أيها الأسرى إذهبوا انتم وربكم فقاتلوا إنا ها هُنا قاعدون

بالعربي- كتب- محمود حسنين:

اعتادت ان تجلس في خيمة الاعتصام وفي أوائل الصفوف نُصرةً لإبنها المضرب عن الطعام منذ ما يزيد عن الشهر، وفي احد الايام أصابها التعب والمرض والارهاق فبدل ان تجلس في خيمة الاعتصام كانت في المشفى تتلقى العلاج وأنفاسها الأخيرة تتصاعد الى السماء، لاحظ أهالي الاسرى ذلك وبحثوا عنها حتى علموا بمكانها، فذهبوا وقرروا الاعتصام بجانبها في المشفى، نعم انها والدة الاسير فارس البارود الذي وافتها المنية قبل يومين في غزة، وما كانت اخر كلماتها إلا عن ابنها الاسير المضرب وكم تمنت لقائه وضمه الى صدرها.

والدة فارس واحدة من بين مئات الأمهات اللواتي فارقن الحياة وحسرة لقاء تجمعهن مع ابناءهن الاسرى تسيطر على قلوبهن، فقد سبقتها والدة الاسير محمد دلايشة المضرب عن الطعام حيث توفيت في اليوم الـ18 لاضراب الاسرى، اي محتل هذا الذي يستطيع ان يعذب عائلة كاملة بطرفة عين؟.

ان ما يحدث للاسرى الان هو أمر مخزٍ ولا يمتُّ لفلسطينيتنا بصلة ولا لقضيتنا التاريخية بصلة اخرى، اسرى مضربون، وشارع يبحث عن لقمة العيش، وسلطة متلعثمة في قراراتها، ان اسوء فترة للقضية الفلسطينية هي التي نعيشها اليوم في ظل عدم اكتراث الشارع الفلسطيني بأعدل قضية عرفها التاريخ وهي اسرى الحروب.

انا انتمي لمخيم الجلزون الذي يقع شمال رام الله وافتخر انني أحد ابنائه وان ما يزيد عن 35 اسيراً من المخيم مضربين عن الطعام من اجل نيل كرامتهم التي يسلبها السجان منهم شيئاً فشيئاً، ولان جميع ابناء المخيم إكتووا بنار الأسر يعلمون ويدركون حجم المصيبة التي تقع على عاتق الاسرى الان، وان من واجبهم مساندتهم بكافة الطرق والاشكال، لانه وان فشل الاضراب لا قدر الله فان الاسرى سيضيعون الى أبد الأبدين، وان السجون ستصبح مسلخاً لكل من يدخله، لذلك يقوم شبان المخيم بشكل شبه يومي باغلاق الطرق واشعال الاطارات ليصعد الدخان الأسود القاتم ليعبر عن قتامة المشهد الفلسطيني تجاه قضية الاسرى، ويعلن حالة من العصيان المدني على سلطة لم يجرؤ رئيسها بعد اكثر من شهر على الاضراب بالخروج بتصريح رسمي يساند فيه الأسرى ويشد من عضدهم، ويعلن للعالم من امريكا ان أولويتنا الان هي حياة الاسرى وكرامتهم.

حقاً ان المتابع الحقيقي لاضراب الاسرى وحجم التفاعل معه يشعرني بالحزن والأسى والعجز من الحالة الوضيعة التي وصلنا إليها، ربما العجز الأول هو في قيادتنا التي استطاعت ان تجعل الفلسطيني همه الأول والأخير ان يبحث عن لقمة تسد بطون أبنائه الصغار، والعجز الثاني هي القروض التي أثقلت كاهل الفلسطيني التي جعلت شغله الشاغل كيف سيؤمن مستحقاتها نهاية كل شهر، حالتنا هي أشبه بالحضيض بل اقل من ذلك.

ان رسالة الأسرى لدينا قد وصلت ولكن لم يستطع احد منا ان يفك شيفرتها ويفهمها كما يطلبه الاسرى في داخل باستيلات الاحتلال، وأظن ان الاسرى سيطول بحثهم عن قارئ الرسالة وصاحبها الحقيقي، فحين صرخت ام اسير في وسط رام الله "احنا ما بدنا نزغرد لما يستشهدوا ولادنا، احنا بدنا زلام يحرروهم، وين الزلام؟" لم تجد احد يجيبها ويقول ها نحن يا أختاه وسنعيد ابنك واخوك ووالدك اليك، وكأن حال لسان الشارع الفلسطيني يقول للأسرى وذويهم ان اذهبوا انتم وبكم فاقتلوا إنا ها هنا قاعدون.