فيديو| على طاولة برنامج عين على العدالة ..”العدالة الانتقالية وجهود المصالحة الوطنية”


الحديث عن المصالحة اليوم هل هو ترف فكري أم احتياج وضرورة؟

آليات العدالة الانتقالية: تتضمن الاعتراف بارتكاب الانتهاك والاعتذار عنه وتعويض ضحاياه والإصلاح المؤسسي.

“ثقافة التسامح: يجب تعليم هذه الثقافة لأولادنا في المدارس والجامعات والمساجد والكنائس، على قاعدة تقبل الآخر وتقبل الاختلاف كونه سنة الطبيعة والكون”.


بالعربي: ناقشت الحلقة الثالثة من برنامج “عين على العدالة” والذي ينتجه المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء “مساواة” بالتعاون مع وكالة مدى الأخبار بالشراكة مع برنامج “سواسية2- لتعزيز سيادة القانون في فلسطين”، ويقدّمه الإعلامي فارس المالكي، موضوع “العدالة الانتقالية وجهود المصالحة الوطنية”، وشارك فيها مديرة جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية أمل خريشة، وعضو المجلس الإداري لنقابة الصحفيين فارس الصرفندي، والمحاضر الجامعي في قطاع غزة محمود صيام.

وفي ردها على سؤال هل فعلا الحديث عن المصالحة الوطنية أصبح اليوم ترفاً فكرياً أم احتياج وضرورة؟

أكدت خريشة أن هذا الأمر هو ضرورة واستحقاق وطني حقوقي تنموي وأن هذا الاستحقاق مرتبط بأهداف الشعب الفلسطيني في الخلاص من الاحتلال، وتوحيد كافة الجهود ضمن نظام سياسي ديمقراطي مبني على الشراكة الفعلية، وعلى التعددية وتداول السلطة واحترام الشعب الفلسطيني وخياراته وقراراته، وبالتالي فهو ليس رياضة ذهنية ولا تنظير ولا تسويف، مضيفة “لكن للأسف توقف مسار المصالحة عمليا وفشل كل المحاولات والاتفاقيات  المبرمة بشأنها برأيي أبعدت الموضوع عن الحراك المجتمعي، وبالتالي غاب اهتمام الشارع الفلسطيني بالضعط الفعلي على طرفي الانقسام نتيجة لوجود هوة واسعة بين الشعب الفلسطيني والنظام السياسي وتحديدا حركتي فتح وحماس، لذلك أعتقد يجب الاستفادة في طرح هذا الموضوع من التجارب والدروس السابقة، ومن التحليلات الجدية التي طرحت سواء من المجتمع المدني أو من شخصيات سياسية واكاديمية”.

وأكدت خريشة أن أحد أسباب فشل مسار المصالحة هو الاحتلال وسياساته واجراءاته من جهة، وغياب استراتيجية فلسطينية وطنية من جهة أخرى، تستند إلى حقيقة أننا في فلسطين لا زلنا في مرحلة تحرر وطني وبالتالي القضايا المرتبطة بوهم أوسلو والتدويل والدولة والسلطة، سواء كانت السلطة بغزة أو بالضفة أسهم بالفعل في عدم نجاح مسار المصالحة، وأضافت أن تهميش المنظمة الجامعة والممثلة ل 14 مليون فلسطيني وليس فقط لقطاع غزة ومناطق ال 67 ساهم في فشلها أيضا، ونوهت إلى أهمية إرجاع المشهد إلى وضعه الطبيعي لكي تقول الناس كلمتها وتضغط باتجاه المصالحة وأن يعود القرار للشعب الفلسطيني فيها وفي الآليات التي يمكن توظيفها لذلك.

كما أشارت خريشة إلى غياب الارادة السياسية لدى طرفي الانقسام، حيث قام الطرفان طيلة السنوات الماضية بتهميش مصالح الشعب الفلسطيني مقابل الحفاظ على مصالح أصحاب النفوذ والنخب السياسية والاقتصادية التي تبلورت عقب سنوات الانقسام الطويلة.

وأضافت: “الجانب الآخر من المعيقات يتمثل في أن كل مفاوضات اتفاقيات المصالحة لم تشرك أحدا من الشعب فيها، إذ اقتصرت بشكل أساسي على فتح وحماس، وبالتالي حتى القوى السياسية الموجودة في منظمة التحرير لم يكن لها كلمة الفصل، ولم تكن مؤثرة إطلاقاً، إضافة الى إهمال رؤية الحراكات الشبابية والشباب الذين يشكلون 60% من الشعب الفلسطيني وتغييب دورهم، المتزامن مع فرض عقوبات تستهدف لقمة العيش وتشمل التنكيل والاعتقالات والاغتيالات السياسية كلها شكلت معوقات أبعدت الناس عن الحديث عن المصالحة والمطالبة بإنجازها.

