العدالة في مصر.. من الانتقالية إلى الانتقامية

بالعربي_كتبت شيماء حمدي : «طول ما الدم المصري رخيص.. يسقط يسقط أي رئيس»، هتاف تصدر المشهد السياسي سابقًا، مع زيادة عدد المصابين والشهداء فى صفوف المتظاهرين فى مقابل خروج الضباط المتهمين بقتل متظاهري يناير براءة، ومع الموجة الثورية التى اندلعت منذ الـ25 من يناير ولم تهدأ حتى الآن، متمثلة في فترات متعاقبة ومتنوعة فى شدتها ومتطلباتها، أصبح مطلب القصاص من أصحاب السلطة والنفوذ قائمًا ويتجدد مع تجد اشتعال الساحة السياسية.

ومن هنا أصبح وجود عدالة انتقالية تهدف إلى القصاص، الذى يأتى بثماره من استقرار ومعالجة الانقسام السياسي فى الشارع المصري،  ضرورة ملحة؛ لمعالجة التوتر السياسي الذى تشهده مصر ، ومن هنا ناشدت  القوى الثورية والمدنية بضرورة وجود قانون ومؤسسة لتحقق العدالة الانتقالية، التى تقوم على المحاكمات وتقصي الحقائق وتعويض الضحايا وجبر الأضرار بالإصلاح المؤسسي والمصالحة.

فهناك دول عديدة عربية وإفريقية وأوروبية وأمريكية قد سبقتنا في تطبيق العدالة الانتقالية، ونجحت في الوصول إلى سلام اجتماعي ومصالحة ومحاربة الفساد، منها المغرب وجنوب إفريقيا والبرازيل والأرجنتين وإندونيسيا، وغيرهم من التجارب التي أخذت عشرات السنوات لتؤتي ثمارها.

أما في مصر فتجربة العدالة الانتقالية تأخرت لثلاث سنوات، فمنذ ثورة 25 يناير لم تخط الدولة خطوة بصدد تطبيقها؛ سوى موخرًا بإنشاء وزارة للعدالة الانتقالية في التشكيل الوزاري الأخير، الأمر الذي يراه المختصون غير كافٍ لإرساء منظومة كاملة تطبق منهج العدالة على أرض الواقع، خصوصًا أن تلك الوزارة وبعد أشهر من عملها بلا حاصل، مما زاد الأمر غموضًا وتعقيدًا، وفقاً لتقرير مبادرة ”وراكم بالتقرير”.

وأكدت مبادرة وراكم بالتقرير، أنه يتضح أهمية ملف العدالة الانتقالية أكثر باعتباره طريقة سلمية لانتقال الدولة من نظام سياسي لنظام سياسي آخر، فتجاهل هذا الملف من زاوية واتباع إجراءات قمعية سيوفر حاضنة اجتماعية للإرهاب وتنظيماته، وستصبح جرائم قتل موظفي الدولة من رجال الشرطة والجيش لها تبرير لدى القطاعات المقموعة والرافضة للوضع الحالي، وسيقارن هؤلاء ما بين الشهداء الذين سقطوا على يد الدولة وبين الشهداء الذين سقطوا على يد الإرهاب الأسود، الأمر الذي سيدخل البلاد لدوامة من العنف وتبريره.

وأكدت خلال بيان لها أن المصالحة ومداواة جراح الماضي، التي تحدث عنها الدستور الحالي وأنشأ لأجلها وزارة في الحكومة، لن تتحقق باتخاذ بدائل قمعية أو استبدادية ثبت فشلها أو بالتباطؤ في إجراءات العدالة الانتقالية، بل ستتحقق باتخاذ إجراءات جادة لكشف الحقائق ومحاسبة من يثبت تورطه في محاكمة عادلة ومنصفة، وجبر الضرر وإصلاح المؤسسات التي يثبت تورطها في انتهاكات حقوق الإنسان، بهذه الإجراءات فقط يمكن أن تتحقق المصالحة وأن يتقدم المجتمع ونقضي على الإرهاب الأسود.

من جانبه قال محمد صلاح، المتحدث الإعلامي لحركة شباب من أجل العدالة والحرية: لا علاقة لما يحدث في مصر بالعدالة الانتقالية، فالعدالة تطبق حينما تنجح عملية التغيير وتنتقل السلطة من نظام إلى نظام آخر، وهو ما لم يحدث في مصر،  فنظام مبارك لا زال حاكمًا حتى الآن بأفراده وسياساته، لم يتغير سوى رأس النظام حيث استبدلته المؤسسة الحاكمة بشخص آخر أكثر جاهزية للمنصب وأكثر ولاءً للنظام، وفي هذا السياق فتبرئة رجال مبارك تم بصفقات مشبوهة ”من تحت الترابيزة” ولم يكن في سياق برنامج للعدالة الانتقالية يتضمن رد الحقوق والقصاص ودمج غير الفاسدين في الحياة السياسية الجديدة.

فيما أكد الحقوقي كريم عبد الراضي أنه لم يهتم أي نظام حكم مصر منذ الإطاحة بنظام مبارك بتحقيق العدالة الانتقالية بأي شكل من الأشكال، بل اهتموا فقط بتأسيس وزارة تسمي العدالة الانتقالية  كديكور، في محاولة لإيهام الرأي العام بأن الدولة تهتم بهذا الملف، لكن في الواقع تحقيق العدالة الانتقالية يمر بمراحل عديدة جدًّا، تبدأ بالاعتراف بالجرائم وتحديد مرتكبيها ومحاسبتهم وجبر الضرر عن الضحايا.

وأضاف: لكن في الواقع الفعلي، لا تم جبر ضرر ولا محاسبة مخطئ، ولا تحققت العدالة، وأدل على ذلك من خروج كل أركان نظام مبارك المتهمين بالفساد وقتل المتظاهرين براءة في محاكمات استمرت لسنوات، بالتزامن مع الزج بشباب الثورة في السجون بأحكام لسنوات في محاكمات هزلية لم تتوافر فيها أبسط قيم ومبادئ المحاكمة العادلة والمنصفة، لتتحول العدالة الانتقالية في مصر إلى عدالة انتقامية تستهدف الانتقام من كل من تجرأ ورفع صوته ضد القمع والفساد خلال ثورة يناير وما تلاها من أحداث، وبدلًا من المرور بخطوات العدالة الانتقالية التي تمر باعتراف ومحاسبة واعتذار وتعويض عن الأضرار وعدم تكرار الجرائم، ساد الإفلات من العقاب وزاد القمع والفساد، وتم تقنين تضيق المناخ ومصادرة حرية التعبير.

وأشار محمد عزت، عضو المكتب السياسي للاشتراكيين الثوريين، إلى أن العدالة الانتقالية التي معناها بالنسبة للثوار أو رجل الشارع العادي، القصاص من كل من أجرم في حق الشعب واستخدم سلطة لقمع المتظاهرين وقتلهم، اتضح أن معناها مختلف بالنسبة للسلطة الحاكمة، فالنظام الحاكم ينتقم من الثورة، حيث إنه يتم إطلاق يد الداخلية لقمع وتعذيب كل من له علاقة بالثورة، وبراءة  وزير التعذيب كما لقب في عهده حبيب العادلي وغيره من نظام مبارك.

وأضاف: بالطبع نتوقع أن هذا النظام لم ولن يطبق العدالة الانتقالية مع نظام مبارك الذي خرج براءة في عهده.