في حجّة "الأمن الداخليّ" سياسيّون يعتقلون ويحتقرون في غزّة

بالعربي: مدينة غزّة - لم يتوقّع القيادي في حركة فتح بمدينة غزة نِهرو الحدّاد أن يمر بتجربة اعتقال على خلفية سياسية كتلك التي تعرّض لها خلال شهر يناير الفائت، إذ يروي تعامل جهاز الأمن الداخليّ في غزّة معه وعدد من قيادات الحركة قبل نحو شهرين من الآن، حيث ما زالت علامات الذهول بادية عليه من جرّاء المعاملة السيّئة والمهينة التي تلقّوها.

وقال نِهرو الحدّاد، 58 عاماً، أمين سر منطقة شرق مدينة غزة بحركة فتح، : إنّه ومنذ تأسيس جهاز الأمن الداخلي في عهد رئيس الوزراء السّابق إسماعيل هنيّة في منتصف عام 2007، وهو تاريخ بدء سيطرة حركة حماس على القطاع، استدعاه عشرات المرّات بسبب انتمائه إلى حركة فتح والفعاليّات الّتي تجريها الحركة في غزّة، غير أنّ فترة الاستدعاء في كلّ مرّة لم تكن تتجاوز السّاعات".

أضاف: "في 31 ديسمبر وأثناء فعالية إشعال شعلة انطلاقة فتح التي تأسست بتاريخ الاول من يناير من العام 1965، اتّصل بي أحد قيادات جهاز الأمن الداخليّ، وحذّرني من إقامة الفعاليّة في حجّة أنّها ليست مرخّصة. وفي اليوم ذاته، تمّت الفعاليّة لأن الموافقة على إقامة فعاليات انطلاقة الحركة موجودة مسبقا من قبل الحكومة في غزة وجهاز الأمن الداخلي".

وتابع الحدّاد: "كان من المقرّر في اليوم التّالي، أي في الأول من يناير المنصرم، إجراء مسيرة راجلة في مدينة غزّة لتأكيد الوحدة، وتواصل جهاز الأمن الداخليّ معي، وقيل لي إنّ هذه الفعاليّة ستجرّ شلال دماء، وأنّي المسؤول عنه. وبعد التشاور مع القيادة، تمّ إلغاؤها".

ولقد فوجئ الحدّاد، بعد  الغاء الفعاليّة بيومين، بوصول استدعاءات له ولمجموعة من القيادات للحضور إلى مقرّ الجهاز، فيما ذهبوا فوراً ظانّين أنّهم سيشكرون على إلغاء الفعاليّة.

وأشار إلى أنّهم عوملوا معاملة قاسية فيها الكثير من الإهانات، وقال: "بعد دقيقة من وصولنا أعصبوا أعيننا، ونقلونا إلى مكان آخر وصلناه بعد نحو نصف ساعة، وأظنّه مؤسّسة تعليميّة وليس مركز توقيف، لأنّي لاحظت بعد تزحزح العصبة عن عينيّ قليلاً، لافتة ترمز إلى هذا الأمر".

ولفت إلى أنّ عناصر الأمن الّتي اعتقلتهم سخرت منهم وأمرتهم بخلع ملابسهم، إلاّ من قطعة ملابس داخليّة واحدة، في حين كانت درجات الحرارة متدنيّة جدّاً.

وإنّ مسلسل الإهانة، وفقأ للحدّاد بدأ يتّخذ منحى أكثر حدّة، حينما أعطت عناصر الأمن كلاًّ منهم رقماً متسلسلاً، إضافة إلى أنّها أطلقت عليهم أسماء إناث تناديهم بها، وقال: أثناء صعودنا على سلّم المكان، طلبت منّا أن ننعت أنفسنا بأسماء الحيوانات كـ"كلب وحمار"، وكلّ من يتخلّف عن هذا الأمر كانت تضربه على مؤخّرته، فذُهلت في شكل رهيب، إذ أنّي لم أستطع الاستيعاب أنّ هذا الأمر يحصل لي بعد مسيرة نضال طويلة بعد مقاومتي الاحتلال وأسري لعدد طويل من السنوات لديه".

ولفت الحدّاد إلى أنّ من ضمن ممارسات الإذلال الّتي مورست ضدّهم من قبل الجهاز، إمساكهم من آذانهم لسوقهم، واحتقارهم بالقول لهم إنّ روائحهم تشبه روائح الحيوانات، ناهيك عن زجرهم في حال ارتعشوا من البرد، بل وصبّ المياه عليهم.

وأكّد أنّ مطالبهم بالصلاة والذهاب إلى الحمّام قوبلت بالرّفض، مشيراً إلى أنّه بعد انتهاء إهانتهم والتّحقيق معهم طلب منه العمل معهم كمُخبر لهم يعطيهم المعلومات، مشيراً إلى أنّ الإفراج عنهم لم يكن عاديّاً، حيث اقتادوهم جميعاً بسيّارة وألقوا بهم في أماكن متعدّدة في مدينة غزّة.

