لماذا صمد الاسد 5 سنوات ولم يسقط؟

بالعربي: تدخل “الازمة السورية” اليوم عامها الخامس والرئيس بشار الاسد ما زال في السلطة، والمعارضة منقسمة على نفسها، والفصائل الاسلامية المتشددة هي الاكثر قوة وصلابة، والجميع وصل الى حائط مسدود، ولا احد يعرف كيف ستكون نهاية هذا النفق المظلم.

في الايام الاولى لـ”الثورة السورية” كانت هذه الثورة تحظى بدعم اكثر من 150 دولة، وكان زعماؤها نجوما يحتلون المساحة الاكبر على شاشات الفضائيات الدولية قبل العربية، الآن انكمش عدد هذه الدول الى ما يقرب من عدد اصابع اليد الواحدة، وتغيرت اولويات الادارة الامريكية، ولم يعد الرئيس الامريكي باراك اوباما يؤكد ان ايام الرئيس السوري باتت معدودة، لانه يدرك جيدا انه سيغادر السلطة (اي اوباما)، بينما سيظل الرئيس السوري على مقعد رئاسته، حسب ما تشير كل الوقائع على الارض.
لا نجادل مطلقا بأن مطالب الشعب السوري في العدالة الاجتماعية والمساواة واجتثاث الفساد، واقامة الدولة المدنية الديمقراطية ومؤسساتها كافة، كانت وستظل مشروعة، ولا يمكن، بل لا يجب، التخلي عنها، ولكننا نؤكد في الوقت نفسه ان الثورة السورية التي كنا نعرفها وغيرنا انحرفت عن مسارها وتغيرت هويتها، وتحولت الى صراع على السلطة والنفوذ سواء بين فصائلها في اقتتال داخلي دموي، او بينها وبين النظام الحاكم في دمشق.
الشعب السوري الذي خسر اكثر من 300 الف مواطن بريء من ابنائه في طرفي الصراع، وتشريد اكثر من خمسة ملايين منهم في دول الجوار يدفع ثمن خديعة كبرى اوقعته فيها دول عربية واقليمية ودولية كان عنوانها الابرز ان سقوط النظام مسألة اشهر معدودة على غرار ما حدث في مصر وتونس واليمن وليبيا، وان الغرب سيتدخل لحمايته على غرار ما فعل في ليبيا، ومن المؤلم ان جامعة الدول العربية وفرت الغطاء الشرعي لهذه الخديعة الكبرى.
النظام السوري صمد، وخرج من عنق الزجاجة تقريبا، لان الجيش السوري قوي، ولان قطاعا عريضا من الشعب التف حوله وقيادته، وفضل الالتفاف حول النظام رغم مآخذه العديدة عليه وقبضته الامنية الحديدية، بينما من ساندوا المعارضة السورية كانوا غير جديين وغير مخلصين، ويحتكمون لمرجعيات غربية متآمرة على العرب والمسلمين.
حلفاء النظام السوري وعلى رأسهم ايران وروسيا و”حزب الله” اللبناني وقفوا في خندقه بقوة، وقاتلوا في صفوفه وقدموا التضحيات، ودعموه ماليا وعسكريا طوال الوقت ودون نكوص، ومنعوا سقوطه رغم الضغوط السياسية والعسكرية الهائلة، والحصار الشرس، والضخ الاعلامي المضلل، بينما كان حلفاء المعارضة، والعرب منهم خاصة يفتقدون الى المشروع والنظرة الصائبة، واستخدموا الشعب السوري الضحية كورقة في اطار مخططاته الانتقامية الثأرية والطائفية في احيان كثيرة.
لا تستطيع دول مثل المملكة العربية وقطر اللتان كانتا الاكثر عمقا ماليا وسياسيا وعسكريا لفصائل المعارضة السورية ان تقنعا الشعب السوري، على سبيل المثال لا الحصر، انهما تملكان مشروعا حضاريا ديمقراطيا يمكن ان تصدرانه اليه والى بلاده، كما ان امريكا التي قتلت اكثر من مليون عراقي قبل واثناء احتلالها للعراق لا تستطيع ان تحاضر على السوريين بإنسانيتها وحرصها على حقن الدماء.
قولنا هذا لا يعني اننا نبرر قتل النظام لعشرات وربما مئات الآلاف من الضحايا، فكل نقطة دم سورية او عربية او اسلامية تسفك هي غالية علينا، ولكننا نختلف عن غيرنا اننا نعتبر جميع الضحايا السوريين، سواء كانوا تحت حكم النظام او في مناطق المعارضة، اهلنا وابناءنا واشقاءنا وخسارة كبيرة لنا ولامتنا العربية والاسلامية.
ما يؤلمنا ان سورية الآن ليست سورية التي نعرفها قبل اربع سنوات حيث حل الدمار في معظم ارجائها، وانعدم الامان، وتيتم الآلاف من ابنائها، بينما تزحف الامية الى آلاف آخرين في مخيمات اللجوء، وانهارت روابط الدم والاخوة وقيم التعايش في اجزاء كبيرة منها، وباتت التقسيمات الطائفية والاثنية هي السائدة للأسف الشديد عند الكثيرين.
سورية تملك ارثا حضاريا يمتد لاكثر من ثمانية آلاف عام ولا تستحق كل ما يجري على ارضها من قتل ودمار، ومن المؤسف ان الكثير من ابنائها نسوا هذه الحقيقة او تناسوها.

الرأي اليوم