ورغم سوداوية المشهد أكدت خريشة أن الفرصة ما زالت موجودة لإنجاز المصالحة، فمازال هناك أصوات فلسطينية ليس فقط بالضفة الغربية وغزة وفي الشتات أيضاً تعمل بشكل جدي من أجل إحداث تغيير على النظام السياسي، وأضافت “لهذا أعتقد أن جهد 14 مليون يقع عليهم إعادة انتخاب مجلس وطني ومجلس تشريعي ورئاسة وقيادات النقابات المهنية ورد الاعتبار لثقة الشارع وكلمته يمكن أن يجبر كلا الطرفين ويبلور تيارا وطنيا ثالثا ما يشكل مدماك أساسي من أجل تغيير النظام السياسي”.

كما أكدت خريشة أنه من الممكن الذهاب إلى عصيان مدني للضغط باتجاه توفير إزادة سياسية جدية وعملية للوصول للمصالحة.

بدوره أكد المحاضر الجامعي في قطاع غزة الأستاذ محمود صيام أنه إذا توفرت الإرادة السياسية في إنهاء الانقسام وإصلاح ما دمّر من النسيج الوطني الفلسطيني، ييسر الأمر على مؤسسات المجتمع المدني لتلعب دورا مساعدا لإنجاز المصالحة فالإرادة السياسية هي المدخل العملي لحل المشكلة، وفي غيابها كالحالة التي نعيشها والتي توحي إلى تلمس حقيقة أن طرفي الانقسام متفقين على إبقاء هذا الصراع واستمراره،  ما يوجب أن يكون للمجتمع المدني والمنظمات الأهلية دور الكلمة الفصل والتأثير القوي.

وفي ردّه على سؤال ما المقصود بمصطلح “العدالة الانتقالية” أكد صيام: العدالة الانتقالية هي تجربة مجتمعية إنسانية طورها فقهاء القانون، ويجب أن يتعلم أي مجتمع أو أي إنسان أو مؤسسة من تجارب الآخرين، وأشار “في كل الشعوب تحدث صراعات ونزاعات مسلحة تؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي وظهور الكثير من المشكلات”.

والعدالة الانتقالية طورها الكثير من الباحثين بناءً على تجارب جنوب أفريقيا وروندا، وهذه من أكبر الدول التي شهدت نزاعات عسكرية داخلية، وتبنت العدالة الانتقالية التي كان لها نجاحا باهراً، والعدالة الانتقالية تبدأ أولا بالاعتراف بالمشكلة وبالاعتذار ثانيا، وبعدها يتم النظر في قضية الأشخاص المتضررين ويتم تعويضهم، وتسن القوانين والتشريعات التي لا تترك أي ثغرة للرجوع للماضي وللحقبة السوداء “احداث 2007″،  إلى جانب أهمية تعميم “ثقافة التسامح” التي يجب تعليمها لأولادنا في المدارس والجامعات والمساجد والكنائس، بما فيها تقبل الآخر وتقبل الاختلاف وهو سنة الطبيعة والكون.

وأشار المحاضر الجامعي صيام أنه قد يتفاجأ الكثيرون بأن اتفاق القاهرة الذي أُبرم بين حماس وفتح عام 2011، ذكر المصالحة الاجتماعية ووضع الآليات لها ولم يكن له علم بآلية تطبيقها وارتباطها بالعدالة الانتقالية، حيث أثيرت العدالة الانتقالية عبر المنظمات المدنية، ولم يكن للقيادة السياسية علم بها، وفي عام 2011 تم الاتفاق على خطوات عامة ليست متخصصة وغير دقيقة.

وتحدث صيام عن مفهوم العفو والتسامح المجتمعي قائلا: ” جزء مهم من آليات العدالة الانتقالية إرضاء وتعويض الضحايا نفسيا وماديا، فالجزء النفسي يتعلق بالاعتذار وجبر الخواطر واحضار كبار البلد ليشعر الضحايا انهم جزء مهم من المجتمع وله قيمة، والتعويض المادي يتمم عملية الرضى النفسي”.

هل ممكن التوافق على جهة قضائية يمكنها النظر والفصل في انتهاكات حقوق الإنسان الناتجة عن الانقسام؟

يرى صيام عدم جدوى المساءلة وينصح بتجاوزها موضحاً أنها لا تزال محل خلاف حتى الآن. وأكد صيام على “إن كلمة السر في الحل هي الانتخابات، إذ يجب أن يقول الشعب كلمته الحرة في اختيار ممثليه وإلا فإن وجود القيادة الحالية واستمرارها لن يصل بنا إلى أي شيء”.

