقاومة مشروعة؛  وطبعا ما يتعرض له الشعب الفلسطيني لا يوصف بالإرهاب، ولا يستدعي سوى جرعة التنديد مرة في العام ليس أكثر، ومتى ضاعف القوم الجرعة لا سمح الله، فحتما يتعرضون لإسهال حاد؛ الجزائر أمام هذا المشهد والتصور المتوهم، قد ترجمت موقفها بخصوص ليبيا قبل بداية العبث العربي، ويفترض أن القيادة في مصر ومن يتخفى وراءها من زعامات عربية، قد فهموا الموقف الجزائري الصلب عندما دعا السيد السيسي مجلس الأمن لإصدار قرار يدرج ليبيا تحت البند السابع، وليس سرا حين نقول أن الجزائر وعبر علاقاتها الدولية القوية جدا، تمكنت من اعتراض هذا المخطط  والإطاحة به في حينه، فلا يستقيم الآن أن نتصور قبولها بما تراه عن علم وخبرة، زيادة في بحر الدماء الليبية ولن يحل المشكلة بأي حال من الأحوال، بل الجزائر تضمر في نفسها عدم استشارتها قبل الإقدام على خطوة تنقلب انتكاسة للدبلوماسية المصرية، كان بالإمكان تفاديها وتجنب الحرج الذي وقعت فيه. أما بالنسبة لسيناء وما يحدث في مصر، فقناعة الجزائر تفيد بأنها ليست في حاجة لقوة عربية مشتركة،  وإنما لوسائل ذاتية مدنية أكثر فعالية لحل الأزمة وتحجيم هذه الظاهرة.

ولن أختم قبل طرح الاحتمال الثالث، وهواحتمال جنوني بامتياز، الذي يستهدف بهذه “القوة المشتركة” سورية والعراق واليمن كما تشي تصريحات شخصيات رفيعة ومقربة من دائرة القرار السعودية؛ أقول جنونيا لأن القوم حين يدعون الجزائر للموافقة على حماقة كهذه، يعلمون جيدا أنها تعتبر القيادة السورية شرعية، وأعلنت ذلك بشكل رسمي في اليوم الذي أعلنت فيه هذه الدول عدم اعترافها بشرعية القيادة السورية، وموقف الجزائر معلوم للجميع، فكيف يتصور هؤلاء بأنها ستقبل محاربة الإرهاب في سورية دون موافقة القيادة الشرعية السورية ذاتها؟ والجنون بعينه إذا تصور القوم أن الجزائر ستنخرط في قوة تحارب القيادة السورية، باعتبارها قيادة غير شرعية كما تطرح ذلك السعودية ومصر؟ أما بالنسبة للعراق فالقيادة التي يعترف بها هؤلاء الزعماء ذاتهم، وما سمعته شخصيا من قيادات عسكرية عراقية، يرفضون أي قوة عربية تتدخل في محاربتهم لداعش، بل يطالبون بكف دول عربية عن دعم داعش وهذا يكفي بالنسبة للعراق؛ أما عن اليمن الذي يصب جيرانه البنزين على جمره، فجزء مهم من شعبه يرفض أي تدخل عسكري في شأنه، فضلا عن ذلك لا يستقيم في قواعد الدبلوماسية الجزائرية، ولا في عقيدة جيشها الوطني، خطوة تنطوي على مخاطر جمة، لا يقيم لها القادة العرب الداعين لها وزنا، لا لشيء إلا لكونهم قادة لا يتلظون بنارها.

ختاما، أعول كثيرا على خبرة وحنكة الدبلوماسية الجزائرية، التي لم تخيب ظننا في مواقف سابقة أعربنا عنها عبر صحيفة رأي اليوم، وتطابقت فعلا مع مواقف حازمة جزائرية، كان من بينها ذلكم اللغط بل التكالب على مقعد الدولة السورية وتمثيلها، ودعونا حينها الوفد الجزائري للتهديد الجدي بالانسحاب في القمة السابقة، متى تأكد من ارتكاب هذه الجريمة، وهوما وقع بالفعل، ومن هنا كذلك دعوناها للوقوف ضد إصدار قرار من مجلس الأمن يسمح بالتدخل العسكري في ليبيا، الذي عملت أنظمة عربية جهدها لتمريره؛ واليوم نكرر دعوتنا برفض المقترح الذي تنفخ فيه أموال خليجية، وتكرره كالتسبيح بعض الزعامات العربية؛ الذي يعني تشكيل قوة عربية مشتركة، لأنه سيفتح باب الجحيم على الجزائر نفسها، ولن ينفعها هؤلاء القوم قطعا؛ ويكفي أن نشترط لقبول هذه القوة والمشاركة فيها، بأن يكون الهدف الأول محاربة الإرهاب الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، لنرى القوم فروا كالحمر المستنفرة.  واستحضروا هذا الواقع وإن تناساه نبيل العربي وأغفله أحمد بن حلي: متى أولى هؤلاء القادة العرب أهمية لدور الجزائر؟