خصم سيناء لصالح فلسطين: فرج سياسي جديد!

بالعربي-كتب حمزة ضيف: يريد النظام العربي الحاكم بقليل أوكثير من الاستثناء الأدبي، تصفيّة “القضيّة الفلسطينيّة” بأكثر الطرق التواءً ومواربةً، فقد سخّرتْ هذه القروح الممتدة مختلف الأدوات السياسيّة لـ”بسترة” الحلول الخاطئة من أجل تقليم أظفار المقاومة بمختلف أشكالها، وما إن تفرغ هذا النظم الحاكمة من وسيلة مُخفقة حتى تستخرج من أقبيّتها سِقطاً آخراً يدخل في لزوم ما لا يلزم، بقلانس وأسمال وأطمار ورساميل مجزلة .

نشرت جريدة ” جيروزالم  بوست” ( بتاريخ 08/09/2014) وهي جريدة إسرائيليّة تصدر باللغة الإنجليزيّة، تنشر وتطبع داخل وخارج ” إسرائيل”، خبراً لافتاً للغاية مفادهُ أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يرغب في منح الفلسطينيين مُقتطعاً أرضياً من سيناء تبلغ  مساحته 1600 كم²، من أجل تسويّة القضيّة الفلسطينيّة .

لاشك في أن جريدة ” الجيروزالم  بوست” سيئة الصيت من جهة مصداقيّتها، لكن يمكن أن نتحرّى فيها على أقل تقدير شيئاً ممّا يدور خلف الكواليس، ورغم أن رئيس السلطة الفلسطينيّة كان قد نفى هذا الخبر جملةً وتفصيلا، فيما أطرق السيسي في صمت مريب حيال الموضوع، يبقي أن الخبر لا يزال معلّقاً من تاريخه، ولم يكتسي مصداقيّة كاملة ولم ينتهي مفعوله بالنفي القاطع  في الآن ذاته، وبغضّ النّظر عن أن هذا المقترح ” التصفوي “  للقضيّة الفلسطينيّة ما فتئ يخفَى قليلاً ليمثُل من جديد إلى صفحات الجرائد، فقد سبق لـ” نيويورك تايمز″ أن بسطت قوافل من “الكتبة”، ليتباحثوا طويلاً حول الموضوع، مدججين بأقلامهم وألسنتهم  أيضاً، وحاملين قدراً من الاستنسابيّة  الرصينة  بغية تطويب هذا الجدار المهترئ، كلما لاح في الأفق مشروعاً سياسياً يهدف إلى حل القضيّة الفلسطينيّة .

والحال أن التاريخ لم يغلف بعد حدثاً قريباً من هذا في زمن الرئيس المصري السابق محمـد مرسي، عندما اُتهم صراحةً بمحاولة بيع أراضي من سيناء أومنحهم  لظهيره ” العسكري ” و” الإيديولوجي” حركة حماس، وما إن خمد صليل الهجوم بالانقلاب عليه، تماثل المشروع إلى الشفاء  مرة أخرى، وأضحى هذه الأيام ملتقى جهات “التصفيّة” المنظمة للقضيّة الفلسطينيّة .

بالتأكيد نحن لا نقطع بالصحة من أجل انتقاد الرئيس المصري الحالي  كيفما اتفق، ولا سيما أن المصدر مضروب المصداقيّة من جهة، ومن جهة أخرى ننخرط دون قصد أوتروي في خطيئة التلقي العربي الجاهز لكل ما ينشر في جرائد إسرائيليّة، لا نستبعد أنها غالباً ما تقيس برودة الماء برأس الخنصر عبر نشرها أخبار وتحليلات لا تعقمها مخابر عربيّة مستقلة بحسبانها جهات تحليليّة وأكاديميّة وليست أدوات رقابيّة تجتزئ الأخبار حفاظاً على المناخ العام .

النّظر إلى خبر كهذا، من حيث أنه مكرور ومطروح ومحبوك بأكثر من أداة بلاغيّة قبل أن تطرحه ” الجيروزالم  بوست”، يفتح قوسين مهمين للرؤية بأكثر من عين :
الأول:  هوأن سيناء بمعزل عن موقعها الجغرافي المكلّف لقاطنيها، لطالما عانت من التجاهل المركزي المصري، وأهلها كانوا في كل المُدد السياسي المتعاقبة في حكم مصر، محلاً للتعالي البرجوازي الحضري عموماً والرسمي خصوصاً، إذّ أنهم فقراء ومسحوقين، لطالما حملوا على أعطافهم شعورهم المزمن بالقهر والتهميش، فضلاَ عن الحزن المترتب عن ركنهم في رف بعيد ومهجور .

الثاني : يتمثل في أن هذا المقترح لووجد مسلكاً ناجز المرور إلى الأمام سوف يتمّ حلحلة الجيولوجيّة الفلسطينيّة، ونصبح حيال دياسبورا ( الشتات) أرضيّة، علاوةً على شتات بشري طافحاً بالحنين .

وما يعزّز ذلك هوأن المضمون السياسي الرسمي العربي غالباً، بات ينظر إلى القضيّة الفلسطينيّة بمختلف أساليب التعبير الجواني منه والبرّاني بحسبانها عبء يجب التخلص منه سريعاً، ولوكلف الأمر دفع رشى أرضيّة لـ” بتر” المقاومة، وإنهاء مأساة الشتات الفلسطيني بتوفير حلول مشاعيّة جانبيّة، تمرّ في ما قد يوصف لاحقاً بـ” العناد” الفلسطيني على سبيل الاتهام مرور السكين في الزبدة .
باقتضاب شديد ؛ إنّهم يفصلون شمال فلسطين عن جنوبها بجدار عنصري آخر يحبوإلى الخلف هذه المرة، جاء رمزي الصفة في حدوده الدنيا، لكنه أشد قسوة ومرارةً لكل أرض فلسطين .