وأشار صيام إلى دور وسائل الإعلام السلبي قبل 2007 في تأجيج الصراع ما بين الحركتين، مشيرا إلى أن 85 % من وصولنا إلى الاقتتال كان سببه الإعلام، خارجيا كان أم حزبيا ضيقا يمارس داخل الاراضي الفلسطينية مضيفاً “هذا الإعلام الذي ارتكب هذه الخطيئة في تلك الأيام يجب عليه تصحيح ما ارتكبه، ويجب أن تتوافر إرادة إعلامية لإعادة إثارة الحديث عن المصالحة المجتمعية للمساهمة في تقدمها، والضغط على القيادة السياسية لإرجاع هذا الملف على الطاولة”.

ومن جانبه أكد عضو المجلس الإداري لنقابة الصحفيين فارس الصرفندي أن غياب مشهد المصالحة الوطنية عن الإعلام في الآونة الأخيرة مرده الشعور بعدم وجود إرادة جدية لدى طرفي الانقسام بطي هذه الصفحة، الأمر الذي دفع الإعلام  ليكون غير معني بتناول هذه القضية، لا سيما بعدما انتكست الأمور منذ عام 2007 وتحديدا من 14/6/2007 وحتى اليوم، ونحن نتحدث عن خمسة عشر عاما ونحن نتحرك من اليمن الى القاهرة الي مكة.. وآخرها الجزائر دون جدوى.

واتفق الصرفندي مع ضيوف الحلقة بغياب الإرادة السياسية لانهاء الانقسام موضحاً “الطرفان استمروا في هذه الحالة والطرفان أصبحوا يعيشون على الأنقاض ويقبلون بأن تكون هذه الأنقاض هي المغذية للحالة الفلسطينية، لذلك تجد أن الإعلام أصبح غير معني وغير مهتم”.

وأضاف “الأمر الآخر المهم وأنا أخشى ما أخشاه أننا اصبحنا نتعامل مع الانقسام كواقع، وهنا يأتي دور الإعلام في إيضاح أولاً خطورة ما يحدث على القضية الفلسطينية التي عمرها 74 عاما، فبدل أن تكون دائما واضحة وبارزة وهي الشغل الشاغل للعالم أصبحت ثانوية وأصبحنا غير موجودين على خارطة السياسة العالمية، وثانياً ان نوضّح للجيل الجديد؛ حيث أصبح لدينا جيل عمره 15 عاما عاش على الانقسام؛ وهنا تكمن الخطورة ان يصبح التعامل مع المشكلة كظاهرة طبيعية، وأخيرا فيما يتعلق بموضوع العدالة الانتقالية وتجربة جنوب أفريقيا وتجربة روندا نجحت بالفعل، ولكن التجربة ذاتها فشلت في معظم البلدان العربية، لذلك من الضروري أن نوضح للناس أن العدالة الانتقالية هي التي ستعيد لك حقك، لذلك علينا أن نعمل بالإعلام على تعزيز فكرة العدالة الانتقالية”.

وأوضح الصرفندي أن حالة الانقسام لا زالت تلقي بظلالها على وسائل الإعلام الحزبية، الدليل أنه مع أول خلاف تبدأ الفضائيات الحزبية “بالردح والتخوين والتكفير”، وكأن الموضوع أصبح مواسم.

وأضاف “الإعلام هو الأساس، فقبل 2007 بعد اتفاق مكة، كنت أنا ممن قالوا إنه خلال 90 يوم من إبرامه سوف يفشل الاتفاق، وفعلا بعد أقل من تسعين يوم وقعت الكارثة”.

وعن دور الاعلام في المصالحة أكد قائلاً “على الإعلام ان يبدأ بالضغط على الطرفين.. للأسف الطرفين غير معنيين لان الامتيازات أصبحت أغلى من مصلحة الوطن” مؤكداً “يجب على الفصائل الفلسطينية أن تستيقظ وتضغط لإعادة المسار إلى إنهاء الانقسام”.

أكد الصرفندي أن اللجان المنبثقة عن اتفاقيات المصالحة لا علاقة لها بلجان العدالة الانتقالية قائلاً “لا اطلاقا ليست مؤهلة، ففكرة أن يتم تشكيل لجان لتثبيت العدالة الانتقالية بحاجة أولا إلى أن تمثل هذه اللجان الكل الفلسطيني وأن تبتعد عن المحاصصة، ويجب أن تكون هذه اللجان مكونة من متخصصين وخبراء وأشخاص مؤهلين حتى تؤتي ثمارها”.

وأضاف “الاعتذار هو أساس العدالة الانتقالية، ويجب أن يعترف الطرفان بأنهما أجرما بحق الشعب الفلسطيني وأن ما قاما به كارثة بحق قضية عمرها مئة سنة، وعلى من ساهم في ذلك وكان جزءً من الكارثة أن يبتعد عن المشهد ويعطي الدور لجيل جديد مقتنع بضرورة تنفيذ المصالحة”.