وأكّد العديد من المعتقلين السياسيّين الّذين تعرّضوا لما تعرّض له الحدَاد لـ"المونيتور" في لقاءات منفصلة، صحّة ما جاء به زميلهم، إذ استدعيوا معاً إلى المكان ذاته وعوملوا بالطريقة نفسها.

من جهته، رفض رئيس لجنة الرّقابة وحقوق الإنسان في المجلس التشريعيّ في قطاع غزّة والنائب عن حركة "حماس" يحيى موسى، الحديث معنا عن ممارسات الجهاز والاعتقالات الأخيرة في صفوف قيادات حركة "فتح" في حجّة عدم وصول أيّ شكاوى إليه من قبل مؤسّسات حقوق الإنسان أو حتّى المعتقلين، بل نفى علمه بهذا الأمر في شكل مطلق.

وأشارت منسّقة وحدة تقصّي الحقائق وإدارة الشكاوى في الهيئة المستقلّة لحقوق الإنسان في غزّة المحاميّة صبحيّة جمعة إلى أنّ الاستدعاء والاعتقال يندرجان تحت بند الاعتداء على حريّة الأشخاص والمؤسّسات العامّة.

وأوضحت جمعة أنّ جهاز الأمن الداخليّ، وبحسب إفادات المعتقلين، اعتدى عليهم وعاملهم معاملة تحطّ من كرامتهم، ناهيك عن قيامه بعد نحو أسبوع باستدعاء مجموعة من شمال غزّة للحضور إلى مقرّه لمعرفة نشاطهم في "فتح"، وقالت :"أيّ اعتقال من دون اتّباع الوسائل القانونيّة أمر مستهجن، فلا يجوز توقيف أيّ مواطن، إلاّ وفق القانون وشبهات معقولة من دون ضربه، وهناك طرق اعتقال وظروف تحقيق محدّدة، وتحديد عدد ساعات الاعتقال، وأيّ خلل في إحدى هذه الإجراءات يبطل البقيّة".

وبيّنت جمعة أنّه عقب كلّ انتهاك للجهاز الّذي يعمل وفق قانون الإجراءات العسكريّة، تتلقّى هيئتها الشكاوى من قبل المساجين أو ممّن أطلق سراحهم، وترسلها إلى إدارة الجهاز عبر رسائل مكتوبة للمطالبة بالتّحقيق فيها، غير أنّ غالباً يتمّ الإنكار، فيما يتمّ الاعتراف ببعض الحالات، لكن في شكل سريّ.

ورغم أنّ جهاز الأمن الداخليّ أنشئ لغاية ملاحقة المتّهمين في التّخابر مع إسرائيل حسب التّصريحات الإعلاميّة المتعدّدة لقياداته، إلاّ أنّ الهاجس الأمنيّ سيطر على مساحة كبيرة من تفكيره وعمله، إذ يعتبره العديد من سكّان القطاع "البُعبُع" الّذي يلاحقهم في ما لو انتقدوا سياسات "حماس" أو حكومتها السّابقة.

ولفت المتحدّث باسم وزارة الداخليّة في غزّة إياد البزم إلى أنّ الجهاز لديه الكثير من الإنجازات تتعلّق بتأمين الساحة الداخليّة وملاحقة الجواسيس وشلّ قدرة الاحتلال الاستخباراتيّة، مشيراً إلى أنّه يؤدّي دوراً بطوليّاً ويواجه تحدّيات كثيرة بإمكانات قليلة، وقال "إن كان هناك مواطنون قاموا ببعض المخالفات وحاولوا المساس بالأمن العام، يبقى رأيهم أنّ الأمن الداخليّ هو بعبع خاصّاً بهم".

وكان هناك  نماذج لاستدعاءات أرسلت إلى عدد من قيادات حركة "فتح" للحضور إلى مقرّ الجهاز، وتوثيق ما تعرّضوا له في عدد من مؤسّسات حقوق الإنسان كالهيئة المستقلة، غير أنّ البزم ينفي أمر الاعتقال جملة وتفصيلاً، وقال: "الكلّ يعلم أنّ الساحة الفلسطينيّة تعاني من انقسام، رغم توقيع إتّفاق مصالحة. ونحن نتعرّض لاتّهامات دائمة في شأن الاعتقالات، ولم يثبت اعتقال عدد من كوادر حركة فتح، ونؤكد في وزارة الداخليّة عموماً أنّ الأجهزة الأمنيّة تقوم بحفظ أمن المجتمع، وليس من دورها إهانة أيّ مواطن".

وأشار البزم إلى أنّ أجهزة أمن وزارته في غزّة كلّها يحكمها القانون الأساسيّ الفلسطينيّ الّتي تعمل وفقه، مشدّداً على حرصهم على عدم تجاوزه.

المونيتور