الجمهوريون والديمقراطيون العرب

بالعربي: كتب محمد سيف الدولة:  يظهر المشهد الدولى اليوم، على الاقل بالنسبة لنا فى الوطن العربى ومحيطنا الاقليمى، وكأن هناك ثنائية قطبية من نوع جديد تتشكل، ليست بين امريكا و روسيا هذه المرة، بل بين الحزبين الديمقراطى والجمهورى الامريكيين.

***
صحيح انهما ينتميان الى ذات الدولة العظمى، ويعبران عن ذات القوى المصالح، وينطلقان من ذات الثوابت الامريكية، ويتحركان فى اطار ذات الاستراتيجيات الرئيسية، الا انهما يختلفان فى بعض التفاصيل والتكتيكات والأساليب والأدوات.
و تأثير كل منهما اليوم على مجريات الامور فى بلادنا، يفوق بكثير تأثير ونفوذ دولا وتكتلات كبرى بحجم روسيا أو الصين أو الاتحاد الاوروبى بدوله الـ 27، ناهيك عن ايران وتركيا.
كما ان اى مقارنة بين الدور الذى تقوم به الامم المتحدة ومجلس أمنها، فى قضايانا المصيرية، وبين دور الولايات المتحدة ادارة وكونجرس وشركات ومصالح، تؤكد هذه الحقيقة.
***
·       خذ مثلا المفاوضات مع ايران حول برنامجها النووى، فرغم انها تسمى بمفاوضات (5+1) للتعبير عن اطرافها الستة الذين يتكونون من الاعضاء الخمس الدائمين فى مجلس الامن بالإضافة إلى ألمانيا، الا ان اليد الطولى فيها للولايات المتحدة، والخلاف الابرز داخلها ليس بين دول المجموعة وبعضها البعض، وانما بين الموقف الجمهورى والموقف الديمقراطى.
·       ومشهد خطاب نتنياهو فى الكونجرس رغم انف الرئيس الامريكى، ثم بيان الرد عليه الصادر من عدد من النواب الديمقراطيين، ثم الخطاب الذى وجه بعض الجمهوريين الى ايران يحذرونها من توقيع اى اتفاق من ادارة اوباما، تحمل دلالات هامة على ما نقول .
·       كذلك تلك المفارقة العجيبة، فبعد أن نجحت فى حشد أكثر من 60 دولة فى حملتها الجديدة فى العراق، واجهت الادارة الامريكية صعوبات من الكونجرس، حين طلبت منه تفويضا لحربها ضد داعش، فلقد خشى الجمهوريون ان يكون التفويض بمثابة خديعة من اوباما هدفها "تقاسم اللوم" معهم فيما لو فشلت الحملة، مما قد يؤثر عليهم فى الانتخابات القادمة.
·       لقد تحولت قضايانا ومصائرنا، الى مجرد نقاط وقضايا تنافسية فى المعارك الانتخابية الامريكية، تماما على غرار القادة الصهاينة حين يشنون حروب ابادة ضد الفلسطينيين، لاستجلاب أصوات ناخبيهم.
***
منذ ان انفرد الأمريكان بالعالم وهم يستخدموننا كساحات للتدريب و التجريب، وحين يفشلون، يبدلون الخطط والوسائل والأدوات وقد يطيحون بحزب ليأتوا بالآخر، ولكن الخطأ الواحد منهم يعنى تدمير بلاد ومقتل الآلاف وتشريد الملايين.  أما عن التفاصيل التى يختلفون فيها فهى من نوعية:
·       هل كان يجب ان يتم غزو العراق و افغانستان بغطاء دولى ام بقرار امريكى منفرد ؟
·       هل اصاب أوباما أم أخطأ، فى قراره بالانسحاب المبكر من العراق ؟
·       هل يقتصر التدخل الامريكى الحالى فى العراق على تدريب ودعم وتسليح القوات العراقية والكردية فى اطار تعاون عربى واقليمى؟ ام  بقوات برية امريكية؟
·       ما هى انسب الشروط والظروف للانسحاب الامريكى من افغانستان ؟ ومتى ؟
·       هل يدعمون الثورات العربية المضادة بلا تحفظ ؟ ام يدعمونها مع "بعض" الضغوط من اجل "بعض" الاصلاحات السياسية، التى قد تجنبهم مخاطر الارهاب المتولد من الاستبداد؟
·       هل يجهضون  الثورات العربية عنوة ام بإفشالها سياسيا ؟
·       هل يجتثون الاسلاميين من المشهد السياسى العربى تماما؟ ام يشركوهم فى العملية السياسية مع اخضاعهم للخطوط الحمراء الامريكية والدولية والاسرائيلية التى وضعوها للأنظمة العربية؟
·       هل يتم ترويض البرنامج النووى لايران، بالأدوات والخيارات الدبلوماسية ام العسكرية؟
·       هل يدعمون التدخل العسكرى الامريكى المباشر فى سوريا ام يكتفون بتدريب المعارضة "المعتدلة" وتسليحها؟
·       هل يسلحون اوكرانيا ام يكتفون بالعقوبات على روسيا ؟
وهكذا ...
