جهاد حرب ..القادة الفلسطينيين فقدوا "الحكمة"

بالعربي: يطلعُ الفلسطينيون في الوطن والشتات على مدار الاثنين والأربعين يوماً، منذ بدء العدوان الإسرائيلي الغاشم الأكثر تدميرا وتهجيرا وقتلا في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، على تحركات السياسيين الفلسطينيين في رام الله والدوحة، وزيارتهم لعواصم عالمية وعربية مختلفة، واتصالات الهاتفية مع زعماء غربيين وشرقيين، ولقاءاتهم مع سياسيين من غير الفلسطينيين، دون اتصال مباشر أو غير مباشر بينهما.

عادةً، الحكمة تقضي الوحدة في أوقات الأزمات والحروب والعدوان والزلازل والكوارث الطبيعية دون مقدمات تعبيرا عن غريزة بقاء الأمة وسلامة أراضي الدولة وضمان الاستقرار الداخلي على الرغم من الخلافات الفكرية والسياسية والعرقية؛ فهم يتوحدون دون الحاجة الى حوار باعتبار "الوحدة الوطنية" ممراً أو جسراً اجبارياً لتفادي الأزمة أو تقليل الخسائر البشرية والاقتصادية، وهي بذات الوقت مساراً لتعزيز التضامن المجتمعي عبر القنوات الرسمية ومن خلالها.

على خلال القيادة السياسية في رام الله والدوحة وبيروت وغزة، فإن الشعب الفلسطيني موحداً في الملمات، ومتضامناَ أثناء العدوان والحرب والاجتياحات الإسرائيلية في قطاع غزة ومدن الضفة ومخيماتها وبلداتها وقراها، والمجموعات الشبابية والمسلحة أيضا موحدين على اختلاف انتماءاتهم الفصائلية في مواجهة الاحتلال في المخيم والمدينة وفي القرية والبلدة.

تقتضي الحكمة اليوم اتخاذ القرار في الوقت المناسب لحماية وحدة الشعب والأرض، ولمنح الأمل للمواطنين أثناء الضراء، ولفتح آفاق المستقبل لهم في العسر قبل اليسر، ولإزالة الغم والكرب عن وجوه وأفئدة الناس خاصة الأكثر ضعفاً وتضرراً.

لا يوجد أكثر حكمة وحصافة اليوم من لقاء السياسيين الفلسطينيين والبدء في الاتصال فيما بينهم في الدوحة ورام الله لتدبير أوضاع الناس، ولتنسيق الجهود لوقف العدوان، ولتعزيز الصمود، ولتضميد الجراح في غزة والضفة. الحكمة اليوم تفرض النظر بعمق للمحطات العصيبة في تاريخ النضال الفلسطيني؛ ففي حصار بيروت عام 1982 كان الفلسطينيون وحدهم ولم يسمعوا سوى الّهمة الإذاعية، وفي غزة اليوم يتكرر ذات الأمر دون الانتقاص من التضامن الشعبي العربي والإسلامي والعالمي؛ فالفلسطينيون وحدهم في المواجهة.

آن الأوان لقرار حكيم وحصيف للقيادات السياسية الفلسطينية في رام الله والدوحة "غزة"، بغض النظر عن الخلافات الشخصية "العميقة"، بالتواصل المباشر بينهما أو الطلب من شخصيات فلسطينية وطنية ومجتمعية "Second Track" للعمل تهيئة أجواء للتواصل؛ بهدف تنسيق الجهود تلبية للجرح الغائر والمفتوح في قطاع غزة، وتقديم أفكار ومقترحات وسيناريوهات وخيارات لمستقبل الفلسطينيين وقضيتهم قبل أن يضع الأعداء والمتربصون مستقبلنا. كما آن الأون لتحرك النخب الثقافية والاجتماعية الفلسطينية للضغط على الطرفين علناً وبشكل مباشر لإجبارهما على التواصل؛ فقد نفذت الحياة في غزة وبات هذا الأمر خارجاً عن أي مسؤولية وطنية للأطراف جميعاً.