***
لقد أدى هذا الاختلال البائس فى موازين القوى الدولية والاقليمية، الى هرولة و تبارى عديد من القوى المتصارعة فى مجتمعاتنا العربية، حكومات كانت أو معارضة، على السعى لنيل الاعتراف الامريكى بشرعيتها دونا عن خصومها السياسيين، مع محاولة كل منها لتوظيف، غير وطنى وغير شريف، لحلفائها أو أصدقائها من الديمقراطيين او الجمهوريين فى صراعاتها معا.
***
وتناسوا جميعا انه مهما كانت الاختلافات فى التفاصيل والتكتيكات بين "القطبين الجديدين"، فانهما يتفقان ويتوحدان على استعباد الأمة وتدميرها على النحو التالى :
·       وجود اسرائيل وامنها وتصفية القضية الفلسطينية، و انهاء الصراع العربى الصهيونى لصالح صراعات داخلية؛عربية/عربية، او عربية/ايرانية/تركية/كردية، او سنية/شيعية، وهكذا..
·       احتكار النفوذ والسيطرة والنفط والتسليح والاسواق فى الشرق الاوسط، ومنع اى تسرب أو اختراق روسى او صينى اليها.
·       افشال ومحاصرة واجهاض كل مشروعات الوحدة والاستقلال فى المنطقة، مع الحفاظ على نظام اقليمى عربى تابع جملة وتفصيلا، و حماية عروش العائلات المالكة فى السعودية والخليج، واعادة تشكيل وتقسيم الخريطة السياسية وفقا لأسس مذهبية وطائفية.
·       ادخال الجيوش العربية فى منظومة الامن القومى الامريكى وترتيباته فى المنطقة.
·       استهداف وحصار كل اشكال المقاومة ضد القوات الامريكية والاحتلال الصهيونى، فى اطار ما يسمى بمكافحة الارهاب
·       حظر كل القوى والتيارات و الاتجاهات الراديكالية أيا كانت مرجعيتها والحيلولة دون وصولها الى الحكم فى اى من الاقطار العربية.
·       اجهاض أو احتواء اى ثورات او حركات ثورية عربية، تهدد المشروع الامريكى الصهيونى فى المنطقة.

دروس من اليونان
الإتحاد الأوروبي، نموذج للإقتصاد الرأسمالي المعولم: يعتبر الكثير من الأصدقاء والرفاق العرب ان "الإتحاد الأوروبي" يمكن أن يكون مثالا يحتذى للعرب لتحقيق الوحدة العربية، لكن السؤال المركزي الذي يجب أن يطرح هو من يحقق هذه الوحدة ومن يستفيد منها (الحكومات أم الشعوب؟ البرجوازية أم الكادحون؟)، لأن أمريكا وأوروبا يمكن أن تدفع نحو "سوق عربية موحدة" لتسهيل المعاملات التجارية وتصريف فائض إنتاجها في سوق واحدة قوامها نحو 350 مليون "مستهلك" (وليس مواطن حر)، رغم انهماكها حاليا في تفتيت الدول العربية وتفكيك حدود "سايكس – بيكو")... في الوقت الحالي، تطبق كل الدول العربية، مثل حكومات اليونان السابقة، توصيات "وفاق واشنطن" (حزيران 1989، قبل انهيار جدار برلين بنحو أربعة أشهر) وتتبع سياسات ليبرالية تقلص من دور الدولة (باستثناء القمع)، وخصخصة الممتلكات العامة، وإطلاق عنان السوق ليتحكم بدون ضوابط حكومية في حياة البشر، وتتميز البلدان العربية بثقل الديون التي اقترضتها الحكومات ولم تنفقها على حاجيات الشعوب، وبلغت قيمة ديون لبنان ما يعادل إنتاجه المحلي في عام ونصف (ثمانية عشر شهر) وفي مصر والسودان وجب توفير إنتاج سنة كاملة تقريباً لتسديد ديون الحكومة، وفي تونس نصف عام من الإنتاج، مع تعمق الهوة بين الأغنياء والفقراء في كافة البلدان العربية بدون استثناء، ولمقاربة الوضع العربي بالوضع في أوروبا، لخص "محمود الخفيف" (في صحيفة السفير) مأزق أوروبا الحالي مع اليونان، كالتالي: انتُخب الشعب اليوناني الحكومة على أساس برنامج "اشتراكي" لإنهاء التقشف وزيادة الانفاق على ما يحتاجه الفقراء، لكن خيارات الحكومة محكومة بقوانين الإتحاد الأوروبي فالديون ثقيلة تزيد عن 175% مما تنتجه اليونان في عام كامل (أعلى نسبة في العالم)، واستخدام اليورو، وعدم وجود عملة وطنية تقلص بشدة من قدرة الحكومة على إدارة الاقتصاد والتعامل مع أزمة الديون، فلا يمكن طباعة نقود لزيادة الإنفاق الحكومي أو لسد جزء من الديون المحليّة، وكذلك لا يمكن تنشيط الاقتصاد وزيادة الحصيلة الضريبية عن طريق تخفيض سعر الفائدة التي تحفز الاستثمارات، أو تخفيض سعر الصّرف لزيادة الصادرات، وذلك لأنه لا يمكن التأثير على سعر فائدة أو سعر صرف عملة غير موجودة أصلا وكذلك لا يمكن لليونان ان تتحكم بخروج رؤوس الاموال او تمنعها بدون اتفاق مع أعضاء منطقة اليورو، لذا فإن الإختيارات محدودة، فإما الخروج من منطقة اليورو وهذا يتطلب دعماً شعبياً واسعاً قد يكون غير متوفر، وقد يشجع هذا الخروج دولا أخرى، لتطبع عملتها الوطنية، وتمويل برنامجها بتشجيع التضخم، أو أن تطبق الحكومة "نصيحة" حكومة ألمانيا اليمينية الليبرالية فتتخلى اليونان عن جزء من أراضيها وتبيع عدداً من الموانئ والمطارات والجزر لسداد الديون، أو أن تتراجع عن بعض وعودها لناخبيها وتطبق جزءاً من السياسة التقشفية والسياسات الليبرالية الجديدة رضوخاً لرغبة الدائنين، وهذا يعني بدايات التراجع وفقدان المصداقية والهزيمة خلال الإنتخابات المقبلة، وبالخصوص نهاية الحلم بامكانية التمرد على هيمنة المؤسسات الأوروبية (المفوضية والبنك المركزي) وعلى صندوق النقد الدولي، الذين يعتبرون برنامج ائتلاف "سيريزا" تهديداً مباشراً للفلسفة الليبرالية (التي يصفها البعض ب"المنفلتة"، أي غير المسيطر عليها من قبل الحكومات) وتهديدا لسيطرة هذه المؤسسات الأوروبية والدولية على موارد العالم ومُقَدراتِه الاقتصادية، وتهديدا لاستمرار تبعية الدول النامية للإمبريالية، ولذلك لا تتوقف مخاطر الدائنين عند عدم قدرة اليونان على السداد، وفقدانهم لقيمة ديونها، بل قد تمتد المخاطر إلى دول أخرى في منطقة اليورو مثل إسبانيا والبرتغال وإيرلندا (التي قد تنتخب شعوبها أحزابا يسارية) وقد تمتد فيما بعد إلى الدول الفقيرة، وتتخوف ألمانيا بشكل خاص من برنامج الحكومة اليونانية الجديدة، لأنها أكبر مستفيد من العجز التجاري اليوناني، ومن التصدير في اتجاه واحد، ما أدى إلى تراكم الفائض التجاري لديها، بقدر تراكم العجز والديون لدى الدول الأوروبية الأكثر فقرا عن"السفير" (بتصرف)